إهدار أموال المانحين... تلف وإحراق مساعدات غذائية في تشاد

انجمينا

محمد طاهر زين

محمد طاهر زين
محمد طاهر زين
صحافي تشادي
01 يناير 2023
تشاد
+ الخط -

يكشف تحقيق "العربي الجديد" الاستقصائي عن إهدار أموال المانحين الدوليين المقدمة إلى برنامج الأغذية العالمي وتشاد، إذ جرى إحراق مواد غذائية تالفة ومنتهية الصلاحية أمام أعين الجوعى الذين حاولوا الحصول على بعضها.

- وقفت العشرينية التشادية بريجيت دافيد مندهشة بينما تراقب عملية إحراق مواد غذائية منتهية الصلاحية في منطقة غاسي، الواقعة بالدائرة السابعة في نجامينا، أمام أعين سكان المنطقة الذين يتضورون جوعا. وتدافع مواطنون في محاولة لانتزاع بعض تلك المواد التي أُتلفت بالقرب من البرلمان التشادي في 27 يونيو/ حزيران 2022، ورغم تدخل أفراد الشرطة وإطلاق الغاز المسيل للدموع لتفريق المواطنين، إلا أن البعض لم يستسلم وقاتل للحصول على بعض السلع، كما تقول دافيد، التي تابعت في إفادتها لـ"العربي الجديد":"استمر الحريق مدة 3 أيام"، وتضيف بحزن:" كان الأولى توزيع هذه المواد قبل انتهاء صلاحيتها لنطعم أبناءنا الجوعى". 

وحاول المواطنون إخماد الحريق، وأخذ ما يمكن من المنتجات الغذائية التابعة لبرنامج الأغذية العالمي، كما يقول بيرام اللادوم، المفتش في وزارة الصحة والذي قابله معد التحقيق في عين المكان خلال عملية الحرق. يضيف اللادوم لـ"العربي الجديد":"بغض النظر عن الآثار السلبية الناجمة عن حرق هذه المواد وخطرها في حال استهلاكها؛ إلا أن المواطنين أخذوا بعضا منها بالفعل"، واستدرك :" أتفق مع المواطنين في حقهم بالحصول على ما يسد رمقهم، كونهم يتضورون جوعا، والمواد تحرق أمام أعينهم بهذه الصورة، لكن يجب أن نفهم أن صحة الإنسان هي كل شيء".

وأثناء عملية حرق تلك المواد الغذائية، باع أفراد شرطة من الدفاع المدني (مكلفون بإتلاف المواد الغذائية)، منتجات منتهية الصلاحية، حسب دافيد التي لم تكن تملك قيمة أي منها، مشيرة إلى أن تلك المنتجات جرى بيعها بسرية وبأسعار أقل من قيمتها بالسوق، وضربت مثالا بقيمة الزيت سعة خمسة ليترات والذي بيع بـ2000 فرنك أفريقي (3 دولارات أميركية)، رغم أنه يباع في السوق بـ15 ألف فرنك (23.59 دولارا).

وللتأكد من تورط موظفين حكوميين في بيع مواد غذائية، تفاوض معد التحقيق مع شرطية كانت في عين المكان، من أجل شراء جوال أرز، وسألها عن سعره، فردت "عندك كم؟" لكنها تراجعت بعدما رأت مشرفها يقترب منها، وقالت له: "انصرف الآن ودعنا نتقابل لاحقا". ويؤكد اللادوم، و6 من العمال الذين كانوا يعملون على إحراق المواد الغذائية، عملية بيع أغذية منتهية الصلاحية من قبل أفراد شرطة الدفاع المدني، ويقول العامل عبد الله محمد، لـ"العربي الجديد":" رأيت كميات كبيرة من المنتجات معروضة للبيع بواسطة منتسبي الدفاع المدني". 

إحراق الغذاء أمام الجوعى

جرى إحراق 8.5 أطنان من المواد الغذائية منتهية الصلاحية، وفق تأكيد علي الحاج، المستشار الفني باللجنة الوطنية لحقوق الإنسان (هيئة مستقلة)، الذي قال لـ"العربي الجديد" إن عمليات الحرق جرت بناء على رغبة مكتب برنامج الأغذية العالمي في تشاد. وتتمثل المواد التي حُرقت في الحبوب، ودقيق الذرة، وفول الصويا، والمعكرونة، والأرز، والزيت، وفق أحد موظفي برنامج الأغذية العالمي، الذي فضل عدم ذكر اسمه خوفا من فقدان عمله. 

إحراق 8.5 أطنان من المواد الغذائية منتهية الصلاحية

وشهدت منطقة غاسي في العاصمة حادثة حرق مواد غذائية مشابهة في مايو/أيار 2020، إذ قامت الهيئة الوطنية للأمن الغذائي (ONASA) بحرق أطنان من أكياس الأرز منتهي الصلاحية، كانت مقدمة من الصين، حينها هرع الناس لمحاولة التقاطها، بحسب تأكيد ديبام فيفول، وهو مشرف لوجيستيات سابق لدى برنامج الأغذية العالمي، الذي قال بأسى لـ"العربي الجديد":" تشاد المنتجة للنفط، يتقاتل سكانها على مواد غذائية منتهية الصلاحية". 

وقدمت الصين إلى تشاد 5 آلاف طن من الأرز بحسب قمر السليك، المدير العام السابق للهيئة الوطنية للأمن الغذائي، والذي أوضح لـ"العربي الجديد":" كان ذلك قبل تعييني مديرا للهيئة، وبعد التعيين، وجدت 200 طن تالفة في المخازن، تبلل جزء من الحمولة بالمياه أثناء نقلها من ميناء دوالا الكاميروني إلى مدينة نجامينا، ما تسبب بتلفها"، ويضيف أن الجزء الذي وجده، وأُعلن عن عدم أمانه للاستهلاك البشري والحيواني وفقا لنتائج التحاليل المخبرية الصادرة عن مركز مراقبة جودة المواد الغذائية في تشاد CECOQDA، وصدر قرار حرقه باتفاق مع بلدية نجامينا، ومراقب قضائي، لكن تبين أثناء الحرق أن الأرز لم يحرق بصورة جيدة، الأمر الذي مكن مواطنين من الأحياء المحيطة بالموقع من أخذ كميات منه، وتم إيقاف عملية الحرق، وتوزيع المتبقي (ما بين 600 و700 جوال) على المزارعين، لاستخدامه سماداً للزراعة، بناء على اقتراح فريق من وزارة الزراعة والري والتجهيزات الريفية التشادية.

ويحتاج، في عام 2022، حوالي 6.1 ملايين شخص إلى مساعدات إنسانية في تشاد، أي قرابة 36% من سكان البلاد، حسب ما جاء على الموقع الإلكتروني للاتحاد الأوروبي، بعنوان "عمليات الحماية المدنية الأوروبية والمساعدات الإنسانية"، ويعد الاتحاد الأوروبي أحد المانحين الأساسيين في المجال الإنساني في تشاد، وقدم 37 مليون يورو في 2022 مساعداتٍ لتلبية الاحتياجات الأساسية للنازحين داخليًا واللاجئين والمجتمعات المحلية المتضررة من أزمات متعددة. 

ويبدو من أكياس المواد أن معظم المواد التي حُرقت في تشاد قادمة من بلجيكا والسويد، وفق مشاهدات وتوثيق معد التحقيق. ويتلقى برنامج الأغذية العالمي تمويله بالكامل من التبرعات الطوعية، وسجل في عام 2019 ارتفاعا بلغ 8 مليارات دولار أميركي، لكنه لا يزال أقل من متطلباته بنحو 4.5 مليارات دولار، وفق ما نشر البرنامج على موقعه الإلكتروني في 10 فبراير/شباط 2020 بعنوان "بعض الحقائق والأرقام عن عمل برنامج الأغذية العالمي"، موضحا أن متوسط التكلفة لكل حصة غذائية يقدمها البرنامج 0.46 دولار. فيما ينفق نسبة لا تتجاوز 6.5 سنتات من كل دولار يجرى التبرع به للبرنامج على النفقات العامة. 

إقرار أممي بإتلاف مواد غير صالحة للاستهلاك

يعاني 2.1 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في تشاد، و1.5 مليون من الأشخاص معرضون لخطر عدم تلقي المساعدات التي تبقيهم على قيد الحياة، وفق تقرير الحالة عن تشاد، المنشور على موقع الأمم المتحدة في 15 يوليو/ تموز 2022.  

يعاني 2.1 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في تشاد

ويقر أمادو باراز ناكاكا Amadou Baraze Nakaka، المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي في تشاد، بإحراق مواد منتهية الصلاحية بالتنسيق مع السلطات التشادية، قائلا لـ"العربي الجديد":" 70% من المواد التي قمنا بحرقها في 27 يونيو 2022، في نجامينا، جرى استلامها خلال الأعوام 2017 و2018 و2019 وهي متضررة بالفعل"، لكنه يؤكد أن الأضرار أحيانًا تكون مرتبطة بأخطاء بشرية من مصدر الإنتاج، وأحيانا ترتبط بالنقل على القوارب، "لذا تصل بعض المنتجات تالفة"، يضيف باراز.

ويتابع: "هناك 7% من تلك المواد عبارة عن منتجات منتهية الصلاحية في مخازن شوغوا التابعة للهيئة الوطنية للأمن الغذائي جنوب غربي نجامينا، ولم نتمكن من توزيعها بسبب المشاكل الأمنية"، لكنه يشير إلى اتخاذ البرنامج اجراءات مهمة، أدت إلى انخفاض كبير في خسائر الغذاء على مر السنين، والتي تمثل اليوم نسبة 0.5%، مقارنة بإجمالي الحمولة الموزعة في عام 2021.

الصورة
إحراق الغذاء أمام الجوعى

ومن الإجراءات التي يتخذها برنامج الأغذية العالمي، مكافحة الحشرات في مستودعات ومخازن الأغذية، حسب ما يقول لـ"العربي الجديد" الناشط عيسى حسين (اسم مستعار لأنه غير مخول بالحديث للإعلام). ووفرت الهيئة الوطنية للأمن الغذائي لبرنامج الأغذية العالمي 8 مخازن، سعة كل مخزن ما بين 1000 و2000 طن، كما يقول مدير عام الهيئة الوطنية للأمن الغذائي أبكر هارون لـ"العربي الجديد". 

توزيع أغذية منتهية الصلاحية

"ساعد برنامج الأغذية العالمي 2.3 مليون شخص في تشاد خلال عام 2021"، وفق "التقييم المركزي للبرنامج الذي يغطي الفترة من 2018 حتى 2022"، والصادر في مايو 2022. 

لكن اثنين من المستفيدين من برنامج الأغذية العالمي أكدا لمعد التحقيق أنهما تلقيا إغاثة منتهية الصلاحية، ومن بينهما الثلاثيني التشادي محمد يوسف المقيم في بلدة موسورو شمال شرقي نجامينا، والذي يقول لـ"العربي الجديد" إنه تلقى من برنامج الأغذية العالمي في أغسطس/آب 2020 إغاثة مكونة من أرز وحليب وسكر، منتهية الصلاحية، وقام برميها.

وبالمثل، تلقى النور علي (24 عاما) والذي يعيش في مدينة آتي وسط تشاد، في مارس/آذار 2019، دقيقاً منتهي الصلاحية، حسب قوله لـ"العربي الجديد" مضيفا: "أخذنا جوال الطحين من مخزن في مدينة آتي، وبعد فتحه وجدنا بداخله حشرات"، ويتابع: "المشرفون لا يكترثون لما يتعرض له الناس إثر استهلاك هذه المواد" .

ويعترف الناشط حسين بأن بعض المستفيدين يتسلمون مواد إغاثية منتهية الصلاحية أحيانا، قائلا إن منظمته (تتسلم مواد غذائية من برنامج الأغذية العالمي وتوزعها على المستفيدين في بلدة موسورو، بحضور مندوب من المنظمة، كما تقوم بحصر وتسجيل المحتاجين)، وزعت من دون أن تدرك مواد غذائية منتهية الصلاحية في عام 2019، ويضيف: "عندما كنا نقوم بتوزيع المواد الغذائية، وجدنا على غلاف الجوال تاريخ الانتاج 2017، ما جعلني أوجه سؤالا لمندوب البرنامج في بلدة موسورو عن ذلك، فرد: "الغلاف فقط قديم، لا بأس وزعوا المواد"، ويتابع حسين: "في آخر عملية توزيع اكتشفنا أن بعض المواد الغذائية منتهية الصلاحية مثل اللوبيا، فاضطررنا إلى تبديلها بنوع آخر".

ذات صلة

الصورة
مخيم نزوح في مدينة القضارف - شرق السودان - 14 يوليو 2024 (فرانس برس)

مجتمع

في تحذير جديد، أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأنّ الجوع والنزوح وتفشي الأمراض، وسط حرب السودان المتواصلة، تشكّل "مزيجاً قاتلاً".
الصورة
يعتمد الغزيون على المساعدات للعيش (عمر القطان/ فرانس برس)

مجتمع

قرار الأمم المتحدة وقف عملياتها في قطاع غزة قد يكون أشبه بالكارثة في ظل اعتماد الغزيين على المساعدات الشحيحة أصلاً، ليشعر أهالي القطاع بمزيد من التخلي عنهم
الصورة
توزيع مساعدات غذائية لنازحات من الفاشر إلى القضارف (فرانس برس)

مجتمع

ترسم الأمم المتحدة صورة قاتمة للأوضاع في مدينة الفاشر السودانية، وتؤكد أن الخناق يضيق على السكان الذين يتعرّضون لهجوم من كل الجهات.
الصورة
خدج غزة3

تحقيقات

تخشى 60 ألف سيدة حامل في غزة الولادة أثناء الحرب، إذ يعانين جوعا يفتك بأجساد أجنتهن، حتى أن بعضهن أجهضن أو وضعن مبكرا أطفالا أوزانهم قليلة وأجسادهم هزيلة