أزمة الإسكان في الكويت... عقدان من انتظار القسائم الحكومية

29 يناير 2024
تصل مدة انتظار تنفيذ طلبات الرعاية السكنية إلى 20 عاماً (Getty)
+ الخط -

ينتظر كويتيون نيل حقوقهم الإسكانية التي تعهدت الدولة بها، لفترات طويلة تصل إلى عشرين عاما يحصلون خلالها على بدل مالي لا يقدم حلا جذريا للأزمة، كما يستنزف موارد البلاد ولا يكفي احتياجاتهم بسبب غلاء أسعار الإيجار.

-انتظر الأربعيني الكويتي عبد الله المطيري 15 عاماً حتى يحصل على أرض ليشيد عليها منزله، إذ تقدم منذ زواجه عام 2005 بطلب للمؤسسة العامة للرعاية السكنية (حكومية)، والتي خصصت له أرضاً بمدينة المطلاع السكنية الجديدة شمال العاصمة في عام 2020، وكان عليه طيلة أعوام الانتظار، تحمّل عبء الإيجار بقيمة 500 دينار شهرياً (1622 دولاراً)، بينما تمنحه المؤسسة 150 ديناراً شهرياً (487 دولاراً أميركياً) كمساعدة لتغطية مبلغ الإيجار، عملاً بالمادة 19 من القانون 47 لعام 1993 في شأن الرعاية السكنية، والتي تقضي بأنّ رب الأسرة يستحق بعد انقضاء شهر على تقديمه طلب الحصول على الرعاية السكنية إيجاراً شهرياً مقداره مائة وخمسون ديناراً كويتياً حتى تنفيذ طلبه، باستثناء من يتمتع بحكم وظيفته بسكن أو بدل إيجار نقدي.

ويلزم القانون المؤسسة بتوفير السكن خلال مدة أقصاها 5 أعوام من تقديم الطلب، إلّا أنّ المواطنين ينتظرون مدداً تتجاوز ذلك وقد تصل حتى 20 عاماً وفق ما يوثق التحقيق، بينما بلغت الطلبات العالقة، 91377 طلباً حتى 27 أغسطس/آب 2023 بحسب ما كشفه وزير العدل ووزير الدولة لشؤون الإسكان فالح الرقبة، في رده على سؤال برلماني للنائب حمد العبيد في أغسطس الماضي.

 

حلم المنزل الخاص

توفر المؤسسة احتياجات المواطنين من السكن عبر 3 أشكال، الأول القسائم، وتشمل تخصيص قطعة أرض بمشروع إسكاني لا تقل عن 400 متر مربع، وتتوفر فيها كافة مقومات البنية التحتية مع قرض من بنك الائتمان الكويتي ليبني المواطن منزله، والثاني بيوت تبنيها المؤسسة وتسلم جاهزة لصاحب الطلب، والشكل الثالث شقق سكنية داخل مبان أنشأتها المؤسسة، بحسب توضيح المتحدث الرسمي باسم المؤسسة لـ"العربي الجديد" محمد الرويح.

ومنذ عام 1956 وحتى عام 2022 بلغ إجمالي خدمات الرعاية السكنية 102.068 قسيمة أرض، و60.235 بيتاً، و1364 شقة، بحسب تقرير إحصائيات المؤسسة عن عام 2022.

91377 طلب رعاية سكنية لم تُنفذ بعد ويتراكم عليها المزيد سنوياً

وتصطدم الرعاية السكنية بمشكلة طول الأمد الذي يتجاوز المدة المحددة قانوناً، لكن المواطن الراغب في الحصول على الرعاية السكنية لا يملك إلا القبول بأحد الخيارين، إما الانتظار للحصول على قطعة الأرض من الحكومة مع قرض إسكاني بقيمة 70 ألف دينار (227 ألف دولار) وبفائدة صفرية، ويسدد على فترة زمنية تصل إلى 30 عاماً من خلال استقطاع 10% من راتبه الشهري، إلى جانب منحه 30 ألف دينار (97 ألف دولار) دعماً حكومياً عند شراء مواد البناء، وإما انتظار الحكومة لبناء مدن جديدة تتضمن توفير هذا المسكن الجاهز من دون تكبد مشقة البناء، بحسب إفادة وزير الإسكان الأسبق عادل الصبيح، والذي يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ "بعض الكويتيين مؤمنون بأن الحصول على منزل خاص بمثابة حلم"، مشيراً إلى أنّ طول فترات الانتظار التي تزيد على 15 عاماً من أجل تنفيذ الطلب أدى لترسيخ هذه الفكرة، بخاصة مع عجز المؤسسة عن الالتزام بالطلبات الكبيرة المتراكمة أمامها منذ سنوات.

ويعزو المدير العام لشركة المؤشر للاستشارات العقارية والاقتصادية (خاصة)، حامد السهيل طول المدة إلى ندرة الأراضي وعدم وجود بنية تحتية مناسبة جرى تجهيزها من قبل الحكومة وعدم توافر شبكة نقل ومواصلات، بالإضافة إلى البيروقراطية الحكومية التي تسبب التأخر في إقرار الميزانيات الخاصة بمشاريع تطوير هذه المناطق، وهذه من أبرز معوقات حل القضية الإسكانية، بالإضافة إلى عدم تنازل الجهات الرسمية المالكة لتلك الأراضي كوزارتي الدفاع والنفط، لمصلحة المؤسسة العامة للرعاية السكنية.

ما سبق، يؤكده الرويح بشأن عدم تخصيص الأراضي الجديدة لمستحقي طلبات الرعاية السكنية والخدمات المرافقة لها من الوزارات المعنية، مشيرا إلى أن تأخر الاستجابة للطلبات لا يرتبط بالمؤسسة وحدها بل هناك أكثر من جهة أخرى تتشابك اختصاصاتها ما يسبب هذا التأخير. ويتوافق ذلك مع ما ذهب إليه الرقبة بقوله أن أبرز المعوقات تتمثل في مدى توفير التمويل اللازم لقروض البناء والدعوم الإنشائية، وتوفير الميزانيات اللازمة لتنفيذ المشاريع، ووجود تأخير من بعض الجهات المعنية في توفير الخدمات اللازمة للمشاريع، بالتزامن مع تنفيذ المؤسسة لمشاريعها وفق القانون.

ويتفق إبراهيم العوضي، رئيس مجلس إدارة اتحاد العقاريين (يضم ملاك العقارات في الكويت) بأن مفتاح حل الأزمة الإسكانية في الكويت هو تحرير الأراضي الفضاء، وجدية كل من الحكومة ومجلس الأمة في حل هذه الأزمة ستتضح عبر تبنيها حزمة من القوانين والتشريعات والإصلاحات المنظمة لسوق العقار السكني، أما التأخر في قرارات تخصيص الأراضي ومحاولة تأجيل إقرار القوانين المأمولة، فذلك يعني بلا شك استمرار الأزمة الإسكانية وما يترتب عن ذلك من تبعات اقتصادية واجتماعية وأسرية على المواطن.
 

 

فاتورة باهظة للتأخير

أسس مشعان الهاجري الموظف في بلدية الكويت، حملة متى نسكن بعد 15 عاما من انتظار قسيمته، وسرعان ما انضم لها مستحقون للرعاية السكنية ينتظرون تنفيذ طلباتهم منذ أمد، ويؤكد الهاجري أن المواطن يعاني تبعات تأخر استجابة المؤسسة لطلبه، إذ ليس لديه خيار إلا العيش مع أهله أو استئجار مسكن مؤقت، وهو أمر مكلف للغاية في دولة الكويت التي يتراوح متوسط الإيجار الشهري فيها بين 400 و900 دينار (1296 و2917 دولاراً) للوحدة على حسب المساحة والموقع، وفعلياً، جميع المستحقين الذين ينتظرون تنفيذ طلباتهم هم من هذه الفئة لأنّ قانون الرعاية السكنية يشترط في المادة 16 ألّا يكون رب الأسرة مالكا لعقار أو مشتركا في ملكية عقار حتى يستحق خدمات المؤسسة.

الصورة
إسكان الكويت
تتراكم طلبات الرعاية السكنية سنويا وسط محدودية عدد الوحدات المنجزة (العربي الجديد)

أما على صعيد الدولة، فإنّ التأخر في منح قسائم للمستحقين أو مساكن يؤدي إلى تحملها تكلفة مزدوجة، كونها تستمر في دفع القيمة الإيجارية للمواطن لمدة 36 شهراً تالية لقرار تخصيص قسيمة البناء وحتى ينتهي المواطن من تنفيذ المنزل، ويتزامن ذلك مع دفعات القرض والدعم المقدم له لشراء مواد البناء.

ولحل تراكم طلبات الرعاية السكنية تحتاج الكويت إلى 10 أعوام وفق تقدير النائب وعضو لجنة الإسكان سابقا بالبرلمان، بدر الحميدي، مستندًا إلى وجود 91377 طلباً قيد الانتظار، وبما أن كل قسيمة تخصيص تحتاج تمويلًا قيمته 70 ألف دينار ودعماً على مواد البناء بقيمة 30 ألفاً، ونحو 60 ألفاً لتجهيز الأرض بمرافق البنية التحتية من شبكات الكهرباء والماء والصرف الصحي والخدمات، فضلا عن تكاليف التشغيل والإنتاج والوقود السنوية لتصبح تكلفة سكن الأسرة الواحدة على الدولة ما يقدر بـ 160 ألف دينار (519 ألف دولار).

وبناء على المعطيات السابقة، يتوقع المستشار والباحث الاقتصادي، عامر التميمي، الذي عمل سابقاً في مؤسسة الكويت للتقدم العلمي (منظمة غير حكومية)، عدم قدرة الحكومة على الاستمرار في توفير السكن للمواطنين في السنوات المقبلة، مفسراً ذلك بأن الرعاية السكنية تتطلب تمويلاً كبيراً وتوفير بنية تحتية ومرافق متطورة، مشيراً لصعوبة توفير إمدادات الكهرباء مثلاً للأعداد الكبيرة من المساكن في مناطق مترامية الأطراف أفقياً، ويعتبر أن على الدولة أن تغير طريقتها في التعامل مع ملف الإسكان، قائلا لـ"العربي الجديد": "أهم الحلول للأزمة هو تحرير أراضي الدولة ما يساعد على زيادة المعروض منها، وبالتالي قلة أسعارها وزيادة قدرة المواطن على الشراء دون الانتظار لسنوات طوال من أجل تنفيذ طلبات الرعاية السكنية".

 

فجوة بين عدد الطلبات والمتوفر من الوحدات السكنية

يشعر الوزير السابق الصبيح بحزن كبير على المواطن "لأنه يُخدع كثيرا، ويوهمونه بأن الحلول قادمة"، على حد قوله، مدللاً على ذلك بأن القانون 27 لعام 1995 في شأن إسهام القطاع الخاص في تعمير الأراضي الفضاء المملوكة للدولة لأغراض الرعاية السكنية، والقانون 47 لعام 1993 بشأن الرعاية السكنية، وجميع التعديلات التي تمت عليهما، لم يقلصا فترة الانتظار أو يتمكنا من تغطية الطلبات الإسكانية السنوية، حتى بات المواطن ينتظر 20 عاما، و"هذه تعتبر كارثة وظلما كبيرا للمواطن"، يقول الصبيح.

تنجز مؤسسة الرعاية السكنية نحو 3 آلاف وحدة سنوياً كحد أقصى

وتستقبل المؤسسة سنويا 8500 طلب للرعاية السكنية، في حين ما تنجزه يعادل 3 آلاف وحدة سكنية فقط سنويا يتم توزيعها على المستحقين، وهو ما يكشف عن فجوة كبيرة بين أعداد المتقدمين والوحدات المنجزة، وفق إفادة البرلماني السابق الحميدي، معيدا ذلك إلى التكلفة الباهظة لتجهيز تلك الوحدات، واستنادا إلى بيانات رسمية اطلع عليها، فإن التكلفة الإجمالية لـ 12 مشروعا تطويريا قائما في القطاع الإسكاني تصل إلى 10.2 مليارات دينار أي نحو 32 مليار دولار، كونها تتضمن مشروعات تتعلق بالبنى التحتية والمرافق العامة.

الصورة
كويت
نماذج لمشاريع إسكانية تنفذها المؤسسة العامة للرعاية السكنية بالكويت (العربي الجديد)

ويكشف الوزير الرقبة، في رده على السؤال البرلماني أن عدد الطلبات الإسكانية المتوقعة سيقفز خلال السنوات العشر المقبلة إلى 60 ألف طلب، ما دفع مؤسسة الرعاية السكنية إلى السعي لإشراك شركات القطاع الخاص في تنفيذ المشاريع الإسكانية، للتخفيف عن كاهل الدولة، والتنسيق مع بلدية الكويت لتخصيص مزيد من الأراضي التي تصلح للمشاريع الإسكانية، وبالفعل تم تخصيص بعض المواقع للمؤسسة، ويجري اتخاذ الإجراءات اللازمة، والتنسيق مع الوزارات المعنية من أجل توفير الخدمات اللازمة. مشيرا إلى أن توزيعات المؤسسة خلال السنوات الثلاث الأخيرة بلغت 7500 وحدة سكنية، بواقع 2000 وحدة في 2021، وارتفع العدد إلى 3000 وحدة عام 2022، ومنذ بداية العام الجاري حتى نهاية أغسطس الماضي بلغت 2500 وحدة.

وفي دوامة البحث عن حلول، ما زال الكويتي الأربعيني مشعان ناصر المشعان ينتظر دوره في الحصول على الرعاية السكنية منذ 18 عاما، قائلا لـ"العربي الجديد": "الأمر بالغ التعقيد، فالوعود الحكومية بحل الأزمة لا تكفي والمطروح من قبل الرعاية السكنية لا يتناسب مع الطلبات الحالية والجديدة"، مشيراً إلى أنه بدأ يفقد الأمل بعلاج المشكلة بسبب الالتزامات المالية الكبيرة وتشابك عدد من الأطراف وصعوبة التوافق فيما بينها على إيجاد حلول.