"زحف": فيلم كوارث ممتاز رغم تقليديته

06 سبتمبر 2019
ألكسندر آجا جالساً أمام ملصق "زحف" (فيسبوك)
+ الخط -
من المفاجآت السعيدة في صيف 2019، فيلم "زحف (Crawl)"، الذي أنجزه الفرنسي ألكسندر آجا هذا العام. ميزانية الفيلم منخفضة، فهي لم تتجاوز 13 مليونًا ونصف مليون دولار أميركي. مخرجه سينمائيٌ يصنع أفلام رعب من الدرجة الثانية. عروضه الدعائية كشفت أنّه مجرّد تكرار مملّ لأفلام كوارث طبيعية تُنتجها السينما الأميركية، كأنّه نسخة أحدث من "تويستر" (1996) ليان دو بونت، عن إعصار يضرب إحدى الولايات الأميركية. 

رغم أنّ Crawl يستخدم فعليًا البناء والتفاصيل نفسها، المعتادة في أفلام كوارث كهذه، إلا أنّه منفّذ بجودة عالية، أقرب إلى "الفكّ المفترس (Jaws)"، الذي أنجزه ستيفن سبيلبيرغ عام 1975، منه إلى أي فيلم آخر.

الحبكة بسيطة جدًا: تشعر السبّاحة هالي بالقلق، إزاء عدم ردّ والدها على الهاتف، أثناء وقوع إعصار عنيف، فتذهب إلى بيته في فلوريدا للاطمئنان عليه. بعد رحلة بحث، تجده مغميًا عليه في قبو منزلهما القديم. ومع محاولتها الخروج، تُفاجأ بأنّ ما تقاومه ليس إعصارًا فقط، بل تماسيح مفترسة أيضًا، ظهرت مع ارتفاع منسوب المياه، بحثًا عن وليمة.

مميزات كثيرة تسم فيلم آجا:
أوّلاً، إنّه قصير (87 دقيقة)، أي أن لا مَطّ ولا تطويل ولا منطق في حبكته البسيطة.

ثانيًا، إنّه يُركّز على وحدتي الزمان والمكان، والشخصيات أيضًا. أب وابنة عالقان في منزل، يحاولان الخروج، ومدّة الأحداث تتمثّل في الزمن الحقيقي. بالتالي، هناك تورّط تلقائي معهما، علمًا أنّ الأشخاص الآخرين يظهرون عبر عيونهما وما حولهما. هذا البعد الإنساني في الكارثة يملك فاعلية وتأثيرًا كبيرين، بعيدًا عن الإبهار والضخامة المُبالغ بهما، في أفلام هوليوود الأعلى كلفةً، في النوع نفسه.


ثالثًا، إنّ التماسيح مُرعبة فعلاً. ظهورها الأول يُحدث رهبةً، خصوصًا أنّها "خصم غير معتاد" في أفلام الكوارث. فيلم ألكسندر آجا يستفيد من هذا تمامًا، لخلق مشاهد رعب وإثارة، تحدث في مكان وإطار ضيّقين للغاية. كما أنّ الفيلم يتأثّر، إيجابيًا، بكلاسيكية "الفك المفترس" لسبيلبيرغ، في تصوير مشاهد الفتك الدموي، ولحظات الترقّب المشدودة قبلها.

السيناريو ذكيٌّ للغاية، في فيلم من هذا النوع، إذْ يزيد منسوب الخطر تدريجيًا مع تقدّم العمل إلى الأمام، عبر الوسائل المتاحة كلّها. بدايةً، هناك قبو، ثم تمساح واحد، ثم تمساحان. بعد ذلك، يرتفع منسوب المياه، ما يُعرّض الأب والابنة لخطر من اثنين: الغرق أو الافتراس. مع ارتفاع منسوب المياه، وازدياد عدد التماسيح والأشخاص المفترسين، الذين يظهرون من خلال منظور الابنة في المنزل، يتغيّر التصوير في مشاهد عديدة، بشكل فعّال، ليأخذ منظور التماسيح نفسها، كأنّ المكان أصبح ملكًا لها، بعد سيطرتها على كلّ شيء، وهذا مثيرٌ جدًا للرهبة عند حدوثه في النصف الثاني من الفيلم.

شيء آخر يُمكن وصفه بالذكيّ في السيناريو: الحبكة الدرامية المبسّطة، التي يعتمد عليها في سرده علاقة الأب بالابنة، وربطها بالسباحة. ذات مرة، قال ألفريد هيتشكوك إنّه من المهم الاستفادة من كلّ شيء في الفيلم، حتّى من مهنة البطل. هالي سبّاحة، ووالدها دايف مدرّبها قديمًا، وعلاقتهما مرتبكة بشكل أو بآخر. لذا، فإنّ المواجهة المرعبة للتماسيح، خلال ساعة واحدة، تؤثّر فيهما للغاية، ومن دون أي مَطّ درامي لا داعي له، في فيلم ينتمي إلى أفلام الكوارث.

مع اللقطة الأخيرة (النجاة)، هناك شعورٌ بأنّ الأمور ستتغيّر حتمًا.
دلالات
المساهمون