يستغل أرباب عمل سويديون حاجة اللاجئين إلى عقود بمدة لا تقل عن 18 شهرا من تاريخ طلب الحصول على إقامة دائمة، من أجل إجبارهم على شروط مجحفة مالياً ومهنياً، بينما يسعى البعض للتحايل على سياسات حكومية تحفز ابتزازهم.
- الإقامة الدائمةاضطر الثلاثيني السوري مصطفى علي، إلى العمل في مطعم في ضاحية شارلهولم جنوب استوكهولم من العاشرة صباحا وحتى العاشرة مساء من دون إجازة أسبوعية، ووصل الحال إلى إجباره على العمل حتى الثالثة ليلا، مقابل 80 كرونة سويدية (8 دولارات) في الساعة، ما يخالف بنود اتفاقية العمل المسجلة لدى نقابة المطاعم في السويد، والتي تضمن حقوقه ومن بينها الحصول على الحد الأدنى من الأجور، والمقرر بـ 110 كرونات سويدية (10 دولارات) في الساعة مقابل العمل 40 ساعة فقط في الأسبوع، كما تحدد طبيعة المهام المسجلة في عقده، لكن صاحب العمل أخبره بعد مضي شهر واحد من بدء العمل "بأن هذه البنود لا تطبق، ويجب عليه أن يكون مرنا جدا حتى يحتفظ بالوظيفة"، دون أن يستطيع الاعتراض خوفا من فقدان العمل ومن ثم عدم تلبية شروط الإقامة الدائمة في السويد.
ويعد علي واحدا من بين 24 حالة يوثق "العربي الجديد" وقائع استغلال وابتزاز أرباب العمل لهم عبر مخالفة قانون العمل والإقامة في ظل صمتهم خوفا من فقدان الوظيفة التي حصلوا عليها بشق الأنفس، وهو ما تفاقم بعد اشتراط "وجود وظيفة بمدة محددة لا تقل عن 18 شهرا من يوم فحص طلب الحصول على إقامة دائمة لدى دائرة الهجرة"، وفق بنود قانون الأجانب، الذي دخل حيز التنفيذ في 20 يوليو/تموز 2021، إذ يُطلب ممن لديه حماية بديلة، وكذلك ممن يمتلك إقامة مؤقتة (مثل إقامة العمل، واللجوء، ولم الشمل)، ويسعى للحصول على الإقامة الدائمة أن يكون لديه تصريح إقامة لمدة ثلاث سنوات على الأقل، وحسن السلوك، وأن يكون قادراً على إعالة نفسه، من خلال وظيفة غير مدعومة من قبل الدولة، بحسب ما جاء على موقع مصلحة الهجرة السويدية.
كيف جرى تشديد سياسات الهجرة؟
"شددت الحكومات المتعاقبة سياسة الهجرة وعمدت إلى اتجاه أكثر صرامة لأسباب انتخابية وسياسية"، كما تقول أوسا مارغريت فورشباري، رئيس مجلس إدارة لجنة الدفاع عن حقوق المهاجرين في مقاطعة فسترنورلاند شمال السويد، التابعة لتحالف فار (FARR) (منظمة أهلية تعمل على تعزيز حق اللجوء في السويد).
نيل عقد عمل من دون مساعدة حكومية شرط أساسي للإقامة الدائمة
وسعت الحكومة السابقة بقيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في خريف 2015 إلى اقتراح قانون مؤقت للأجانب (يتم تفعيله خلال مدة زمنية محددة) بهدف تقليل عدد طالبي اللجوء الذين يمكنهم التقدم للحصول على إقامات دائمة، وتم ترويج هذه الإجراءات باعتبارها ردة فعل على العدد الكبير من طالبي اللجوء في ذلك العام بإجمالي 162.877 شخصا، ورغم انخفاض هذا العدد إلى 31.819 شخصا عام 2022، لكن الحكومة الحالية التي يقودها حزب المحافظين بدعم مباشر من حزب أقصى اليمين (السويديون الديمقراطيون) لا تزال تسير على نفس المنوال والسياسة الصارمة.
وحصل 94.589 شخصا على تصاريح إقامة في السويد عام 2021، وكان لم شمل هو النوع الأكثر شيوعا، تليها تصاريح الإقامة لأسباب تتعلق بسوق العمل وأخيرا اللجوء الذي حصل عليه 11.443 شخصا، وفق بيانات الهيئة الوطنية للإحصاء وبالمقارنة مع عام 2020، فقد انخفض إجمالي المهاجرين إلى السويد بنسبة 25%، ويرجع ذلك أساسا إلى انخفاض عدد طالبي اللجوء في السنوات الأخيرة بسبب تشديد قوانين اللجوء والهجرة، واشتراط متطلبات جديدة لمنح تصريح إقامة دائمة، بحسب ما يفسره لـ"العربي الجديد" أولف سونكفيست باك، خبير الإحصاء في الهيئة الوطنية للإحصاء.
وانخفض عدد الحاصلين على تصاريح إقامة عام 2022 إلى 52.558 بحسب إحصائيات الهيئة الصادرة حتى أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بما في ذلك القادمون من أوكرانيا الذين يشكلون حسب أرقام دائرة الهجرة 45 ألف شخص.
فقدان الاستقرار والأمان
يؤكد الفريق القانوني في مركز حقوق اللجوء في السويد (منظمة مجتمع مدني) في رده المكتوب على "العربي الجديد" أن تصاريح الإقامة الدائمة تخلق أمانا أكبر في نفوس القادمين الجدد إلى البلاد، وعلى عكس ذلك، قد تسبب تصاريح الإقامة المؤقتة القلق، واعتلال الصحة. وهو ما يؤكده طالبو الإقامة الذين قابلهم معد التحقيق، ومن بينهم اللبناني سعيد طالب، الذي أجّل دراسة الماجستير للعمل في مستودع للمواد الغذائية جنوب البلاد بدوام جزئي، من أجل تلبية شروط الحصول على الإقامة الدائمة، والعودة لاحقا "لإكمال الحلم" على حد قوله، معتبرا أن نظام الإقامات المؤقتة، لا تتيح لحامليها الاندماج ولا يشعرون بالاستقرار والأمان في السويد.
وتروي الثلاثينية السورية مروى العبد الله، والتي وصلت إلى السويد بعد رحلة مضنية عبر طرق تهريب اللاجئين، يوميات البحث عن حل يتيح نيل إقامة دائمة في السويد، قائلة إنها تتابع كل المجموعات التي لها علاقة بالإقامة في السويد، لتجد حلا للحصول على إقامة دائمة بأي ثمن، حتى لو اضطرت إلى دفع مبلغ مالي إلى صاحب عمل يقبل بمنحها أوراقا تفيد عملها لديه.
فتح أبواب التحايل
خسر المهندس السوري حسين (اسم مستعار للموافقة على الحديث)، فرصة الحصول على إقامة دائمة بسبب تأخر معاملة لم شمله بأسرته حتى صدور القواعد الجديدة، إذ كان قد أرسل أسرته إلى السويد مع موجة الهجرة الكبيرة عام 2015، وظل في عمله بدولة خليجية، إلى حين الحصول على لم الشمل ليلتحق بهم ويحصل على الإقامة الدائمة، لكن طول فترة معالجة طلبات لم الشمل حالت دون تحقيق هدفه لذلك قرر في عام 2017 اللحاق بأسرته تهريبا عن مسار يبدأ من السواحل الليبية، أما أفراد أسرته الذين سبقوه، فقد "نجوا" من التعديلات الجديدة وحصلوا على إقامة دائمة بينما يحاول هو حاليا إيجاد طريقة للحصول على إقامة دائمة، التي تعد شرطا أساسيا للحصول على الجنسية السويدية، لكن شرط وجود عقد عمل دائم بدون مساعدة مكتب العمل، بالإضافة إلى عدم إتقانه اللغة السويدية، يجعل التقديم للإقامة "يشبه المعجزة" على حد قوله، ما دفعه إلى البحث عن طرق أخرى للحصول على الإقامة الدائمة، إذ عرض عليه مالك ورشة تصليح سيارات وبيع قطع غيار منحه عقد عمل مسجلا لدى دائرة الضرائب، دون التحاقه بالورشة فعليا، مقابل حصوله على 50 ألف كرونة سويدية (4707 دولارات) بدل أتعاب، كما أطلق عليها، على أن يحول صاحب الورشة راتبا شهريا له إلى حسابه مضافا له رسوم التأمين والتقاعد، ليقوم الآغا برد المبلغ لصاحب الورشة كل شهر، واستمر على هذه الحالة التي بدأت في عام 2019 لمدة 22 شهرا، بعدها تمكن من التقدم للإقامة الدائمة وبالفعل حصل عليها.
ينشط سماسرة في التحايل على نظام عقود العمل السويدي
ما سبق من حالات تحايل على النظام، أقر به مكتب التدقيق الوطني في المراجعة التي أصدرها بعنوان (تغيير المسار من اللجوء إلى هجرة اليد العاملة)، وذكر فيها أنه من خلال الاطلاع على الحالات التي عالجتها وكالة الهجرة السويدية، واتخذت قرارا بشأنها حتى 21 مايو/أيار 2022، وجدت المراجعة بأن النظام لديه نقاط ضعف من حيث عمليات الفحص والمتابعة، حيث يمكن الالتفاف على تشريعات اللجوء وهجرة العمالة، بهدف دخول سوق العمل السويدي، وبالتالي، هناك خطر عدم اكتشاف التوظيف عبر الاحتيال واستغلال الأشخاص الضعفاء من قبل أرباب العمل.
وتقرّ تينا مالمبيرج، المسؤولة عن مشروع المراجعة السابقة لدى مكتب التدقيق الوطني في ردها المكتوب على "العربي الجديد" أن أوجه القصور تتمثل بإمكانية دخول سوق العمل السويدي على أسس غير صحيحة تتمثل بالتحايل، بالإضافة إلى ذلك، يمكن من استغلال الضعفاء من قبل أرباب العمل الذين يقدمون أجورا وظروف عمل أسوأ مما هو معتاد في سوق العمل، كما يشير مكتب التدقيق الوطني إلى أنه لم تتم متابعة النظام على الرغم من العديد من الجهات المرجعية التي أشارت إلى مخاطر إساءة الاستخدام والآثار الجانبية، وبالتالي كان ينبغي على الحكومة أن تتابع ما إذا كان نظام الحصول على الإقامة الدائمة عن طريق عقد عمل يعمل كما كان مقررا له دون إساءة استغلال، كما تؤكد المدققة الوطنية العامة (منصب حكومي) في السويد هيلينا ليندبرغ في ردها المكتوب على "العربي الجديد".
اتجار بعقود عمل وهمية عبر فيسبوك
يرصد السوري برهان كالي، والذي يدير مع فريق من المتطوعين الناطقين باللغة العربية، (مجموعة الإقامة المؤقتة ظالمة Our future deserves reconsideration) على فيسبوك، والتي تضم 27.110 آلاف عضو، نشاط سماسرة يستغلون حاجة من يسعون للحصول على إقامة دائمة، وينشرون مزاعم بأن بعضهم حصل على الإقامة الدائمة عن طريق مساعدة من شخص آخر، ويقومون بعمل إشارة لهذا الشخص ومن ثم يبدأ في استقطاب الباحثين عن حل وطلب المال منهم.
ويوثق معد التحقيق انتشار هذه الإعلانات داخل 4 مجموعات مغلقة ايضا على فيسبوك، وتواصل مع أحد السماسرة الذين يدعون قدرتهم على تأمين عقد عمل، وأخبره بأنه يحتاجه لزوجته، فرد بأن "تأمين عقود العمل للسيدات في العادة أسهل، والقطاعات التي يمكن لهن العمل فيها أكثر وفي الغالب لا تتطلب اختلاطا مباشرا مع المجتمع، وبالتالي موضوع عدم إتقان اللغة السويدية قد لا يشكل عائقا"، مشيرا إلى أنه قادر على تأمين عقود عمل للسيدات في قطاع التنظيف لدى شركات تعمل بموجب عقود طويلة الأجل مع مؤسسات، وبالتالي توقع السيدة عقدا حقيقيا مع الشركة وليس مع المؤسسة التي تعمل فيها، وتُسجل لدى دائرة الضرائب، ورغم أن العقد على الورق وفق القواعد والأنظمة، لكن يجب عليها إعادة كامل الراتب بالإضافة إلى تكاليف العقد، حتى حصولها على الإقامة الدائمة.
وتعد القطاعات التي تستوعب عددا كبيرا من الموظفين مثل قطاع المطاعم والتنظيف، وورشات تصليح السيارات ومحالّ بيع البضائع المستوردة من الشرق الأوسط، أكثر القطاعات التي يمكن للسماسرة تأمين عقود عمل فيها للراغبين، على عكس الوظائف الحكومية في البلديات والمقاطعات التي تتطلب في بعض الأحيان مهارات عالية، بحسب كالي الذي يرجع ازدهار سوق بيع عقود العمل إلى تشديد قوانين الهجرة، وضعف سوق العمل بالنسبة للمهاجرين بخاصة في ظل جائحة كورونا.