لوحات ترسم فلسطين

24 مايو 2015
حناء وطحن حبوب ورقص الفتيات - عبد الحكيم أبورياش
+ الخط -
تتوه للحظات فور دخولك منزل الفنان الفلسطيني الخمسيني ماهر ناجي وزوجته الفنانة الروسية إيرينا ناجي في منطقة الفاخورة على الأطراف الغربية لمخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة، بين اللوحات الفنية التشكيلية المتناثرة على الجدران، والممرات، وداخل المرسم الخاص بهما.
جمال تلك اللوحات الفنية الضخمة وألوانها الصارخة حيناً، والهادئة حيناً آخر تأخذك إلى أماكن بعيدة، تتخطى حدود الوطن والتاريخ والجغرافيا التي تأثر بها الزوجان الفنانان، والتي انعكست واقعاً على الخطوط الفنية المرسومة طولاً وعرضاً.
الاحتراف العالي الذي وصل إليه الفنان ماهر، وماثلته فيه الفنانة إيرينا عكس حالة فريدة من الجمال الخيالي والواقعي، الذي عكسته عشرات اللوحات الفنية التشكيلية، لتوجِد نوعاً جديداً من الرسم غير التقليدي، أطلق عليه الزوجان اسم "الفن التجريبي".
حكاية الفنانان الزوجان بدأت في مدينة "سانت بطرسبورغ" الروسية عندما تعرف ماهر على زوجته إيرينا داخل أكاديمية الفنون الشهيرة "بارون شتيغلز"، وأكملا دراستهما سوياً، وانتقلا للعيش في مخيم جباليا للاجئين حيث تقطن عائلة الزوج، لتبدأ مرحلة جديدة من رحلة الكفاح والعمل.
ولد الفنان الفلسطيني ماهر ناجي في مخيم جباليا عام 1963، لأسرة كانت هُجرت من موطنها الأصلي في قرية السوافير الشمالي، وأنهى تعليمه الأساسي والثانوي بمدارس المخيم، ليغادر عام 1983 إلى روسيا، ويلتحق بأكاديمية الفنون، ويعود إلى غزة في عام 1994 بعدما حصل على شهادة الدكتوراه في العمارة العربية. وشارك أثناء دراسته في العديد من المعارض والنشاطات الفنية، ومنذ عودته إلى قطاع غزة لم يتوقف عن الإنتاج الفني والمشاركة في الأنشطة الفنية.
ويقول ناجي لـ "العربي الجديد"، إنه بدأ محاولاته في الرسم منذ الثالثة عشرة من عمره، بحيث كان مولعاً بأفلام السينما التي كانت تعرض في قطاع غزة في ذلك الحين، وكانت تشده الإعلانات التجارية التي تزخر بها ممرات السينما، لدرجة أنه كان يرسمها مجدداً على جدران المخيم بعد عودته للمنزل فور انتهاء الفيلم، باستخدام صبغة زرقاء تسمى "الزهرة" (النيلة) تستخدم عادة في تنظيف الملابس البيضاء.
ويضيف الفنان ناجي: "رسوماتي المتقنة في ذلك الوقت جذبت أهلي وأصدقائي، فأصبحت أرسم اللوحات والوسائل الخاصة بالدروس، وشعرت حينها أنه بإمكاني تطوير قدراتي التي لفتت انتباه مُدرسي الرسوم في مرحلتي الإعدادية والثانوية، وأدخلت الألوان الزيتية على رسوماتي".
ويلفت إلى أنه بعد إتمام دارسته في قطاع غزة، سافر إلى روسيا من أجل إكمال دراسته الجامعية، وواجه الكثير من المشاكل لكنه تغلب عليها. وتغلب أيضاً على الضحكة الساخرة التي أطلقتها مدرسة اللغة الروسية التي أخبرها بنيته الالتحاق بأكاديمية الفنون التطبيقية "بارون شتيغلز"، فردت عليه أن ذلك من الصعب جداً.
ويقول ناجي إنه كان مُصراً على دخول الأكاديمية، وتقدم لاختبار قياس قدراته الفنية، وقُبل في الأكاديمية بعد نجاحه في الاختبار بتقدير ممتاز.
ويبين أنه انتقل برفقة زوجته إلى قطاع غزة بعد خمس سنوات من الدارسة، ويقول: "عملت في وزارة الإسكان التابعة للسلطة الفلسطينية، وانشغلت زوجتي في تربية الأطفال، وبقينا منشغلين عن الفن منذ عام 1996، حتى عام 2007، عندما توقفت عن العمل، فبدأت بالعودة للرسم، وتطوير الخطوط الخاصة بي، عبر استخدام أساليب غير تقليدية في الرسم والألوان، وإيجاد نمط لا ينتمي للأنماط المتعارف عليها، سميناه النمط التجريبي الذي أدخلنا في مرحلة مختلفة تماماً عن المرحلة السابقة".
ويشير ناجي إلى أنه تأثر كثيراً في أعماله الفنية ببلدته "السوافير" التي هُجر أهله منها، موضحاً أنه حاول نقل الموروث التراثي والحضاري الفلسطيني عبر رسم الأجواء والزي الفلسطيني، كذلك رسم المدن والحارات والأماكن العتيقة والمحتلة.
وعن أفكار اللوحات التي يرسمها، يقول ناجي: "في بداية يومي أشرب قهوتي، وأستمع لشعر محمود درويش، الذي يؤثر بي لدرجة كبيرة، تلهمني غالباً رسم تلك العبارات وترجمتها من نصوص كلامية إلى لوحات فنية، كذلك أتأثر بالمشاهد والمواقف والحوارات التي تستفز ريشتي لترجمتها، فالفنان يتأثر كثيراً بحسه المرهف بكل ما يدور حوله، ويعبر عنها بطريقته الخاصة".
أما زوجته الفنانة إيرينا فتوضح أنّ لكل فنان شخصيته المختلفة، لكنها توافقت كثيراً في أسلوبها الفني مع زوجها، واتبعت معه ذات الأسلوب الجديد في رسوماتها التي تأثرت كثيراً بالتراث الفلسطيني الغني بالصور التي يمكن ترجمتها إلى لوحات.
ولدت الفنانة إيرينا ناجي في روسيا، حيث أنهت دراستها الثانوية، ومن ثم التحقت بأكاديمية الفنون التطبيقية في مدينة "سانت بطرسبورغ"، وارتبطت بزوجها ماهر الذي كان زميل دراستها، وعادت معه الى فلسطين عام 1994، ومنذ ذلك الوقت بدأت بعكس حياة الشعب الفلسطيني في أعمالها.
جماليات التراث الفلسطيني أبهرت الفنانة إيرينا التي تقول لـ"العربي الجديد" إنها أخذت على عاتقها إعادة طرح الموروث الثقافي الفلسطيني بصورة وتقنيات جديدة، وشاركت في العديد من الفعاليات والمعارض الفنية في داخل الوطن وخارجه، وتوجد لها الكثير من الأعمال والمقتنيات داخل فلسطين وخارجها.
وتوضح أنّ حكايتها مع الفن بدأت منذ الصغر، حيث تُعنى روسيا بتعليم الأطفال وصقل مواهبهم في مراحل عمرهم الأولى. وتقول إيرينا: "في العاشرة من عمري التحقت بإحدى المعاهد الخاصة بالفنون، بعد اجتيازي اختبار الرسم بمعدل ممتاز، وبقيت فيه لمدة خمس سنوات".
وتضيف: "تلك السنوات زادت قدرتي على الرسم، وتلقيت بعدها العديد من الدورات الخاصة بتطوير قدراتي، إلى أن التحقت في الأكاديمية بعد عدة محاولات، وكانت الصدفة في ذلك الوقت قبولي أنا وزوجي ماهر في نفس السنة، لتبدأ حكايتنا سوياً فيما بعد".
وتشير إيرينا إلى أنها رافقت ماهر إلى غزة، وسكنت معه في غرفة داخل منزل العائلة في مخيم جباليا ، وكانت "تلك الأجواء العائلية سبباً لتولد عشرات الأفكار التي قمت بتطبيقها على لوحاتي، فرسمت أسبوع المولود، واجتماع العائلة حول كانون النار للتدفئة، كذلك أجواء العُرس الفلسطيني، والحصاد، وأثواب الفتيات الفلسطينيات، وغيرها من الأفكار التي لم أعهدها من قبل".
وعن الصعوبات التي تواجه الفنانة الروسية/الفلسطينية إيرينا داخل غزة، تقول: "المشاكل والصعوبات هنا تطاول الجميع، فالكهرباء تشكل عبئاً حقيقياً علينا، إضافة الى نقص الوقود اللازم لتشغيل المولد الكهربائي، علاوة على المشكلة الكبيرة والأساسية المتمثلة بإغلاق المعابر وعدم قدرتي على المشاركة في المعارض الخارجية، أو تلبية الدعوات التي توجه لي بشكل دائم".
وتضيف: "لم أتمكن كذلك من الخروج من غزة لمتابعة المعارض أو الفنون الحديثة، والمستجدات التي طرأت على عالم الفن كما كنت أعمل قبل دخولي القطاع"، موضحة أن غزة وعلى الرغم من كل محاولات مجاراة الفنون، إلا أنها منطقة مغلقة، تعاني الحصار والتضييق.
المساهمون