ديماش كودايبيرغين: صوت عابر للطبقات

09 يناير 2020
حنجرته غنية بمركبات متنوعة ومتناقضة (Getty)
+ الخط -
في غضون عام ونصف العام، التحق المغني الكازاخستاني التينور ديماش كودايبيرغين إلى صفوف أبرز المطربين حول العالم ممن يمتلكون مساحات صوتية كبيرة، تندر معها المجالات الصوتية التي تصل حدودها إلى 6 أوكتاف في سلم الطبقات الصوتية.

مع دخول كودايبيرغين عالم الغناء عام 2010، ونيله عدداً من الجوائز الأولى للمسابقات الكبرى التي تجري في كازخستان (مسابقة الأصوات الرنانة، البازار الشرقي، وماكين آسيا)، بدأت شهرته تمتد وتتوسع؛ فوصلت إلى روسيا والصين وتركيا، وهو ما ساهم في تنصيبه، لاحقًا، مبعوثاً ثقافياً رسمياً لدولة كازخستان في المحافل والمهرجانات الدولية التي أشادت بأدائه ومهاراته الصوتية، فضلًا عن مشاركاته في أشهر برامج المسابقات الغنائية مثل "إكس فاكتور" بنسخته البريطانية، و"ذا فويس" بنسخته الأميركية، ما سمح له بفترة وجيزة في بناء سمعة فنية عابرة للقارات، فتهافتت عليه الدعوات والمناسبات من دول أخرى، من بينها الولايات المتحدة الأميركية التي استضافته في أكثر من جولة غنائية؛ كان آخرها قبل أسبوع من شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، في مركز باركليز في مدينة نيويورك، علاوة على حفلات منتظرة في كل من براغ في جمهورية التشيك فبراير/ شباط القادم، وهامبورغ الألمانية مارس/آذار المقبل. وفي نفس هذا الشهر سيقدم حفلات غنائية ستشمل كلا من الصين وروسيا وأوكرانيا.
وإن كان صيت كودايبيرغين قد وصل متأخرًا إلى الشرق الأوسط، حيث أحيا حفله الأول في دبي مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في حفل ضم عدداً من مشاهير الغناء الروسي، أمثال إرينا أليغروفا، ونيكولاي باسكوف، والموسيقار ، إلا أن سمعته حظيت بعدد من المتابعين والناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، وكان من بينهم عدد من المحللين والمدرسين الموسيقيين أثنوا على المهارات الصوتية التي يمتلكها كودايبيرغين في أعداد مختارة من الأغاني التي سبق أن قدمها على المسارح الأوروبية والآسيوية، بأنماط مختلفة جمعت الأوبرالية والكلاسيكية المعاصرة والبوب، وبلهجات متعددة كالإنكليزية والألمانية والقازاقية والروسية والإسبانية والفرنسية والصربية، وهي تزيد عن 30 أغنية متنوعة ما بين فلكلورية شعبية كازاخستانية، مثل أغنية "BLIZZARD" للمغنية الروسية آلا بوجاتشيفا، وبعض أغاني البوب للمغني الشهير مايكل جاكسون، أهمها أغنية "EARTH SONG"، وأغنية "JE TAIME" للمغنية الفرنسية لارا فابيان، إضافة إلى بعض الأغاني التي قام بتأليفها وتلحينها، كأغنية "يوم لا ينسى" وأغنيتي "TUGAN ZHER" و"DAIDIAU" عام 2015، اللتين ضمهما إلى أسطوانته المطولة الصادرة عام 2016، والتي حملت عنوان "IP" بمجموع أربع أغنيات بعد احتساب أغنيتي "KORKEMIM" و"YERKELETEYIN".
هذه الشعبية المتأخرة المتنامية لمغن لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، هي وليدة سمات ومواصفات تتمتع بها حنجرة هذا الشاب، الغنية بمركبات موسيقية متناقضة ومسترسلة في آن، يمكن ملاحظتها وتمييزها في أي أغنية من الأغنيات التي يؤديها بطرق مختلفة، ترتكز على مفاهيم علمية في مجالي الصوت والموسيقى. إذ يمتلك ديماش القدرة على جمع ثلاثة أصوات في صوت واحد، والتلاعب بها بين نغمات منخفضة ومتوسطة (يعطي مساحة صوتية تشمل أكثر من 6 أوكتاف من الباريتون وصولًا إلى السوبرانو والهايسوبرانو)، وعالية (تينور) خالية من الضجيج بشكل محترف وثابت لا شذوذ فيه. ليس هذا فقط، فقدرة ديماش على دمج الأصوات والتماهي مع مختلف الطبقات الصوتية، جعلته يمتلك صوتًا رجوليًا وأنثويًا، قادر على التكيف، بحسب الأبعاد الموسيقية في السلم الموسيقي بين الطبقات العليا الرجالية وهي (التينور) والنسائية (سوبرانو)، بكل ليونة وعذوبة ووضوح، وهو ما يجعله في مصاف أشهر مغني التينور، أمثال بوتشيلي والراحلين لوتشيانو بافاروتي وكارلو بيرغونزي، من جهة الصوت الرجولي، ومغني السوبرانو أمثال الروسية آنا نيتريبكو والأميركية جيسي نورمان من جهة الصوت النسائي.
وفي حال احتساب بعض أشهر مغني البوب والأغنية الكلاسيكية في العالم بحسب درجة طبقات الصوت التي يمتلكونها؛ فيمكن القول إن كودايبيرغين قد استطاع تجاوزهم في عدد الأوكتافات، أمثال ماريا كيري (مساحة صوتها 5 أوكتاف) ومايكل جاكسون (3 أوكتاف). أما في حال المقارنة مع بعض أفضل الأصوات العربية، فإن كوكب الشرق أم كلثوم تربعت على عرش القائمة بـ 3.6 أوكتاف، ثم أسمهان بـ 3.3 أوكتاف، ووديع الصافي (3.0 أوكتاف)، ونجوى كرم (3.1 أوكتاف)، وصباح فخري (2.9 أوكتاف) وأصالة نصري وماجدة الرومي (2.7 أوكتاف).
الأوكتاف وفق المعايير الموسيقية هو مصطلح يطلق على المسافة الفاصلة بين درجتين تحملان نفس الاسم، إحداهما قرار والأخرى جواب؛ أي بمعنى آخر (المسافة بين النغمة وجوابها) فلحساب الأوكتاف (المساحة الصوتية) لصوت أحد المطربين على آلة البيانو الحديثة، والتي تحمل مدى صوتيا يصل لسبعة أوكتافات، فإن أي جملة موسيقية تبدأ بقرار (الطبقة المنخفضة) وفق السلم الموسيقي الذي يبدأ بـ "الدو" وهو عبارة عن صوت غليظ وكثيف، سيمر بباقي العلامات الموسيقية (ري، مي، فا، صول، لا، سي) وصولًا إلى "الدو" أي الدرجة الثامنة وهو الجواب (الطبقة العالية) المتمم للقرار، ويصبح الصوت هنا أكثر حدة وثباتًا وقوة، عندها يصبح لدينا أوكتاف واحد.

بعدها يأتي الثاني الذي يسمى بجواب الجواب (أي انطلاق الصوت المنتهي عند الجواب دفعة أخرى مضاعفة فيتحول الجواب إلى قرار يصل من جديد إلى الجواب بحسب قوة ومرونة صوت المغني وهكذا..). وإن أردنا تبين جميع هذه المعطيات أعلاه فيمكن الاستماع إلى أغنية لارا فابيان "LOVE IS LIKE A DREAM" التي أعاد ديماش غنائها بأسلوبه الخاص، فهي خير مثال على جميع ما ذكر من مواصفات وقدرات غنائية نادرة يتمتع بها كودايبيرغين.
دلالات
المساهمون