منذ عام 2008، يشارك الناشط في المجتمع المدني بولاية قفصة التونسية، نور الدين الهاني، في الاحتجاجات المطلبية في الحوض المنجمي التابع للولاية الواقعة جنوب غربي تونس، عقب ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011 التي أطاحت بنظام بن علي. أفرط الهاني ورفاقه بالتفاؤل، كما يصفون حالهم، إذ ارتفع سقف توقعاتهم إلى إمكانية تحقيق مطالبهم في التنمية العادلة والتشغيل للعاطلين عن العمل في محافظتهم التي تحتل المركز الأول على الصعيد الوطني في نسبة البطالة التي تبلغ 26.2 % من إجمالي القوى العاملة، وهو ما يفوق المعدل الوطني البالغ 15.1، وفقاً لأحدث بيانات المعهد الوطني للإحصاء.
"كل جانفي (يناير/ كانون الثاني) منذ 2008، تتجدد الاحتجاجات في الحوض المنجمي، هذه المرة تونس كلها تشاركنا الحراك ضد التهميش"، كما يقول الهاني لـ"العربي الجديد"، قبل أن يتابع "مطالب الثورة تم الالتفاف عليها، بعد أن راح ضحيتها عدد كبير من الشهداء، وهذه المطالب أهمها التنمية والتشغيل. في قفصة لم يتحسن الوضع اجتماعياً وتنموياً بل على العكس ازدادت البطالة والفقر، إضافة إلى غلاء المعيشة. كما تنامت ظاهرة الرشوة، خاصة في ملف التشغيل".
اقرأ أيضاً: بالصور: احتجاجات تونس.. أحداث عنف تشوه تظاهرات القيروان
تحالف العاطلين والمهمشين
تعتصم المهندسة جمعة طبابي الحاصلة على الإجازة في الهندسة الكهربائية، في إحدى الوحدات الإنتاجية لاستخراج الفوسفات بمدينة الرديف التابعة للحوض المنجمي، طبابي هي أم لطفلين، تعاني من البطالة التي ترتفع بين الإناث في عموم تونس وتصل إلى نسبة 22.2% في مقابل 11.4% للذكور.
بعد أن تخرجت في 2006، طرقت جمعة كل الأبواب، من مسؤولين محليين ومسؤولين جهويين، "قمت بإرسال عديد الرسائل حتى إلى الحكومة، لم يرد عليها أحد"، كما تقول لـ"العربي الجديد"، وهو ما يشبه ما حدث مع 40 شاباً آخرين من الحاصلين على شهادات عليا، وكلهم اختاروا الاعتصام في خيمة بإحدى الوحدات الانتاجية في الرديف ومنع خروج قطار الفوسفات نحو الوحدات الصناعية، من هؤلاء يوسف بويحي العاطل عن العمل والحاصل على شهادة جامعية منذ عام 2010، والذي يصف فرصة العمل بالمنعدمة في مدينة الرديف المنجمية.
يقول بويحي "حتى عند التفكير في إنشاء مشروع فالإجراءات الإدارية والتمويل الذاتي كلها تمثل عائقاً أمام طموحاتنا". مؤكدا أن الحراك أو الاحتجاجات الموجودة في أغلب الجهات سلمية ودستورية وتتفق مع ما ينص عليه الدستور من حق التشغيل والعيش الكريم.
لم تقتصر الاحتجاجات في قفصة على العاطلين، بل شملت عاملين في القطاعات التشغيلية الهشة مثل عمال الحظائر (عمال يشتغلون في ظروف عمل هشة ودون تغطية اجتماعية يتراوح أجرهم في حدود 140 دولاراً شهرياً، وأغلبهم هم عمال نظافة وأعوان حراسة وعمال)، وكذلك عمال الآلية 16 (شباب يحملون شهادات جامعية ويقومون بوظائف مختلفة في كثير من الإدارات بالقطاع العام مثل الصحة، والتعليم. ومقابل ذلك يحصلون على أجر زهيد في حدود 60 دولاراً شهريا. من بين المحتجين حسن الرحيلي الذي قضى أكثر من 14 عاماً في العمل يعمل بالفلاحة التابعة للولاية، وبعد أن بلغ الستين من عمره فإن أجره لم يتجاوز 300 دينار تونسي؛ أي ما يقارب 150 دولاراً، فيما لديه 3 أبناء في مراحل دراسية مختلفة. يقول الرحيلي لـ"العربي الجديد" إنه "اعتصم كثيراً من المرات رغم كبر سنه، إذ يريد إيصال صوته للجهات المسؤولة، ومطلبه الوحيد هو تسوية وضعيته المهنية". وأكد هو وزملاؤه أن لديهم وثائق فيها تعهد من السلطات الجهوية ومن رئاسة الحكومة بتسوية وضعيتهم المهنية، ويضيف أن هذا القرار صادر منذ تاريخ يونيو/ حزيران 2015.
وطالب الأحزاب بتبني مطالب الشعب وقال "لاحظنا غيابها وتأطيرها لهذا الحراك الذي أراد عدد من الناس إخراجه عن مساره من خلال عمليات السرقة والنهب التي عاشتها بعض المناطق".
اقرأ أيضاً: تونس.. مياه ملوثة تفتك بأهالي المدن الساحلية
إحصاءات وأرقام
وفقاً لإحصاءات منشورة فإن حصيلة نشاط شركة فوسفات قفصة تراجعت خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2015، إذ لم تنتج سوى 650 ألف طن من الفوسفات، في حين كان المخطط أن يتم إنتاج أكثر من مليونيْ طن بحسب تصريحات صحافية لعلي الهوشاتي مدير مصلحة الاتصال في الشركة. ويشغل قطاع الفوسفات في قفصة 30 ألف شخص بشكل مباشر وغير مباشر. وتمثل العائدات المالية لتصدير الفوسفات 10% من إجمالي إيرادات صادرات تونس. وفي 2010 أنتجت تونس أكثر من 8 ملايين طن من الفوسفات، لكن الإنتاج تراجع إلى 2.2 مليون طن عام 2011 وإلى 2.6 مليون طن في عام 2012 وإلى 3 ملايين طن في عام 2013 وإلى 3.5 ملايين طن سنة 2014، بحسب إحصاءات رسمية للشركة.
ويتكون الحوض المنجمي من 4 مدن هي المظيلة والرديّف وأم العرائس والمتلوي التي تتبع إدارياً ولاية قفصة، وشركة فوسفات قفصة هي المشغل الرئيسي في الولاية، والتي شهدت عام 2008 في الحوض المنجمي انتفاضة احتجاجية، إثر تزوير نتائج مسابقة توظيف في الشركة، وقمعت شرطة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي تلك الانتفاضة، ما أدى إلى قتل 4 متظاهرين، ومنذ ذلك الوقت تعيش قفصة على وقع الاحتجاجات المستمرة للمطالبة بفرص عمل لأبناء الولاية في شركة الفوسفات.
ويفسر فتحي التيتاي، عضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وناشط في المجتمع المدني بمدينة قفصة، سبب الاحتجاجات بعدم ثقة المواطن في النخب السياسية، قائلاً لـ"العربي الجديد": "مرت على الثورة التونسية خمس سنوات ولم تتحقق مطالب الشباب التونسي، خاصة التشغيل". وبين أن هذا الحراك جاء نتيجة التراكمات والاعتصامات وإضرابات الجوع في أغلب مدن ولاية قفصة، المتصاعدة منذ 4 أعوام. متابعاً "يناير شهر الحراك الاجتماعي، وتاريخياً أغلب التحركات الاحتجاجية قامت خلال هذا الشهر".
وحسب تقديره فإن مستقبل هذا الحراك بيد السلطة وعليها مراجعة سياستها ومراجعة برنامجها الاقتصادي والاجتماعي من أجل تخفيف ضغط الشارع. وقال إن هذا الحراك سيبقى متواصلاً، نظراً لعدم وجود حلول ملموسة تهدئ من غضب الشباب، خاصة أصحاب الشهادات العليا العاطلين عن العمل.
اقرأ أيضاً: 4 أسباب تغذي داعش بشباب تونس
الأحزاب تتفق على مساندة الحراك وتتبادل الاتهامات
يؤكد رضا السماوي، الناطق الرسمي لحركة النهضة في قفصة، أن حركته تساند الحراك وكل المطالب التي تنادي بالتنمية والتشغيل، إذ إنها مطالب مشروعة، حسب قوله، قامت من أجلها ثورة تونس. قائلاً لـ"العربي الجديد": "على المستوى الرسمي قام النائب في مجلس نواب الشعب عن قفصة محسن السوداني (حركة النهضة) بزيارة عدد من المعتصمين من أصحاب الشهادات العلمية العاطلين عن العمل، وقام بإيصال مطالبهم إلى الجهات المسؤولة على المستوى المركزي". لكن السماوي اتهم أنصار الجبهة الشعبية (ائتلاف حزبي) بمحاولة استغلال الاحتجاجات الاجتماعية في أجنداتهم السياسية.
يرد المنسق الجهوي لحزب العمال وعضو الجبهة الشعبية في مدينة قفصة، حبيب التباسي، على الاتهام السابق، قائلاً لـ"العربي الجديد": "الجبهة مع الشارع ومع هذه الاحتجاجات السلمية التي تنادي بالتشغيل، وسبق أن نبهت إلى الأوضاع المتدهورة في جهة قفصة من بطالة وفقر وغلاء للمعيشة، وهذا ما أدى إلى هذه الاحتجاجات".
وحمل التباسي على اجتماع المجلس الوزاري الأخير، والذي لم يقدم أي جديد على مستوى الحلول التي تم تقديمها، واصفاً إياها بالترقيعية، وبالتالي، حسب قوله، فإن هذه الاحتجاجات ستبقى متواصلة والبلاد تسير نحو توجه جديد ربما يكون ثورة أخرى.
وتتفق النائبة عن حركة نداء تونس أسماء أبو الهناء عن محافظة قفصة، مع النواب السابقين في مساندة الحراك ومطالب أهالي قفصة قائلة لـ"العربي الجديد": "الحوض المنجمي له خاصية معينة، فهذه المنطقة عاشت سنوات طويلة على وقع الاحتجاجات وكانت بدايتها مع نقابات المناجم التي كانت تقوم بتحركات كبيرة من أجل حقوق العمال، وعام 2008 لن ينسى من ذاكرة كل التونسيين، هذا التاريخ الذي هزم فيه النظام السابق من خلال انتفاضة الحوض المنجمي. الإضراب السلمي حق دستوري".
وتابعت "قفصة تعيش نفس الوضع الذي تعيشه أغلب جهات البلاد، وأنا بصفتي نائبة عن الحزب الحاكم أعطي شرعية لهذه التحركات، خاصة تحركات أصحاب الشهادات العلمية الذين وقع تهميشهم بعد الثورة".
ولفتت إلى أن المشغل الوحيد في قفصة هي شركة الفوسفات التي لا تستطيع استيعاب كل المعطلين، وخاصة أصحاب الشهادات الجامعية الذين يفوق عددهم 15 ألف عاطل. وقالت "نسعى للضغط على الحكومة من أجل تفعيل مبدأ التمييز الإيجابي بين الجهات، ونسعى أيضاً إلى تنفيذ ولو جزء صغير من طموحات شبابنا الذي يعاني من البطالة".
وحول مستقبل الاحتجاجات تقول النائبة أسماء أبو الهناء، "نخشى استغلال الحراك السلمي للشباب ممن يقومون بأعمال عنف وتخريب تضر بالبلاد. يومياً أتحدث مع عدد كبير من المحتجين وأحاول أن أدعوهم للتظاهر السلمي دون المساس بأملاك الخاصة والعامة".
اقرأ أيضاً: أزمة اليسار العربي1.. الثورة التونسيّة تمنح الحمر قبلة الحياة
توقف جزئي لإنتاج الفوسفات
أسفرت الاحتجاجات التي اجتاحت أغلب مدن محافظة قفصة عن عدة محاولات نهب وسرقة بعض المؤسسات العامة والخاصة، من بينها سرقة المستودع البلدي في وسط مدينة قفصة، ويقول عمر القروي المكلف بالحجز والإيداع في المستودع لـ"العربي الجديد" إن "أطرافاً مجهولة قامت بنهب ما يقارب 120 دراجة نارية وبعض المعدات الموجودة بالمستودع، إضافة إلى تخريب 3 سيارات كانت موجودة"، وبيّن أنه "لولا تدخل قوات الأمن لكانت الخسائر أكبر".
توقف إنتاج الفوسفات بشكل كلي في مدينة الرديف التي تنتج يومياً ما يقارب 1600 طن من الفوسفات الخام، حسب ما أكد مصدر من الشركة لـ"العربي الجديد"، نتيجة موجة الاعتصامات الموجودة في مختلف الوحدات الإنتاجية. كما تعطل إنتاج الفوسفات، حسب ما أكد نفس المصدر في مدينة المظيلة. وفي مدينة المتلوي هي الأخرى يوجد تعطل جزئي للإنتاج في بعض المقاطع المعدة لاستخراج الفوسفات، بحسب المصدر ذاته الذي أكد وجود اعتصامات أخرى في بعض المحافظات التي تمر منها شحنات الفوسفات نحو المجمع الكيميائي والوحدات الصناعية، وأضاف "في حال عدم توصل الحكومة إلى حل وتواصل هذه الاعتصامات فإن الشركة ستخسر بعض عملائها في السوق العالمية".
"كل جانفي (يناير/ كانون الثاني) منذ 2008، تتجدد الاحتجاجات في الحوض المنجمي، هذه المرة تونس كلها تشاركنا الحراك ضد التهميش"، كما يقول الهاني لـ"العربي الجديد"، قبل أن يتابع "مطالب الثورة تم الالتفاف عليها، بعد أن راح ضحيتها عدد كبير من الشهداء، وهذه المطالب أهمها التنمية والتشغيل. في قفصة لم يتحسن الوضع اجتماعياً وتنموياً بل على العكس ازدادت البطالة والفقر، إضافة إلى غلاء المعيشة. كما تنامت ظاهرة الرشوة، خاصة في ملف التشغيل".
اقرأ أيضاً: بالصور: احتجاجات تونس.. أحداث عنف تشوه تظاهرات القيروان
تحالف العاطلين والمهمشين
تعتصم المهندسة جمعة طبابي الحاصلة على الإجازة في الهندسة الكهربائية، في إحدى الوحدات الإنتاجية لاستخراج الفوسفات بمدينة الرديف التابعة للحوض المنجمي، طبابي هي أم لطفلين، تعاني من البطالة التي ترتفع بين الإناث في عموم تونس وتصل إلى نسبة 22.2% في مقابل 11.4% للذكور.
بعد أن تخرجت في 2006، طرقت جمعة كل الأبواب، من مسؤولين محليين ومسؤولين جهويين، "قمت بإرسال عديد الرسائل حتى إلى الحكومة، لم يرد عليها أحد"، كما تقول لـ"العربي الجديد"، وهو ما يشبه ما حدث مع 40 شاباً آخرين من الحاصلين على شهادات عليا، وكلهم اختاروا الاعتصام في خيمة بإحدى الوحدات الانتاجية في الرديف ومنع خروج قطار الفوسفات نحو الوحدات الصناعية، من هؤلاء يوسف بويحي العاطل عن العمل والحاصل على شهادة جامعية منذ عام 2010، والذي يصف فرصة العمل بالمنعدمة في مدينة الرديف المنجمية.
يقول بويحي "حتى عند التفكير في إنشاء مشروع فالإجراءات الإدارية والتمويل الذاتي كلها تمثل عائقاً أمام طموحاتنا". مؤكدا أن الحراك أو الاحتجاجات الموجودة في أغلب الجهات سلمية ودستورية وتتفق مع ما ينص عليه الدستور من حق التشغيل والعيش الكريم.
لم تقتصر الاحتجاجات في قفصة على العاطلين، بل شملت عاملين في القطاعات التشغيلية الهشة مثل عمال الحظائر (عمال يشتغلون في ظروف عمل هشة ودون تغطية اجتماعية يتراوح أجرهم في حدود 140 دولاراً شهرياً، وأغلبهم هم عمال نظافة وأعوان حراسة وعمال)، وكذلك عمال الآلية 16 (شباب يحملون شهادات جامعية ويقومون بوظائف مختلفة في كثير من الإدارات بالقطاع العام مثل الصحة، والتعليم. ومقابل ذلك يحصلون على أجر زهيد في حدود 60 دولاراً شهريا. من بين المحتجين حسن الرحيلي الذي قضى أكثر من 14 عاماً في العمل يعمل بالفلاحة التابعة للولاية، وبعد أن بلغ الستين من عمره فإن أجره لم يتجاوز 300 دينار تونسي؛ أي ما يقارب 150 دولاراً، فيما لديه 3 أبناء في مراحل دراسية مختلفة. يقول الرحيلي لـ"العربي الجديد" إنه "اعتصم كثيراً من المرات رغم كبر سنه، إذ يريد إيصال صوته للجهات المسؤولة، ومطلبه الوحيد هو تسوية وضعيته المهنية". وأكد هو وزملاؤه أن لديهم وثائق فيها تعهد من السلطات الجهوية ومن رئاسة الحكومة بتسوية وضعيتهم المهنية، ويضيف أن هذا القرار صادر منذ تاريخ يونيو/ حزيران 2015.
وطالب الأحزاب بتبني مطالب الشعب وقال "لاحظنا غيابها وتأطيرها لهذا الحراك الذي أراد عدد من الناس إخراجه عن مساره من خلال عمليات السرقة والنهب التي عاشتها بعض المناطق".
اقرأ أيضاً: تونس.. مياه ملوثة تفتك بأهالي المدن الساحلية
إحصاءات وأرقام
وفقاً لإحصاءات منشورة فإن حصيلة نشاط شركة فوسفات قفصة تراجعت خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2015، إذ لم تنتج سوى 650 ألف طن من الفوسفات، في حين كان المخطط أن يتم إنتاج أكثر من مليونيْ طن بحسب تصريحات صحافية لعلي الهوشاتي مدير مصلحة الاتصال في الشركة. ويشغل قطاع الفوسفات في قفصة 30 ألف شخص بشكل مباشر وغير مباشر. وتمثل العائدات المالية لتصدير الفوسفات 10% من إجمالي إيرادات صادرات تونس. وفي 2010 أنتجت تونس أكثر من 8 ملايين طن من الفوسفات، لكن الإنتاج تراجع إلى 2.2 مليون طن عام 2011 وإلى 2.6 مليون طن في عام 2012 وإلى 3 ملايين طن في عام 2013 وإلى 3.5 ملايين طن سنة 2014، بحسب إحصاءات رسمية للشركة.
ويتكون الحوض المنجمي من 4 مدن هي المظيلة والرديّف وأم العرائس والمتلوي التي تتبع إدارياً ولاية قفصة، وشركة فوسفات قفصة هي المشغل الرئيسي في الولاية، والتي شهدت عام 2008 في الحوض المنجمي انتفاضة احتجاجية، إثر تزوير نتائج مسابقة توظيف في الشركة، وقمعت شرطة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي تلك الانتفاضة، ما أدى إلى قتل 4 متظاهرين، ومنذ ذلك الوقت تعيش قفصة على وقع الاحتجاجات المستمرة للمطالبة بفرص عمل لأبناء الولاية في شركة الفوسفات.
ويفسر فتحي التيتاي، عضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وناشط في المجتمع المدني بمدينة قفصة، سبب الاحتجاجات بعدم ثقة المواطن في النخب السياسية، قائلاً لـ"العربي الجديد": "مرت على الثورة التونسية خمس سنوات ولم تتحقق مطالب الشباب التونسي، خاصة التشغيل". وبين أن هذا الحراك جاء نتيجة التراكمات والاعتصامات وإضرابات الجوع في أغلب مدن ولاية قفصة، المتصاعدة منذ 4 أعوام. متابعاً "يناير شهر الحراك الاجتماعي، وتاريخياً أغلب التحركات الاحتجاجية قامت خلال هذا الشهر".
وحسب تقديره فإن مستقبل هذا الحراك بيد السلطة وعليها مراجعة سياستها ومراجعة برنامجها الاقتصادي والاجتماعي من أجل تخفيف ضغط الشارع. وقال إن هذا الحراك سيبقى متواصلاً، نظراً لعدم وجود حلول ملموسة تهدئ من غضب الشباب، خاصة أصحاب الشهادات العليا العاطلين عن العمل.
اقرأ أيضاً: 4 أسباب تغذي داعش بشباب تونس
الأحزاب تتفق على مساندة الحراك وتتبادل الاتهامات
يؤكد رضا السماوي، الناطق الرسمي لحركة النهضة في قفصة، أن حركته تساند الحراك وكل المطالب التي تنادي بالتنمية والتشغيل، إذ إنها مطالب مشروعة، حسب قوله، قامت من أجلها ثورة تونس. قائلاً لـ"العربي الجديد": "على المستوى الرسمي قام النائب في مجلس نواب الشعب عن قفصة محسن السوداني (حركة النهضة) بزيارة عدد من المعتصمين من أصحاب الشهادات العلمية العاطلين عن العمل، وقام بإيصال مطالبهم إلى الجهات المسؤولة على المستوى المركزي". لكن السماوي اتهم أنصار الجبهة الشعبية (ائتلاف حزبي) بمحاولة استغلال الاحتجاجات الاجتماعية في أجنداتهم السياسية.
يرد المنسق الجهوي لحزب العمال وعضو الجبهة الشعبية في مدينة قفصة، حبيب التباسي، على الاتهام السابق، قائلاً لـ"العربي الجديد": "الجبهة مع الشارع ومع هذه الاحتجاجات السلمية التي تنادي بالتشغيل، وسبق أن نبهت إلى الأوضاع المتدهورة في جهة قفصة من بطالة وفقر وغلاء للمعيشة، وهذا ما أدى إلى هذه الاحتجاجات".
وحمل التباسي على اجتماع المجلس الوزاري الأخير، والذي لم يقدم أي جديد على مستوى الحلول التي تم تقديمها، واصفاً إياها بالترقيعية، وبالتالي، حسب قوله، فإن هذه الاحتجاجات ستبقى متواصلة والبلاد تسير نحو توجه جديد ربما يكون ثورة أخرى.
وتتفق النائبة عن حركة نداء تونس أسماء أبو الهناء عن محافظة قفصة، مع النواب السابقين في مساندة الحراك ومطالب أهالي قفصة قائلة لـ"العربي الجديد": "الحوض المنجمي له خاصية معينة، فهذه المنطقة عاشت سنوات طويلة على وقع الاحتجاجات وكانت بدايتها مع نقابات المناجم التي كانت تقوم بتحركات كبيرة من أجل حقوق العمال، وعام 2008 لن ينسى من ذاكرة كل التونسيين، هذا التاريخ الذي هزم فيه النظام السابق من خلال انتفاضة الحوض المنجمي. الإضراب السلمي حق دستوري".
وتابعت "قفصة تعيش نفس الوضع الذي تعيشه أغلب جهات البلاد، وأنا بصفتي نائبة عن الحزب الحاكم أعطي شرعية لهذه التحركات، خاصة تحركات أصحاب الشهادات العلمية الذين وقع تهميشهم بعد الثورة".
ولفتت إلى أن المشغل الوحيد في قفصة هي شركة الفوسفات التي لا تستطيع استيعاب كل المعطلين، وخاصة أصحاب الشهادات الجامعية الذين يفوق عددهم 15 ألف عاطل. وقالت "نسعى للضغط على الحكومة من أجل تفعيل مبدأ التمييز الإيجابي بين الجهات، ونسعى أيضاً إلى تنفيذ ولو جزء صغير من طموحات شبابنا الذي يعاني من البطالة".
وحول مستقبل الاحتجاجات تقول النائبة أسماء أبو الهناء، "نخشى استغلال الحراك السلمي للشباب ممن يقومون بأعمال عنف وتخريب تضر بالبلاد. يومياً أتحدث مع عدد كبير من المحتجين وأحاول أن أدعوهم للتظاهر السلمي دون المساس بأملاك الخاصة والعامة".
اقرأ أيضاً: أزمة اليسار العربي1.. الثورة التونسيّة تمنح الحمر قبلة الحياة
توقف جزئي لإنتاج الفوسفات
أسفرت الاحتجاجات التي اجتاحت أغلب مدن محافظة قفصة عن عدة محاولات نهب وسرقة بعض المؤسسات العامة والخاصة، من بينها سرقة المستودع البلدي في وسط مدينة قفصة، ويقول عمر القروي المكلف بالحجز والإيداع في المستودع لـ"العربي الجديد" إن "أطرافاً مجهولة قامت بنهب ما يقارب 120 دراجة نارية وبعض المعدات الموجودة بالمستودع، إضافة إلى تخريب 3 سيارات كانت موجودة"، وبيّن أنه "لولا تدخل قوات الأمن لكانت الخسائر أكبر".
توقف إنتاج الفوسفات بشكل كلي في مدينة الرديف التي تنتج يومياً ما يقارب 1600 طن من الفوسفات الخام، حسب ما أكد مصدر من الشركة لـ"العربي الجديد"، نتيجة موجة الاعتصامات الموجودة في مختلف الوحدات الإنتاجية. كما تعطل إنتاج الفوسفات، حسب ما أكد نفس المصدر في مدينة المظيلة. وفي مدينة المتلوي هي الأخرى يوجد تعطل جزئي للإنتاج في بعض المقاطع المعدة لاستخراج الفوسفات، بحسب المصدر ذاته الذي أكد وجود اعتصامات أخرى في بعض المحافظات التي تمر منها شحنات الفوسفات نحو المجمع الكيميائي والوحدات الصناعية، وأضاف "في حال عدم توصل الحكومة إلى حل وتواصل هذه الاعتصامات فإن الشركة ستخسر بعض عملائها في السوق العالمية".