مسرح البسطة: هموم الناس في شوارع القدس

17 يونيو 2016
كانت قضية العقارات في القدس موضوع المسرح (العربي الجديد)
+ الخط -
مع انتهاء صلاة التراويح كل ليلة خميس، يبدأ الشّاب بهاء نجيب، ابن حارة باب حطة في البلدة القديمة، بالضرب على دفّه والغناء مع زملائه في فريق "مسرح البسطة": "فرجة، فرجة، فرجة، مسرح البسطة فرجة". بلا تذاكر، وبدون بيروقراطية الإنتاج في المسارح العادية، يتجمع الناس، كبارًا وصغارًا، في سوق الخواجات، إحدى أسواق القدس القديمة، لمشاهدة عروض المسرح الشبابي الناشئ.
في ليلة الخميس الأولى من شهر رمضان، لم يكن الفوز بانتباه الناس واهتمامهم وضمان عدم مغادرتهم حتى انتهاء العرض صعبًا، فمواضيع عروض مسرح البسطة نابعة من هموم الناس، وحواراتها مستمدة من النقاشات اليومية للشارع الفلسطيني في القدس.
في تلك الليلة، كانت قضية العقارات في القدس موضوع المسرح، وهي إحدى القضايا الأكثر سخونة في المدينة والأكثر وجعًا لدى أبنائها. بأداء ساخر، وبأسلوب يحاكي الواقع فعلًا، وبالغناء: "عقار عقار عقار.. والطابو مش بالدار.. والدفع بالدولار"، حدثنا المسرحيون الشباب عن تسريب العقارات للمستوطنين، وعن ارتفاع أسعارها بيعًا وتأجيرًا، وعن تفضيل أصحابها المستأجرَ الأجنبي على الفلسطيني.
ومسرح البسطة هو مسرح شبابي فلسطيني مستقل، انطلق في نهاية العام 2015 بمبادرة من خمسة شباب فلسطينيين من القدس، وقدم حتى الآن ما يقارب 10 عروض مختلفة. يتخذ مسرح البسطة من الشارع حيزًا له، ومن الناس في الشارع جمهورًا متفاعلًا ومؤثرًا على المحتوى.
يقول الفريق عن علاقته بالشارع، وعن اختياره حيزًا لعروضه: "الشارع انطلاقتنا وملقانا، نحتل شوارعنا ونحررها، بالمسرح نواجه سلطات الحواجز والتهميش، بالفن ننتصر لمن يشبهنا". حسام غوشة، أحد الأعضاء المؤسسين في المسرح، يقول عن ذلك بأنهم يرون فيه وسيلة لإخراج المسرح من حدود الإنتاج التقليدية داخل المسارح والقاعات، وتقريبه للناس في الشّارع، وجعل الفن المسرحي مظهرًا شعبيًا غير نخبويّ.
وتتضح هذه الفلسفة من خلال الاسم الذي اتخذه هؤلاء الشباب لمسرحهم، إذ يقول غوشة إن لاختيار اسم "البسطة" صلة بثقافة الشارع الفلسطيني والمقدسي على وجه الخصوص. هنا يتحدث غوشة عن الحضور المميز للبسطات التجارية في شوارع القدس، باعتبارها جزءا أساسيا من المشهد المقدسي، وحيزاً قريباً من الناس. يقول: "البسطة تعني الشارع، تعني عرض الشيء أمام الناس، والبسطة تكون حيث يكون الناس، اخترنا هذا الاسم لأننا نريد لمسرحنا أن يكون قريبا من الناس ومنطلقًا من همومهم". عدا عن ذلك يربط غوشة الاسم بالتاريخ السياسي للبسطة، فحسب ما يقول كانت بعض مناشير الانتفاضة الأولى توّزع من خلال بسطات الشوارع.
ويجمع مسرح البسطة شبابًا من مختلف القطاعات، فهم ليسوا مسرحيين محترفين، إنما هواة ومحبون للفن يجدون في المسرح وسيلة للتعبير عن أنفسهم وعن هموم الشارع. يقول غوشة بأن هذا التشكيل المتنوع للفريق هو جزء من سمات الشكل المسرحي التراثي الذي تعود عليه العرب شعبيًا. ويربط غوشة مسرح البسطة بتاريخ قديم لفنون الفرجة الشعبية التي كانت تتخد من الشارع والمقاهي حيزًا لها، وتخاطب جميع الفئات، ومنها الحكواتي والكراكوز.
ويقوم الفريق بعرض مسرحياته بالاستعانة بعربة صغيرة تشبه البسطة يغيّرون في تزيينها وكمالياتها بما يتناسب مع العرض ومحتواه. إلا أن لافتة واحدة تبقى ثابتة فوق هذه العربة تحمل عنوان "القدس – دمشق". يقول غوشة إن هذا الاختيار هو رسالة سياسية بقالب فنيّ، وذلك في محاولة للقول: "إننا شعب واحد، قبل التقسيم الاستعماري، وقبل الحدود، القدس هي جزء من بلاد الشّام، ودمشق هي حاضرة هذه البلاد، كما أن أهم باب من أبواب القدس القديمة باب العامود يُسمى كذلك باب دمشق".
وعن نصوص المسرح وعروضه، يقول غوشة إن النصوص تكتب بشكل جماعي من أعضاء الفريق، بينما يتولى هو مسؤولية الإشراف الفني ومراعاة الرؤية الإخراجية للنص بحكم خبرته في هذا المجال. ويشدد على أن الكثير من العبارات في النصوص يتم استلهامها من حوارات الشّارع ونقاشات الناس اليومية.
عدا عن ذلك، فإن العروض نفسها تتجاوب مع ما يجري في الشارع الفلسطيني وتتفاعل معه. على سبيل المثال، انضم فريق مسرح البسطة إلى اعتصام نظم في رام الله في يوم الأسير الفلسطيني وقدّم عرضًا بعنوان "بسطة ملح" في إشارة إلى الأسرى المضربين عن الطعام. كما نظم الفريق عرضًا بعنوان "بسطة فراولة" بعد استشهاد الشاب سليمان شاهين والذي كان يبيع الفراولة في سوق رام الله. أما في القدس فقد أدى الفريق في سوق الدباغة عرضًا تطرق إلى قضية احتجاز سلطات الاحتلال لجثامين الشهداء.
وكما يذهب مسرح البسطة إلى حيث يذهب الناس، فإنه يحاول كذلك جذبهم إلى حيث يهدد وجودهم. فقد اختار الفريق أن يكون سوق الخواجات في البلدة القديمة مكانًا لعروضهم خلال شهر رمضان، وذلك لأنه سوق مهجور منذ بضع سنوات، أغلق أغلب تجاره أبوابهم بسبب قلة النشاط التّجاري. وهو سوق قديمة عرفت بتجارة الأقمشة والصاغة، ولكنها تراجعت في العشرين سنة الأخيرة، كما تأثرت معظم أسواق القدس التاريخية.
وعن مواضيعه التالية خلال رمضان، يخبرنا غوشة عن عرض يتناول بالسخرية السوداء موضوع التكريم وتقديم الدروع الذي يحدث بين الحين والآخر في مدينة القدس وغيرها من المدن الفلسطينية، إذ يتم تحويل العطاء المجتمعي إلى مناسبة احتفالية توزع فيها الدروع والشهادات، دون سؤال حقيقي عن طبيعة ذلك العطاء وشكله. كما سيتناول الفريق في عرض آخر مسألة اختلاف الأوراق الرسمية التي يحملها الفلسطينيون على اختلاف أماكن وجودهم، وتأثيرات ذلك عليهم اجتماعيًا وسياسيًا.
المساهمون