شخصيّة الرئيس الأميركي سينمائياً: تمجيد وسخرية وانتقادات

08 نوفمبر 2016
هاريسون فورد في "الطائرة الرئاسية" لوولفغانغ بيترسون (فيسبوك)
+ الخط -
كعادتها في مقاربة الحكايات كلّها، من دون استثناء، تتناول هوليوود الرئيس الأميركي، في أفلام كثيرة، متخيّلة أو حقيقية، لتمجيد بطولات فردية، أو لتوجيه انتقادات، يكون بعضها ساخراً وقاسياً في تحليل شخصيته وأعماله. 

سينمائيون أميركيون يجدون في شخصية الرئيس الأميركي، ما يُغني رؤيتهم الثقافية والسياسية عن أميركا، ومجتمعها وناسها وأحوالها. يتعاملون مع السِيَر الحياتية وفقاً لما يرونه في الرئيس نفسه، كما في مواقفه وسلوكه وحياته الخاصّة والعامة. يذهب بعضهم بعيداً في انتقاده، لهذا السبب أو ذاك، ولن يتردّد آخرون في "تعنيفه"، ومهاجمته علناً، متّهمينه بخلل، أو فساد، أو مصيبة.

أنجزت هوليوود أفلاماً تُعتبر تمجيداً سينمائياً للرئيس، ولموقع الرئاسة. مثلاً: أن يُؤخذ على الرئيس بل كلينتون عدم تلبيته الخدمة العسكرية في شبابه، فهذا كافٍ كي تُنتج هوليوود "طائرة الرئاسة" (Air Force One)، لوولفغانغ بيترسن، عام 1997، المحمَّل بإيحاءات عديدة تعكس صورة مُشرقة لكلينتون نفسه. فالرئيس الأميركي في الفيلم (هاريسون فورد)، يخوض معركة تحرير الطائرة الرئاسية من إرهابيين روس، بمفرده، ذاهباً إلى بطولاتٍ لا يُمكن لشخصٍ واحد أن يصنعها، كي يُنقذ زوجته وابنته الوحيدة، ومن تبقّى من أفراد طاقمه حيّاً.

البطولات الرئاسية في مواجهة الأشرار، لن تكون حكراً على إرهابيين. رولاند إيميرك يُنجز، عام 1996، "يوم الاستقلال"، مُقدِّماً فيه شخصية رئيس أميركي (بل بولمان)، لديه ابنة وحيدة أيضاً، يقود معركة تحرير أميركا، وكوكب الأرض برمّته، من اعتداء كائنات فضائية، تريد قتل البشر واستغلال مواردهم الطبيعية. صحيحٌ أن الرئيس، هنا، لن يخوض المعركة الأخيرة شخصياً، لكنه يواجه ويتحدّى ويحرّض الأميركيين، بخطابٍ وطني عالي النبرة، كي يصونوا بلدهم ويدافعوا عن الديمقراطية.

إيميرك نفسه يُحقِّق، عام 2013، "سقوط البيت الأبيض": عميل في "شعبة الاستخبارات السرّية" ينقضّ على رئيس البلد داخل البيت الأبيض، قبل أن يستعيد الأخير زمام الأمور، إثر سلسلة من البطولات المختلفة. وهذا ينسحب على فيلمين آخرين، يؤدّي الثلاثي جيرارد باتلر وآرون إيكهارت ومورغان فريمان، الأدوار الأساسية فيه: الأول بصفته الحارس الشخصي للرئيس الأميركي، الذي يؤدّيه الثاني، علماً أن الثالث يتولّى منصب نائب الرئيس.

الفيلمان هما: "سقوط أولمبس" (2013) لأنطوان فوكا، و"سقوط لندن" (2016) لباباك ناجافي. في الأول، يحتلّ إرهابيون كوريون شماليون البيت الأبيض، ويعتقلون كبار المسؤولين فيه، بينهم الرئيس الأميركي، الذي تُقتل زوجته، سابقاً، في حادث سيارة، ينجو منه هو وابنه الوحيد. لكن الرئيس، هنا أيضاً، لن يتردّد في المواجهة والدفاع عن العاملين معه، مع أن البطولة الأهمّ عائدةٌ إلى حارسه الشخصيّ، الذي يتولّى تحرير البيت الأبيض، وإنقاذ الجميع من الموت بمفرده.

لن يختلف الثاني كثيراً عن الأول: إرهابيون شرق أوسطيون ينقضّون على الرئيس الأميركي ورؤساء دول أوروبية وغربية آخرين، أثناء لقائهم في لندن. أما سياق الأحداث، فيؤكّد مرة أخرى براعة الرئيس الأميركي في المواجهة والتصدّي، وعلى البطولة الفردية لحارسه الشخصيّ.

هذه أمثلة قليلة، تُبيِّن سلوكاً هوليوودياً إيجابياً في التعاطي مع الرئيس الأميركي. لكن هوليوود لن تكتفي بهذا الجانب البطوليّ في شخصية الرئيس وبعض أعوانه، لأنها تُنتج أفلاماً تُقارب الشخصية نفسها من وجهات نظر انتقادية وسجالية وواقعية، وإنْ تكن بعض هذه الأفلام سِيَراً حياتية. ولعلّ أوليفر ستون يبقى أكثر السينمائيين اشتغالاً في هذا المجال، بتحقيقه 3 أفلام، عن جون كينيدي في "ج. ف. ك." (1991)، وريتشارد نيكسون في "نيكسون" (1995)، وجورج دبليو بوش في "دبليو" (2008). وإذْ يروي الفيلمان الأخيران سيرتي الرئيسين نيكسون ودبليو بوش من منظار انتقادي تفكيكي قاسٍ، فإن الأول يكتفي بمتابعة مسار التحقيقات المتعلّقة باغتيال كينيدي، في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1963، المليء بالخفايا والمؤامرات وتشابك المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية بين مؤسّسات وشخصيات عديدة. 

للرئيس كينيدي أفلامٌ عديدة، تحيط بجوانب مختلفة من حياته الخاصّة والعامة. لكن روجر دونالدسن يختار حدثاً مصيرياً يقع أثناء توليه الرئاسة، يُعرف بـ "أزمة الصواريخ"، بدءاً من 14 أكتوبر/تشرين الأول 1962، في فيلم "13 يوماً" (2000)، مُقدِّماً فيه شخصية كينيدي برصانتها وقوتها وحنكتها، وارتباكاتها أيضاً، في مواجهة أزمة كهذه، كادت تُشعل حرباً مع الاتحاد السوفييتي السابق حينها.

أما نيكسون، فيظهر في "فروست/ نيكسون" (2008) لرون هاورد، الصحافي والإعلامي البريطاني ديفيد فروست يُصرّ على إجراء حوار متلفز مع الرئيس نيكسون، بعد مرور أعوام قليلة على خروجه من البيت الأبيض. الحوار المبثوث عام 1977، يرتكز، من بين أمور عديدة، على "فضيحة ووترغايت" المشهورة، والفيلم يُصوّر الرئيس عجوزاً محنّكاً، يتلاعب بمحاوِره، ويختفي وراء إيحاءٍ بأن شيخوخته "تجعله" ينسى أموراً كثيرة.
في مقابل هذا كلّه، يعتمد تيم بورتون، في "اعتداء المريخ" (1996)، على سخرية بديعة، إذْ يُصاب الرئيس الأميركي، جاك نيكلسن، بهلعٍ لا يُحتمل، أمام كائنات فضائية بشعة وغريبة، تحتل كوكب الأرض، وتسخر من البشر.
هذه نماذج قليلة، تكشف شيئاً عن كيفية التعاطي الهوليوودي مع الرؤساء الأميركيين.

المساهمون