"نتفليكس" ومشاهدة الأفلام: لا حرب بين المنصّة وصالات السينما

22 ديسمبر 2018
ألفونسو كوارون، مخرج فيلم "روما" (Getty)
+ الخط -
يستمرّ النقاش حول التأثيرات المختلفة للمنصّة الأميركية "نتفليكس" على صناعة السينما، إنتاجًا وتوزيعًا ومُشاهدة. فالمنصّة فاعلة في المشهد السينمائي الدولي، منذ بداية أعوام الألفين، ومخرجون متنوّعو الأساليب والهواجس والجنسيات يخوضون تجربة العمل المُنتَج بأموالها، وبعضهم حاصل على جوائز في مهرجانات دولية، ومُرشَّح لجوائز سينمائية معروفة، كـ"غولدن غلوب" و"أوسكار". أبرز تلك الأفلام المُرشَّحة لهاتين الجائزتين في دورة العام المقبل هو "روما" للمكسيكي ألفونسو كوارون.

آخر المسائل المتعلّقة بالموضوع نفسه تتمثّل بالدراسة التي أصدرتها "EY" (مجموعة الاقتصاد الكمي والإحصاءات) في واشنطن أخيرًا، بعد تحليل إحصائية مرتكزة على آراء 2500 شخص. إذْ تبيّن لها أن الذين يشاهدون الأفلام في الصالات السينمائية هم أنفسهم الذين يستهلكون المحتوى المُقدَّم إليهم من منصّات كـ"نتفليكس". وبحسب العنوان الإنكليزي للمقالة المنشورة في الموقع الإلكتروني للمجلة الأميركية "فاراييتي" (17 ديسمبر/ كانون الأول 2018) بقلم برنت لانغ، فإنّ المنصّة الأميركية هذه "لا تقتل صالات السينما"، علمًا أنّ عدد المشتركين في "نتفليكس" بلغ 137 مليون شخص في أنحاء مختلفة في العالم، ومع هذا فهي "لن تحول دون ارتياد الصالات التي لا تزال تتمتّع بجاذبية"، كما يُعلّق متابعون عديدون على الدراسة.

وبحسب الدراسة،التي أوصت بها "الجمعية الوطنية لمالكي الصالات" (في الولايات المتحدّة الأميركية)، فإنّ المشاهدين الذين يذهبون غالبًا إلى صالات السينما هم أيضًا الأكثر استخدامًا لمحتويات المنصّة، إلى درجة أن "صالة السينما ومنصّة البثّ ستكونان أكثر تكاملاً مما نعتقد"، بحسب برنت لانغ. فالذين يُشاهدون على الأقل 9 أفلام في الصالات خلال عام واحد، هم الذين يستفيدون من خدمات بثّ المنصّة لمدّة 11 ساعة أسبوعيًا (معدّل عام)، في مقابل 7 ساعات للمُشاهدين الذين لا يذهبون إلى صالات السينما إلاّ مرة واحدة أو مرتين سنويًا.

يُذكر أنّ "الجمعية الوطنية لمالكي الصالات" تُعتبر من جماعات الضغط الأبرز في مجال العروض، وكانت صريحة للغاية في انتقادها قرار "نتفليكس" عدم إطلاق العروض التجارية لأفلامها في الصالات السينمائية.



بالإضافة إلى ذلك، يرى معلّقون على الدراسة أن لزيادة تدفّق المحتوى، الذي تقدّمه منصّات البثّ، تأثيرًا أكبر وأهمّ على "محطات البثّ التلفزيوني المدفوعة مسبقًا" التي تفقد غالبيتُها قوّتَها. لكن هذا لا يحول دون التنبّه إلى أنّ ارتياد الصالات السينمائية "لا يتوقّف عن التقلّص، وهذا منذ خمسينيات القرن الـ20".

فبحسب الصحافي السينمائيّ الفرنسي ماكسيم غرانجورج (الموقع الإلكتروني للمجلة السينمائية الفرنسية "بروميير"، 18 ديسمبر/ كانون الأول 2018)، فـ"إنّ مشاهدًا فرنسيًا واحدًا يشاهد 9.1 أفلام في الصالات عام 1955، مقابل 3.1 عام 2015". أما عدد الأفلام التي يُشَاهدها الأميركيون في الصالات، فانتقل من 14.2 إلى 3.7 بين عامي 1955 و2015: "تطوّر التلفزيون ووسائل البثّ الجديدة (أشرطة الفيديو، وإسطوانات الـ"لايزر"، ونسخ الـ"دي. في. دي.") مسؤولة، إلى حد كبير، عن هذا الانخفاض في ارتياد الصالات" في تلك المرحلة الزمنية.

غير أن غرانجورج يُشير إلى أنّ "السؤال الحقيقي الذي يُفترض بنا أن نطرحه لا يتعلّق بارتياد المشاهدين لصالات السينما، بقدر ما يجب أن يتناول الإنتاج وتوزيع الأفلام المقبلة في الصالات"، مُقدِّمًا ـ في الوقت نفسه ـ أمثلة على ذلك: "أنشودة باستر سكرغز" للأخوين جويل وإيثان كُوِن و"الإيرلندي" لمارتن سكورسيزي و"بينوكيو" لغييرمو دِلْ تورو.

بالعودة إلى الدراسة نفسها، فإنّ 80 في المائة من الذين استهدفتهم يقولون إنهم شاهدوا فيلمًا واحدًا على الأقل في الصالات خلال العام المنصرم. كما أن خدمة البثّ سمحت لعدد قليل من أفلام المنصّة بأن يكون لها عرض تجاري حصري وخاص وصغير، علمًا أن "نتفليكس" ستلتزم، إلى حدّ كبير، سياسة "عرض الأفلام في الصالات السينمائية للمرة الأولى في الوقت نفسه لعرضها على شاشتها"، كما في مقالة برنت لانغ الذي نقل عن فيل كانترينو، مدير "البحث والميديا" في "الجمعية الوطنية" قوله إنّ "الرسالة هنا واضحة: لا توجد حرب بين بثّ المحتوى الخاص بالمنصّة والصالات"، مضيفًا أن "الذين يحبّون المحتوى يشاهدونه عبر الأنظمة الأساسية، وللمنصّات كلّها "مكان" في أذهان المستهلكين".



ويرى متابعون أن الذين يذهبون إلى صالات السينما يتجنّبون عادة مشاهدة كميات وافرة من العروض والأفلام وفقًا لخدمات البث، علمًا أنّ نصف الذين استهدفتهم الدراسة يقولون إنهم لم يقصدوا صالة سينما واحدة في الأشهر الـ12 الماضية، وفي الوقت نفسه لم يستخدموا أي محتوى من خدمات البثّ في "إنترنت" أو المنصّات: "فقط 18 في المائة من الذين يتفادون الصالات يستخدمون المحتوى وخدمات البثّ 8 ساعات أو أكثر أسبوعيًا".

في المقابل، يبدو أن البثّ ليس "مصدر إلهام لنوعٍ من المراهقين"، إذْ إنّ الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عامًا يشاهدون ما معدّله 7.3 أفلام ويستهلكون 9.2 ساعات من محتويات البثّ، وهذا أعلى مستوى في أي فئة عمرية؛ في حين أن المستهلكين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و37 عامًا "ذهبوا إلى الصالات 6 مرات العام الماضي (أدنى نسبة بين أي فئة عمرية)، وشاهدوا 8.6 ساعات من محتوى البثّ أسبوعيًا (ثالث أكبر نسبة)".
المساهمون