إنذار عسكري تركي لروسيا: تبادل رسائل في الميدان شمالي سورية

03 فبراير 2020
عزّزت القوات التركية وجودها بكثافة (عارف وتد/فرانس برس)
+ الخط -


على وقع استمرار قصف القوات الروسية وقوات النظام السوري، بلدات وقرى الشمال الغربي من سورية، في مؤشر واضح على مضيّهما في طريق الحسم العسكري في محافظة إدلب وريفي حلب الجنوبي والغربي، ارتفع منسوب التوتر بين الروس والأتراك، وتُرجم ميدانياً بقصف روسي محدود لمدينة الباب للمرة الأولى من جهة، وإرسال القوات التركية تعزيزات عسكرية وصفت بالأضخم إلى إدلب وحلب، ما عد بمثابة إنذار عسكري من أنقرة لموسكو بضرورة وقف التصعيد وعدم التقدم على نحو خاص باتجاه سراقب في إدلب، تفادياً لتكرار سيناريو معرة النعمان. وأكدت مصادر رسمية تركية لـ"العربي الجديد" صحة إرسال التعزيزات العسكرية، مشيرةً إلى أن الحكومة "اتخذت قراراً بإنشاء مواقع دفاعية هجومية على الطرق الدولية دمشق-حلب- اللاذقية، المعروفة بـ(إم4)، و(إم5)"، وذلك فيما كان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد أفاد بتداول معلومات عن إعلان أوتستراد حلب – اللاذقية المعروف بـ"إم 4" منطقة عسكرية من قبل القوات التركية. وأشارت مصادر ميدانية تركية تحدثت مع "العربي الجديد" إلى أن "نقاط المراقبة التركية الموجودة في المنطقة على الطرق الدولية، لم تكن تمتلك القدرة الكافية، نظراً لحجمها وعتادها، على الرد على أي تقدم للنظام، لكن التعزيزات التي جرت خلال الأيام السابقة، رفعت من قدرة تركيا على الرد عسكرياً".

وبحسب المصادر فإن ما يتم في المنطقة حالياً بين موسكو وأنقرة هو نوع من "التفاوض التركي الروسي الميداني، ويأتي من باب تقوية يد تركيا في المفاوضات المقبلة، وإجبار الروس على العودة لطاولة المفاوضات، خصوصاً أن خطوات أنقرة تأتي عقب الإعلان عن فشل مفاوضات منع تقدم النظام في إدلب، ونعي مسار أستانة، ومقررات اجتماع مجلس الأمن القومي التركي قبل أيام الذي أكد على اتخاذ إجراءات أوسع لحماية المدنيين في إدلب". كذلك وضعت المصادر ما يجري في إطار خطوات "الرد على ما تعتبره تركيا الخدعة الروسية في إدلب". ولفتت المصادر إلى أن "تركيا تعتقد أن الهدف الروسي هو تفريغ المنطقة بشكل ممنهج باتجاه الحدود التركية، بل وإجبار النازحين على تجاوز الحدود، وهو ما دفع أنقرة إلى اتخاذ القرار بمنع عبور قوات النظام لغرب الطرق الدولية، وتشكيل ما يشبه منطقة آمنة (عسكرية) عريضة واسعة في المنطقة". وبدأ الأتراك منذ أيام باستقدام تعزيزات عسكرية، خصوصاً في محيط مدينة سراقب، فاستقدموا، يوم السبت، معدات لوجستية وعسكرية مؤلفة من دبابات ومصفحات ونحو 20 جندياً، إلى مدخل قرية كفرعميم الواقعة شرق بلدة سراقب، حيث يقوم الجيش التركي بإنشاء نقطة عسكرية جديدة، ضمن ما يُعرف بطريق أبو الضهور سراقب. كما أرسل الجيش التركي، أمس الأحد، تعزيزات عسكرية جديدة إلى وحداته المنتشرة على الحدود مع سورية. وتحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس عن ارتفاع تعداد الشاحنات وآليات العسكرية من دبابات وناقلات جند ومدرعات التي دخلت الأراضي السورية منذ صباح أمس إلى 195. ووفق مصادر مطلعة، عاود الجانب التركي أيضاً دعم الفصائل السورية المسلحة من أجل تعديل موازين السيطرة في الشمال الغربي، مشيرة إلى أن الهجوم على مدينة حلب، وعلى بلدة تادف في ريف حلب الشمالي الشرقي يوم السبت، كان "رسالة" للجانب الروسي.

وفي مؤشر على تبادل الرسائل في الميدان بين تركيا وروسيا، نوّه المرصد إلى أن الطيران الروسي استهدف محيط الرتل التركي بالقرب من قرية كفرحلب بريف حلب الجنوبي الغربي، أثناء مروره في المنطقة. كما تعرّض مركز مدينة الباب في ريف محافظة حلب، الواقعة ضمن مناطق "درع الفرات" التركية، لقصف الطيران الروسي. وبحسب مركز رصد الطيران التابع للمعارضة السورية، فإن القصف جرى في تمام الساعة 1.30 فجر أمس الأحد، بالتوقيت المحلي السوري. وأوضح المركز أن المقاتلة الروسية التي نفّذت القصف، أقلعت من قاعدة حميميم، مشيراً إلى أن القصف الروسي طاول 3 نقاط داخل مركز مدينة الباب، وأسفر عن إصابة مدني. وانتقل التوتر بين الروس والأتراك إلى منطقة شرقي نهر الفرات، مع إغلاق القوات الروسية الموجودة شمال شرقي سورية، السبت، معبراً تستخدمه القوات التركية في ريف الحسكة. وأفادت مصادر لـ"العربي الجديد" بأن رافعات تابعة للقوات الروسية استقدمت سواتر إسمنتية وأغلقت بها المعبر الواصل بين الدرباسية وعامودا عند قرية الخرزة على الحدود السورية - التركية.



وأوضحت أن القوات التركية كانت تستخدم المعبر ووضعت له بوابة حديدية، لكنها لم تعد تستخدمه منذ بدء التوتر بين الطرفين شمالي سورية، فيما لم يصدر أي رد فعل عن القوات التركية. في هذه الأثناء، كشفت مصادر محلية أن قوات النظام سيطرت، أمس الأحد، على بلدة زيتان في ريف حلب الجنوبي، إثر اشتباكات مع الفصائل المسلحة، الساعية إلى صدّ هجوم قوات النظام نحو قريتي الحميرة وخلصة، بغية منعها من التقدم نحو بلدة الزربة، أبرز مواقع الفصائل في ريف حلب الجنوبي. وأفادت وكالة "إباء" التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، بأن الأخيرة صدّت أكثر من 10 محاولات تقدم لقوات النظام والمليشيات الإيرانية على جبهة خلصة بريف حلب الجنوبي، مساء السبت. بيد أن مصادر عسكرية أخرى أكدت أن اشتباكات دارت بين الفصائل المسلحة وقوات النظام داخل بلدة الزنتان، مشيرة إلى أن الأخيرة لم تسيطر بالكامل على البلدة. وفي ريف إدلب، وقعت اشتباكات وُصفت بـ"العنيفة" بين الفصائل المسلحة وقوات النظام على محور بلدة حاس بريف إدلب الجنوبي، بالتزامن مع قصف جوي روسي أدى إلى مقتل 9 مدنيين في ريفي إدلب وحلب.

وذكرت مصادر محلية أن الطيران الحربي الروسي والتابع لقوات النظام استهدف بعشرات الصواريخ الأحياء السكنية لبلدة النيرب بريف إدلب الشرقي، أمس، ما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين، بينهم طفلان، في حصيلة أولية. وفي السياق؛ قصف الطيران الحربي التابع لقوات النظام بالصواريخ الفراغية مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي، كما قصفت الطائرات المروحية بالبراميل المتفجرة محيط بلدة البارة في ريف إدلب الجنوبي. وفي منتصف ليل السبت - الأحد، تقدمت قوات النظام في محور الريف الشرقي الأوسط من إدلب، وسيطرت على قريتي كفربطيخ وداديخ، في طريق تقدمها نحو مدينة سراقب الواقعة على تقاطع الطريقين الدوليين "أم 5" و"أم 4"، بعد اشتباكات مع الفصائل المعارضة. وذكرت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن قوات النظام سيطرت على البلدتين تحت غطاء جوي ومدفعي مكثف من قبل سلاح الجو الروسي، لافتة إلى أن القوات المهاجمة تحاول التقدم باتجاه قريتي تل مرديخ ولوف.

من جانبها، ذكرت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام أن قواته أحرزت تقدماً جديداً في ريف حلب الجنوبي وريفي إدلب الجنوبي والشرقي، مسيطرة على عدد من البلدات ومقتربة أكثر من مدينة سراقب على طريق عام حماة حلب، الهدف المشروع والمنشود في الوقت الراهن، وفق الصحيفة. وكانت قوات النظام تعرضت، السبت، لهزيمة في أطراف مدينة حلب الغربية وتكبدت خسائر كبرى، في مقابل انسحاب فصائل المعارضة، مساء السبت، من حي جمعية الزهراء بعد توغلها فيه، عقب تفجير مفخخات عدة في مبانٍ كانت تتحصّن فيها قوات النظام ومليشيات محسوبة على إيران. وأفاد مصدر في الفصائل بأن الهجوم أسفر عن مقتل حوالي 70 عنصراً من قوات النظام، من بينهم ضابط برتبة عميد، بالإضافة إلى خمسة عناصر من القوات الخاصة الروسية المشاركة في المعارك، مؤكداً تدمير عدد من الآليات من بينها دبابات وعربات مصفحة، واغتنام أسلحة أخرى.

بدوره، نقل موقع "سمارت" الإخباري المعارض، أمس، عن مصدرين طبيين في المستشفى الوطني في مدينة حماة وسط سورية، قولهما إن أكثر من 300 قتيل وجريح من قوات النظام وصلوا إلى المستشفى، نتيجة المعارك في محافظتي إدلب وحلب. وأضاف المصدران أن من بين الجرحى جنودا روسيين، من دون تحديد أعدادهم، مشيرين إلى أن إصابات الجرحى تراوحت بين المتوسطة والخطيرة، كما يوجد حالات بتر أطراف. ولفتا إلى أن قوات النظام حوّلت المستشفى إلى مركز عسكري، وأعطت تعليمات لإدارته بعدم استقبال أي حالة مدنية. على الصعيد الإنساني، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، أول من أمس السبت، إن أكثر من 6500 طفل أجبروا على الفرار يوميا في شمالي غرب سورية، خلال الأسبوع الماضي. وأضافت المنظمة "أن الأزمة تعرقل جهود حماية الطفل بشكل غير مسبوق"، لافتة إلى أن إجمالي عدد الأطفال النازحين تجاوز الـ300 ألف طفل، منذ مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي. وقدّرت اليونيسف أن 1.2 مليون طفل في حاجة ملحّة للغذاء والماء والدواء في الشمال الغربي من سورية. وذكرت المنظمة أن الأطفال يدفعون الثمن الأغلى نتيجة هذه الأزمة، فخلال العام الماضي قُتل 900 طفل، أكثر من 75 في المائة منهم كانوا في الشمال الغربي، وسجلت إدلب العدد الأكبر من القتلى والجرحى في صفوف الأطفال. ودعت اليونيسف جميع الأطراف إلى الوقف الفوري للقتال، وإيصال المساعدات الإنسانية الضرورية وبلا عقبات إلى كل طفل محتاج.