استمع إلى الملخص
- فيلم "Lapilli" يستكشف العلاقة بين الإنسان والطبيعة المتدهورة من خلال تجريب بصري ونص شعري، بينما "معماريّ" يعتمد على الصورة لرواية قصة الخراب العالمي دون الحاجة إلى كلام كثير.
- "حان الليل" ينحرف عن التجريب السينمائي ليصور يوميات تدريب عسكري قاسٍ، مقابل "هادئ" الذي يعالج تأثيرات العودة إلى الوطن والتغيرات الاجتماعية والبيئية بأسلوب خالٍ من الثرثرة والملل.
تنساق مسابقة "بروكسيما"، في "مهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي"، إلى نمطٍ بصري يمزج توثيقاً مخفَّفاً بسرد روائيّ ـ تمثيلي، والتمثيل يكاد يختفي إزاء واقعية حدثٍ وأفرادٍ، وعفوية قول وتصرّف. ثلاثة أفلامٍ تعكس شيئاً من هذا، بتفاوت بين إسرافٍ سينمائي في اعتماده، وتوغّل أكبر في تجريبٍ، يتناقض أحياناً مع جوهر الحكاية المنوي سردها.
لكنّ هذا غير ظاهرٍ تماماً، فـ Lapilli، للسلوفاكية باولا دورينوفا، مثلاً، يجهد في أنْ يترادف التجريب مع البوح الذاتي إزاء ارتباط بطبيعةٍ تنهار، وانهيارها خرابٌ فردي وعام، من دون توازنٍ درامي جمالي سرديّ بين الصُّور والنصّ. قسوة معاناة دورينوفا مروية بثرثرةٍ، وإنْ يُراد للرواية أنْ تكون نصاً شعرياً (النبرة توحي بذلك، غالباً) عن ألمٍ وتحوّلات وبؤسٍ. التجريب البصري غير مستجيب لمعنى أنْ تكون الصورة حكاية مروية من دون كلامٍ، فكثرة الكلام ثرثرة مسيئة لاختبار تجريبٍ، ربما يستوفي شرطه السينمائي إنْ يُحذَف الكلام، أو يُخفَّف على الأقلّ. مشاهدة "معماريّ (Architecton)"، للروسي فكتور كوسّاكوفسكي، مثلاً، تقول إنّ الصُّور وحدها كافيةٌ، لقدرةٍ سينمائية على جعل الطبيعة، بتناقضاتها وتفاصيلها وأحوالها، تروي حكاية الخراب الحاصل في العالم. الكلام القليل بين المخرج نفسه وميكالي دي لوكي، المُصمّم والمهندس المعماري الإيطالي (المهموم بعمارة وآثار، وبانقلابات الطبيعة والبشر على جمال وبهاء يندثران)، كفيلٌ بتحصين الصمت (الصُّور تتكلّم أصلاً) من تلوّث يُصيبه بثرثرة باولا دورينوفا، مع أنّ في كلامها قهراً وشقاءً وتعباً (الفيلمان مُنتجان عام 2024، و"معماريّ" مشارك في مسابقة الدورة 74 لـ"مهرجان برلين السينمائي"، المُقامة بين 15 و25 فبراير/شباط 2024).
"حان الليل" (2024)، أول فيلمٍ لباولو تيثون (بيرو)، يُخالف تماماً فكرة التجريب السينمائي، لشدّة إمعانه في التقاط لحظاتٍ وتفاصيل خاصة بيوميات تدريب عسكري لشبّانٍ، يريدون الخدمة العسكرية في منطقة Vraem، الأخطر أمنياً لما فيها من عصابات وتجّار مخدّرات. الملل حالةٌ مفروضة على المُشاهِد، والدقائق الـ95 كفيلةٌ بتحطيم كلّ رغبةٍ في معرفة النهاية. حكايات فردية تُروى عن حبّ وارتباط عائلي ورغبات قليلة، تترافق وقسوة التدريبات المفروضة على أولئك الشبّان، التي (القسوة) تبلغ حدّاً متوحّشاً أحياناً.
لا فائدة تُرجى من فيلمٍ، لن يتوضّح هدفه كلّياً: ترويج لجيشٍ يُدرِّب شبّاناً بقسوة غير مُحتَملة، للانقضاض لاحقاً على من يُخرِّب البلد والمجتمع؛ أَم انتقادٌ مبطّن لتلك الوحشية، رغم أنّ التدريبات العسكرية كلّها غير منفضّة عن وحشيةٍ ما؟ إضاءة جانبٍ انفعالي في يوميات أفرادٍ، ينخرطون في تلك التدريبات لأسبابٍ مختلفة؛ أمْ محاولة (غير موفّقة) لتبيان الإنساني ـ البشريّ في ذوات مدفوعة إلى الوحش النائم فيها؟
هناك أيضاً "هادئ (Windless بحسب العنوان الإنكليزي)، للبلغاري بافِل جي فِسْناكوف: يعود كاوليان إلى بلدته البلغارية بعد غياب، لترتيب أوضاع العائلة إثر رحيل الأب. عودة تكشف خفايا كثيرة، وتُروى فيها تفاصيل أفرادٍ وبلدة ومشاريع سياسية اقتصادية تجارية، ستؤثّر على البيئة البشرية واجتماعها لاحقاً. كلامٌ كثيرٌ يُقال، لكنّه منزّه عن كلّ ثرثرة وملل (93 دقيقة).