02 أكتوبر 2024
مبادرة سورية الاتحادية .. المعارضة وميتافيزيقا السياسة
أطلق مثقفون سوريون ممن يمارسون العمل السياسي، من دون أن يمتهنوه، مبادرة من أجل جمهورية سورية اتحادية، تهدف إلى الإعلان الفوري عن قيام "الجمهورية السورية الاتحادية"، من دون انتظار السقوط الحتمي القادم للأسد. وتقوم هذه الجمهورية على توزيع إداري يأخذ بالاعتبار الوقائع الجغرافية والثقافية والاقتصادية، بعيداً عن التمييز القومي والطائفي، ومراعاة خصوصية المكونات القومية. وتتكوّن الدولة الاتحادية من ستة أقاليم، الشمالي والأوسط والجنوبي والشرقي والغربي، وإقليم يضم دمشق الكبرى".
ولم تمض أيام على إصدار المبادرة، حتى قوبلت بنقد حاد من "هيئة القانونيين السوريين" التي وجدت في المبادرة الاتحادية سبيلا إلى تقسيم سورية، وإعطاء فرصة لنظام الأسد والأحزاب والجهات الانفصالية لإنجاز مخططهم بتقطيع أوصال البلد، بحيث يكون لكل حي أو مدينة دويلة أو إمارة، وفق العرق أو اللون أو الدين والمعتقد أو الجماعة، بعيدا عن الوطنية والمواطنة. واعتبر المرصد السوري لحقوق الإنسان المبادرة الاتحادية دعوة صريحة إلى الفيدرالية السياسية من جهة، أو تقسيم سورية كونفيدراليا على أقل تقدير، في خطوةٍ غريبة ومفاجئة، لم تجرؤ على طرحها حتى "قوات سوريا الديمقراطية" التي تراجعت عن فكرة الفيدرالية، بعد فشل مشروع روج آفا والتحول إلى الإدارة الذاتية.
لن تدخل هذه المقالة في التعليق على هذا النقد الموجه للمبادرة، لأن المسألة في جوهرها لا تتعلق بإيجابيات المبادرة الاتحادية وسلبياتها، بقدر ما تتعلق بعدم قدرة شخصيات كثيرة في المعارضة،
ممن جعلتهم الظروف في واجهة العمل السياسي، على إدراك حقيقة المأزق السوري ومأزق المعارضة بالتحديد. وتعكس مثل هذه المبادرات بالضرورة الأزمة الفكرية والسياسية لشخصياتٍ تنظر إلى السياسة من خلال بناء ميتافيزيقي، لا علاقة له بالواقع الممكن. ولم تدرك مثل هذه الشخصيات التي يمكن تعميمها تقريبا على كامل المعارضة السورية أن انهيار العمل السياسي والعسكري المعارض لا يعود إلى عنف النظام فقط، بل بسبب سلوك المعارضة ذاتها منذ بداية الثورة.
ثمّة ثلاثة أسباب وراء انهيار المعارضة وتراجعها، وعدم تحولها إلى قوة سياسية وعسكرية، قادرة على فرض أجندتها: عسكرة الثورة، والبعد الإسلامي الراديكالي في الثورة وغياب الآليات الديمقراطية في مؤسسات المعارضة. وبما أن العسكرة وأسلمة الثورة أصبحتا من الماضي، ولا يمكن العودة بالتاريخ إلى الوراء، فلم يبق سوى البعد الديمقراطي، وهذا هو البعد الذي كان يجب التركيز عليه، فبدلا من طرح مبادراتٍ لا إمكانية لانتقالها من القوة إلى الفعل، كان يجب طرح مبادرات ديمقراطية تعيد إنتاج الشارع والنخب الثورية، عبر عملياتٍ انتخابية تبدأ من الأسفل وتنتهي في الأعلى، من انتخاباتٍ محلية منظمة انتقالا إلى انتخابات للجسم السياسي المعارض.
ولا يختلف الشكل الحالي لائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية عن شكل حكم النظام، فكلاهما محكوم بأوليغارشية سياسية ـ اقتصادية، والانتخابات التي تجري في الائتلاف ليست سوى عملية محصورة بالقلة، تعبر عن مصالح النخبة ومصالح العواصم الإقليمية والدولية، وليس لها علاقة بمصلحة القاعدة الشعبية المعارضة. ولو كان ثمة عملية ديمقراطية لدى المعارضة منذ سنوات، لاستطاعت أن تشكل حالة سياسية متطوّرة، وجسما اجتماعيا سياسيا متماسكا، قادرا على فرض
نفسه أمام المجتمع الدولي، بدلا من جسم سياسي مهمته ممارسة الدبلوماسية وفق ما ترتضيه موازين القوى الإقليمية والدولية. وقد كان غياب البنى الديمقراطية لدى المعارضة سببا رئيسا في تشرذمها وتحولها إلى معارضاتٍ مختلفة، تتوزع في عواصم مختلفة، وكان سببا في نشوء تيارين أساسيين: جنيف وأستانة، لكل منهما رؤاه وأهدافه الشخصية على حساب الأهداف العامة.
عدم اهتمام المجتمع الدولي بالمعارضة السورية راجعٌ، بالدرجة الأولى، إلى فقدانها الأساس الديمقراطي، فمؤسساتها ليست سوى إعادة إنتاج لمؤسسات النظام، إن لم يكن أسوأ، فالنظام يمارس السياسة في إطار فن الممكن، ويلعب على التناقضات المحلية والإقليمية والدولية، ويمارس سياسات حافّة الهاوية، واللعب على الوقت، أما المعارضة فقد كشفت عن رعونتها ومراهقتها السياسية والفكرية، وتحولت إلى ألعوبةٍ بيد الدول.
كان أحرى بمطلقي مبادرة سورية الاتحادية أن يطلقوا مبادرة ديمقراطية في الجسم المعارض، من أجل بناء مؤسسات ديمقراطية حقيقية تفرض سطوتها وأجندتها على المجتمع الدولي، فغياب هذه المبادرة إلى الآن دليل على أن الديمقراطية لم تتحوّل بعد إلى ثقافةٍ تخترق الوعي الفردي، وتخترق النسيج الاجتماعي والسياسي السوري، ودليلٌ على عدم إدراك هذه الشخصيات السبل الكفيلة في تحقيق المطالب السياسية المحقة. ومن دون أساس ديمقراطي قانوني للجسم السياسي المعارض، ستبقى المعارضة السورية خاضعةً لحسابات المصالح الدولية، لا لحسابات مصالح القاعدة الشعبية المعارضة.
لن تدخل هذه المقالة في التعليق على هذا النقد الموجه للمبادرة، لأن المسألة في جوهرها لا تتعلق بإيجابيات المبادرة الاتحادية وسلبياتها، بقدر ما تتعلق بعدم قدرة شخصيات كثيرة في المعارضة،
ثمّة ثلاثة أسباب وراء انهيار المعارضة وتراجعها، وعدم تحولها إلى قوة سياسية وعسكرية، قادرة على فرض أجندتها: عسكرة الثورة، والبعد الإسلامي الراديكالي في الثورة وغياب الآليات الديمقراطية في مؤسسات المعارضة. وبما أن العسكرة وأسلمة الثورة أصبحتا من الماضي، ولا يمكن العودة بالتاريخ إلى الوراء، فلم يبق سوى البعد الديمقراطي، وهذا هو البعد الذي كان يجب التركيز عليه، فبدلا من طرح مبادراتٍ لا إمكانية لانتقالها من القوة إلى الفعل، كان يجب طرح مبادرات ديمقراطية تعيد إنتاج الشارع والنخب الثورية، عبر عملياتٍ انتخابية تبدأ من الأسفل وتنتهي في الأعلى، من انتخاباتٍ محلية منظمة انتقالا إلى انتخابات للجسم السياسي المعارض.
ولا يختلف الشكل الحالي لائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية عن شكل حكم النظام، فكلاهما محكوم بأوليغارشية سياسية ـ اقتصادية، والانتخابات التي تجري في الائتلاف ليست سوى عملية محصورة بالقلة، تعبر عن مصالح النخبة ومصالح العواصم الإقليمية والدولية، وليس لها علاقة بمصلحة القاعدة الشعبية المعارضة. ولو كان ثمة عملية ديمقراطية لدى المعارضة منذ سنوات، لاستطاعت أن تشكل حالة سياسية متطوّرة، وجسما اجتماعيا سياسيا متماسكا، قادرا على فرض
عدم اهتمام المجتمع الدولي بالمعارضة السورية راجعٌ، بالدرجة الأولى، إلى فقدانها الأساس الديمقراطي، فمؤسساتها ليست سوى إعادة إنتاج لمؤسسات النظام، إن لم يكن أسوأ، فالنظام يمارس السياسة في إطار فن الممكن، ويلعب على التناقضات المحلية والإقليمية والدولية، ويمارس سياسات حافّة الهاوية، واللعب على الوقت، أما المعارضة فقد كشفت عن رعونتها ومراهقتها السياسية والفكرية، وتحولت إلى ألعوبةٍ بيد الدول.
كان أحرى بمطلقي مبادرة سورية الاتحادية أن يطلقوا مبادرة ديمقراطية في الجسم المعارض، من أجل بناء مؤسسات ديمقراطية حقيقية تفرض سطوتها وأجندتها على المجتمع الدولي، فغياب هذه المبادرة إلى الآن دليل على أن الديمقراطية لم تتحوّل بعد إلى ثقافةٍ تخترق الوعي الفردي، وتخترق النسيج الاجتماعي والسياسي السوري، ودليلٌ على عدم إدراك هذه الشخصيات السبل الكفيلة في تحقيق المطالب السياسية المحقة. ومن دون أساس ديمقراطي قانوني للجسم السياسي المعارض، ستبقى المعارضة السورية خاضعةً لحسابات المصالح الدولية، لا لحسابات مصالح القاعدة الشعبية المعارضة.