"باب الحارة" وقع في فخّ الرسائل السياسية المباشرة

31 يوليو 2014
أبو عصام ظهر عليه "وعي طارئ" في الجزء السادس
+ الخط -
لم يُفلِح مسلسل "باب الحارة"، بجزئه السادس، في العودة إلى حكايته البسيطة التي صنعت له شهرته. فقبض على بعض عناصر تلك الحكاية، لكنّه عاد ليراوح في مربّع الأجزاء السابقة ذاتها، مع صياغات درامية جديدة مأخوذة بما أثارته المقالات النقدية حول الأجزاء السابقة، وبهواجس مقاربة الواقع، حتّى لو تطلّب ذلك ليّ ذراع الحكايات ليصلح إسقاطها رمزياً على اليوميّ الساخن في حياة السوريين حالياً.

عبر حكايته الجديدة، بدا تطوّر البناء الدرامي لعدد من الشخصيات الدرامية مدبّراً نحو غاية معيّنة. والقصدية في الدراما، لا سيما مع عمل تاريخيّ مثل "باب الحارة"، نال من الشهرة ما ناله، هي حقّ مشروع، شرط أن تنساب مع الاحداث، وأن تنسجم مع طبيعة الشخصيات وتاريخها، لا أن تظهر طارئة وفجّة على الحكاية وسلوك أبطالها.

فلم ينجح المسلسل في الالتزام بتلك الضوابط في كثير من الأحيان، لا سيما مع تحميل شخصية "أبو عصام" رسائل فكرية توعوية أكثر مما يمكن أن يتحمّل تطوّر شخصيته وتفتّح وعيه خلال فترة غيابه عن الحارة ومعاشرته سجناء "أرواد"، ومن بينهم مثقّفون ورجالات سياسة.

ولنتذكّر أنّ تاريخ الشخصية كان يشي بملامح رجل شهم وحكيم، لكنّ حكمته مؤطّرة بحدود ثقافته وحدود "العيب"، التي تنظّمها العادات والتقاليد التي تربّى عليها، ولا تحكمها قواعد المنطق والعقل. وليس أدلّ على ذلك من حلفانه يمين الطلاق بحقّ زوجته سعاد بسبب كلمة واحدة وجّهتها له، هي: "فشرت". 

نعم، تغيّرت عقلية "أبو عصام" وتفتّح وعيه، وهذا أمر طبيعي. لكن هل يصل الأمر إلى حدّ أن صار يُنظّر في السياسة ويرفض زعامة الحارة ويدعو إلى الالتزام بالدستور، ويلقي مونولوجاً طويلاً أمام ابنه معتزّ يدعوه إلى عدم تنصيب نفسه حاكماً بأقدار الناس ومصائرهم، وهو "شقفة فراري" لا يعرف من الدين إلا بعضه.

ولنقبل مجازاً أنّ وعي "أبو عصام" تفتّح إلى هذه الدرجة، فماذا عن الوعي الطارئ على أهل الحارة عموماً، أولئك الذين كانت يومياتهم مليئة بفعل الخير، لكنّها كانت تغرق أيضاً، حتّى وقت قريب، بالثرثرة والكيد المبطّن والظاهر ومواجهة مجموعة من "الزعران" تخترق يومياتهم المثالية.

كيف تغيّر مجتمع باب الحارة فجأة؟ كيف انقلب على ماضيه على هذا النحو؟ وكيف لم يثِر أحداً ظهور زوجة "أبو عصام" كاشفة عن وجهها "بالقرعة"، إلا ابنها عصام. وهم الجيران الذين كانوا حتّى وقت قريب يهدّدون نساءهم بـ"الشخط على البلّوعة" إذا رفعت صوتها! وكيف انتهى جدل هذه المرأة "القرعة" بين نساء الحارة الثرثارات بأنّ "هناك حارات أخرى في دمشق فيها النساء يخرجنَ بلا غطاء الوجه"؟

لو تجاوزنا هذا الأمر، وارتضينا بهذا التحوّل النوعي في وعي أهل "حارة الضبع"، على اعتباره عودة عن خطأ تجاهُل أجزاء المسلسل الخمسة السابقة حقيقة المجتمع الدمشقي، يبقى أمر لا يمكن تجاوزه، وهو أنّ هذا التحوّل في وعي أهل الحارة بدا موجّهاً ومباشراً، بهدف إيصال رسائل محدّدة لها علاقة بالثورة السورية والانقسام المذهبي الحالي. كما حصل في مشهد ساذج خلال استقبال وفود الطوائف والترحيب بهم بالاسم.

لم يترافق هذا مع تشكّل وعي جمعي جديد في مناحي الحياة الأخرى. فمعارك الخناجر لم تتوقّف في الحارة، و"عكيد" الحارة لم يزل هو ضابط القانون وحامي الحمى. والأولاد ما زالوا بلا مدارس. وبقي أبو عصام الطبيب المعتمد من قبلهم، والمثقّف الوحيد الذي عرفناه في الأجزاء السابقة، الطبيب "براء الزعيم"، تم إقصاؤه من صلب الحياة اليومية في الحارة ليقتصر حضوره كمرسال سياسي بين أبو عصام والسياسيين.

ترافق ذلك مع انغلاق الحارة على نفسها، بعد انفتاحها خلال الأجزاء الأخيرة على ثلاث حارات على الأقلّ. إلا إذا كان أبو النار وأبو الحكم وتنكة.. هم الآخر الذي انفتح عليه مجتمع حارة الضبع.

كان بوسع صنّاع "باب الحارة" إدخال شخصيات جديدة، لا تاريخ لها في الأجزاء السابقة، تتشابك مع أهل حارة الضبع في علاقات اجتماعية جديدة، وبتشابكها هذا تشيع الأفكار التي حملها أبو عصام وسواه، وتؤدّي الدور الذي أراده صنّاع العمل بقدرة أكبر على الإقناع وبمبرّر دراميّ معقول. مع التسليم بأنّ الإسقاط الرمزي في الحكاية وحواراتها حقّ لصنّاع العمل، وهو ليس جديداً على الدراما السورية.

ربما قبض "باب الحارة"، في جزئه السادس، على بعض أسباب نجاحه على صعيد النصّ والإخراج. شخصية "الواوي" وبدرجة أقلّ "أبو ظافر" حقّقا بعض ما تتطلّبه الحدّوتة البسيطة المبنية على صراع واضح بين الخير والشرّ.

لكنّ نزوع صنّاع العمل إلى تحميل الشخصيات أكثر ممّا يجب، خصوصاً على الصعيد السياسي، أفسد تلك العافية، فكان العمل يمضي خطوة إلى الأمام ويعود بعدها ليتراجع خطوة إلى الوراء.
دلالات
المساهمون