تونس المصرية... قرية يولد أبناؤها بفطرة فنية نادرة

21 نوفمبر 2019
5721DD9F-5657-4C2F-878F-B447E544BCE7
+ الخط -
سيعتقد كل من يزور قرية تونس في محافظة الفيوم المصرية أنه يقف لوهلة وسط لوحة فنية معلقة على ضفاف بحيرة قارون، مكسوة بخضرة خلابة، ومحاطة بجبال تزيدها روعة وتحوّل شوارعها إلى معارض فنية. هي "القرية الفنانة" التي يولد أبناؤها بفطرة فنية نادرة، والبلدة الواقعة على بُعد 80 كيلومتراً جنوب غرب العاصمة القاهرة استأثرت بشحنة هائلة من الجمال النابض في مختلف أرجائها.

وعلى الرغم من صغر حجمها، إلا أنّها تزخر بألوان بهيجة، وتزدحم بالعديد من الفنّانين ممن برعوا في فنون الخزف والفخار والرسم والنحت على النحاس.

فن الأنامل الصغيرة:
وسيكون أول ما يلفت نظر المارة بتلك الشوارع الفنية، هو ذلك الطفل الصغير الذي لم يتجاوز عمره الـ 10 أعوام الذي يجلس على كرسي خشبي، ويركز بعينيه الثاقبتين على قطعة من الطين بين يديه الصغيرتين.

وتشكل أنامله الصغيرة قطعة من الخزف، فيما تحرك قدماه الصغيرتان "الدولاب"، ليلف القرص وينتهي من تشكيل قطعة الفخار، ويحولها إلى قطعة فنية.

وينفذ كل ذلك بسرعة وخفة ومهارة عالية، وكأنه فنان قضى عمره في صناعة الفخار، في إبداع فطري صقلته موهبة متفجرة، مما يجعل الزوار والسياح المتوافدين إلى القرية من داخل البلاد أو خارجها، لا يفوّتون فرصة الوقوف أمام ذلك الطفل الصغير، الذي يحوّل الطين إلى تحف فنية رائعة، ويراقبونه بصمت ويلتقطون بعض الصور له.

نحت الجمال:
ولن تنتهي دهشة الجميع من مشاهدة ذلك الطفل، حتى يأسر عيونهم فنان آخر في الـ 30 من عمره، يجلس خلف منضدة عليها العديد من أعماله الفنية، وأمامه طبق نحاسي وبين يديه مطرقة وآلة حادة تشبه المسمار.

ويرفع مطرقته بإيقاع منتظم ليعيش في عالم الخطوط، وبعدما ينتهي تخرج من بين يديه قطعة فنية، مُزينة برسوم أندلسية وخطوط فن إسلامي رائعة.

ويبتسم قائلًا: "حين أبدأ الرسم على النحاس، أنسى العالم بما فيه وأعيش بين تلك التشعبات، من الخطوط والأشكال التي تترجمها يدي، بالرسم على قطعة النحاس التي بين أصابعي".

لوحات من الطبيعة:
وعلى بُعد أمتار قليلة، يجلس الشاب الثلاثيني أيمن المعبداوي، بين العشرات من اللوحات الفنية التي رسمها للمناظر الطبيعية في محافظة الفيوم.

وتُجسد اللوحات البعض من صور حياة الفلاحين والبدو في القرى المختلفة، والحياة في مصر القديمة، فيما ينتشر حوله العشرات من الزوار الذين حرصوا على شراء بعض اللوحات الفنية منه.

وبينما حرص آخرون على التقاط الصور بين تلك اللوحات الفنية الرائعة، يسترجع الشاب الثلاثيني ذكريات طفولته، حينما كان يلهو ويلعب بمياه وادي الريان، وبين الجبال والخضرة المحيطة بها، والتي كانت سببًا لعشقه للفن.

ويقول إنه حاول ترجمة تلك الطبيعة الساحرة في المناطق المختلفة في الفيوم، مثل وادي الريان وبحيرة قارون وقرية تونس وغيرها، على الورق. ويضيف: "لا يصدق الكثيرون أنّ شخصاً نشأ في قرية نائية، قد يرسم تلك اللوحات الرائعة".

وتقدم تلك القرية صغيرة المساحة، البهجة والمتعة لجميع الأعمار، فبعض الأطفال يلهون ويلعبون في الهواء الطلق ويختبئون وسط الأشجار، وآخرون يتسابقون بالدراجات، فيما تجلس مجموعة أخرى داخل مركز الفيوم للفنون لتعلم الرسم، كما يجد الكبار أكثر من وسيلة للترفيه عن أنفسهم.

ضحكة الأواني الفخارية:
وعلى مقربة من تلك الطبيعة، وقفت فتاة عشرينية زائرة للقرية، جذبت أنظارها الأواني الفخارية، فقررت أن تخوض التجربة بنفسها وتحاول صناعة الفخار، فطلبت من أحد أصحاب الورش السماح لها بصناعة قطعة.

وبدأت تتعلم وسط تعالي الضحكات في كل مرة باءت فيها تجربتها بالفشل، حتى تمكنت في النهاية من صُنع قطعة فخار بيديها، قبل أن تتفق مع صاحب الورشة أن تعود في اليوم التالي، لتأخذها بعدما تجف.

"القرية الفنانة":
ولا تعتبر مظاهر الفلكلور والفنون التي زينّت القرية جديدة عليها، إذ بدأت منذ 10 أعوام، حين قررت محافظة الفيوم تنظيم مهرجان للقرية، وعروض حية بالشوارع خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، بعدما ذاع صيت القرية وتوافد عليها السياح، بسبب "خزافة سويسرية" كانت نقطة تحول تلك القرية الصغيرة إلى العالمية.

وكانت تونس المصرية في الستينيات، قرية هادئة لا يقطن بها سوى عدد ضئيل من السكان، ولم تكن فيها أي من الخدمات ولا حتى الكهرباء.

وذكرت تقارير محلية أنّ "الصدفة" كانت سبباً رئيسياً، في جعل القرية مشهورة يتوافد عليها السياح من جميع أنحاء العالم، حيث كان الشاعر المصري الراحل سيد حجاب وزوجته "الخزافة السويسرية" إيفلين بيوريه، يزوران بحيرة قارون للاستمتاع بالطبيعة التي كانا مولعين بها. وشاهدا آنذاك قرية على ضفاف البحيرة، فيها الكثير من الخضرة وتحيطها الجبال، فدخلاها وأعجبتهما كثيراً، مما دفعهما لشراء قطعة أرض وبناء منزل فيها، وقررت زوجة حجاب أن تبني منزلها على الطراز النوبي في القرية، وانتقلت للعيش فيه.

وبينما كانت بيوريه تتجول في القرية، وجدت أطفالاً يصنعون ألعاباً من الطين المخلوط بـ "التبن" (قش القمح والأرز المطحون)، فقررت مزج خبرتها ودراستها للفنون التطبيقية، مع فطرة هؤلاء الأطفال لتحويلها إلى حرفة. وأنشأت بالفعل مدرسة لتعليم صناعة الخزف والفخار، وبدأت تدريب أطفال القرية فيها، ولم تكتف بذلك بل قررت دعوة الكثير من الأجانب إلى القرية، بالإضافة إلى العديد من الفنانين، لتصبح "القرية الفنانة" حكاية كل الأزمان. 

(الأناضول)

دلالات

ذات صلة

الصورة
مقبرة جماعية في منطقة الشويريف بطرابلس، 22 مارس 2024 (الأناضول)

مجتمع

أعلن المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك، الثلاثاء، أن مكتبه يتابع تقارير عن اكتشاف مقبرة جماعية في الصحراء على الحدود الليبية التونسية.
الصورة
جواز سفر مصري - مصر (إكس)

مجتمع

أُحيل محامٍ مصري إلى المحاكمة الجنائية بتهمة تزوير محرّرات رسمية وجمع أموال من عائلات سوريّة في مصر، وذلك في مقابل إتمام إجراءات الجنسية المصرية المنتظرة
الصورة
مسيرات في تونس تنديداً بقصف خيام النازحين (العربي الجديد)

سياسة

شارك مواطنون تونسيون وسياسيون ومنظمات وطنية وحقوقيون، مساء اليوم الاثنين، في مسيرات في مدن تونسية تنديداً بالحرب على غزة، ولا سيما مجزرة رفح. 
الصورة
مسيرة في تونس ترفع شعارات الثورة التونسية، 24 مايو 2024 (العربي الجديد)

سياسة

رفعت شعارات الثورة التونسية "شغل حرية كرامة وطنية" في احتجاج شبابي في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة تونس، تعبيراً عن رفض ما آلت إليه الأوضاع في البلاد.
المساهمون