سافرتم أخيراً إلى إقليم بدخشان مع الرئيس الأفغاني أِشرف غني، وهو أحد الأقاليم المتضررة جراء الحرب، ولا يزال يعاني من المواجهات بين "طالبان" والقوات الأفغانية. كيف تقيّمون الوضع الأمني بشكل عام في أفغانستان؟
كما تعرفون، الحرب في أفغانستان فُرضت علينا وعلى الشعب الأفغاني. لقد سافرنا إلى إقليم بدخشان بمناسبة يوم دخول القوات الروسية إلى أفغانستان، وتلك هي بداية الويل الذي نعيشه وندفع أثمانه الباهظة. ذهبنا إلى هناك كي نقيّم الوضع هناك ونرى الأمور من قرب. الوضع الحالي امتداد لذلك الحدث الكبير. لكن اليوم باتت القوات الأفغانية تتولى مسؤولية الدفاع والحماية بنسبة 96 في المائة، وبالتالي نحتاج إلى القوات الدولية والأميركية في مجالات قليلة جداً، ربما بنسبة أربعة في المائة، ما يشير إلى أن الوضع في تحسن، والقوات الأفغانية انتقلت من موقع الدفاع إلى الهجوم، وهي قادرة على الدفاع والتصدي لأي جماعة، وفعلاً هي استولت على مناطق كانت في قبضة "طالبان" و"داعش". أعطيكم مثالاً، أن في سورية والعراق دفع المجتمع الدولي أموالاً طائلة من أجل القضاء على تنظيم "داعش"، وفي أفغانستان ألقت الولايات المتحدة "أم القنابل" على التنظيم في الشرق، ولكنها لم تقضِ عليه، غير أننا استطعنا بفضل مساعدة القبائل أن نقضي عليه في معقله الرئيسي بإقليم ننجرهار خلال أيام. وأشيد بدور القوات المسلحة كما بدور القبائل، التي بدأت تعمل وتسعى من أجل تطهير مناطقها من وجود المسلحين لأنها تعبت، بالتالي الوضع نحو التحسن، والأمور تتغيّر بسرعة فائقة.
تحدثتم عن القبائل ودورها، هي قدّمت الكثير في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 28 سبتمبر/ أيلول الماضي وخرجت للمشاركة فيها على الرغم من التهديدات، وأعلنت السلطات النتيجة الأولية، وبموجبها فاز غني. ما تعليقكم على ذلك؟ وهل تتوقعون أن تكون هذه النتيجة نهائية؟
أشيد بدور الشعب والقبائل التي شاركت في عملية الانتخابات، على الرغم من المخاطر والتهديدات. هذه الانتخابات اختلفت كثيراً عن التي سبقتها. فقبيل الانتخابات الحالية أطلقت حملات مكثفة ضدها، من أجل إرجاء العملية تحت مسميات مختلفة، تارة أن الميزانية لها غير متوافرة، وتارة أن الحكومة غير مصممة على إجرائها، وتارة أخرى أن الانتخابات ستخلق عقبة في وجه المصالحة، وكل ذلك من أجل عرقلة هذا الاستحقاق وكي لا يشارك المواطنون فيها. وكان أبرز السياسيين يروجون لذلك ويقاطعون عملية الانتخابات. حتى المرشحون للرئاسة، عدا الرئيس الأفغاني، ما كانوا يعتقدون أن الانتخابات ستُجرى، لذا كانت الحملة ضعيفة. كذلك، أطلقت بعض الوجوه السياسية، وتحديداً رموز حكومة الرئيس السابق حامد كرزاي، حملة على الانتخابات، وكانت دول الجوار تعمل من أجل ذلك. بل أقول إن المبعوث الأميركي الخاص للمصالحة زلماي خليل زاد، قال لبعض السياسيين فردياً إن الانتخابات لن تُجرى، وإن عملية المصالحة ستمضي إلى الأمام. ومعلوم أن الشعب الأفغاني كان يتطلع إلى نجاح جهود المصالحة، وبالتالي كان لهذه الدعايات أثر على الانتخابات. مع كل ذلك، كانت الحكومة مصممة على المضي قدماً لإجراء الانتخابات، وتعمل على المصالحة. وهذا الاستحقاق كان نزيهاً وجيداً على الرغم من انخفاض عدد المشاركين، وأتوقع أن تكون النتيجة النهائية مثل النتيجة الأولية لأن لجنة الانتخابات عملت الكثير ومرت النتيجة بمراحل مختلفة من أجل الوصول إلى إعلانها.
معظم المرشحين رفضوا النتيجة، وفي حال إصرار هؤلاء على موقفهم ووقفوا في وجه الحكومة، هل تخشون من إعادة سيناريو انتخابات 2014؟
اعتراض المرشحين هو حقهم القانوني، والحكومة لن تقف في وجههم إذا ما رفضوا النتيجة، ولكن أقول بكل ثقة إن ذلك السيناريو لن يتكرر، ولن تكون هناك حكومة مشتركة أو حكومة كما في المرة الماضية، نحن نريد أن تكون حكومة شاملة لجميع أطياف الشعب، لكن الرئيس الأفغاني أكد مراراً أن الحكومة المشتركة غير مجدية، ولن تكون مقبولة بأية حال.
إذا كانت النتيجة النهائية في مصلحة الرئيس غني كما تتوقعون، فكيف ستكون حكومته خلال الأعوام الخمسة المقبلة، وكيف ستختلف عن الموجودة؟
مع كوني مستشاراً للرئيس الأفغاني، أوجّه أحياناً انتقادات إلى الحكومة بهدف الإصلاح طبعاً، فالحكومة الموجودة كانت مشتركة بين غني والرئيس التنفيذي عبدالله عبدالله، وتباين وجهات النظر كان يعرقل الكثير. أعطيكم مثلاً، أن الرئيس الأفغاني عيّن خلال الشهرين الأولين من عمر الحكومة المدعي العام، ولكن منافسه كان يعارض ذلك، فتأخر تعيينه لعامين ونصف.
وعمل الرئيس الأفغاني الكثير خلال خمس سنوات مضت، وهناك تقدم أحرز إلى حد كبير في بعض المجالات، فيما كان التقدّم بطيئاً في مجالات أخرى، وغيرها لم يحصل فيها شيء. وبالتالي التركيز سيكون على الأهم، وأرى أن الحكومة المقبلة ستعطي الأولوية لضبط مياه أفغانستان والعمل على المعادن والصناعة وغيرها، وطبعاً المصالحة مع "طالبان" قبل كل ذلك.
ما العقبات في وجه الحكومة المقبلة؟
هناك عقبات كثيرة، وستظل موجودة. أخشى أن في الكثير من الأحيان أعداءنا في الخارج لم ينالوا منا كثيراً في الحرب المباشرة بقدر ما نالوا منا بخلق مشاكل في الداخل. تصور أنه يُصرف سنوياً في الحرب في أفغانستان أربعة مليارات دولار أميركي، وآمل أن تحصل المصالحة كي نصرف هذا المبلغ على إعادة بناء بلدنا ولخدمة الشعب.
بالنسبة إلى المصالحة، ومع كونك مستشاراً للرئيس الأفغاني، فأنت أيضاً أحد رموز القبائل ولديك نفوذ في صفوف الشعب. كيف تعرّف المصالحة؟
المصالحة لنا بمثابة الحياة، الصلح لنا وقف حمام الدم، والحرية، هي الرفاهية في الحياة، هي حياة يملكها غيرنا ونحن نفتقدها، ولكن نتطلع إلى أن يكون الجيل المقبل يتمتع بها. سنعمل بكل جد للوصول إلى مصالحة مع "طالبان" خلال ولاية هذه الحكومة، والمصالحة عندنا ليست إتاحة الفرصة لبعض قيادات المسلحين بالمجيء إلى كابول، بل وقف حمام الدم، وأن يلقي الجميع السلاح، وألا يكون هناك سلاح إلا في يد الجيش. هذه المرة نعمل على ألا تبقى أي جهة خارج عملية المصالحة. أعطيكم مثالاً: لو استطاعت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي جلب "طالبان" والأحزاب الموالية لها والمعارضة لواشنطن إلى مؤتمر بون في عام 2001، وهي وافقت على ما دار هنا، لما حصل ما يجري الآن. لكن المجتمع الدولي لم يفعل ذلك، وبالتالي "طالبان" لجأت إلى الحرب، وهذه هي النتيجة. نحن نعمل على آلية تشمل الجميع من أجل وقف حمام الدم. نريد للمصالحة أن تكون مشروعاً وطنياً من أجل وقف الحرب بشكل كامل.
والمصالحة مع الحزب الإسلامي بزعامة قلب الدين حكمتيار، قد أبرمت، وهو جاء إلى كابول وكان مرشحاً للرئاسة، لكن لوجود ثغرات في الآلية لم يأتِ مسلحو الحزب، بل ما زال السلاح في يدهم، لأن المشروع كانت فيه ثغرات كثيرة، لذا نريد الآن أن تأتي "طالبان" وتنجح المصالحة معها، ولكن بصورة تنهي الحرب.
في الدوحة هناك مفاوضات بين "طالبان" وواشنطن، والحكومة الأفغانية تصرّ على أن لديها إرادة للمصالحة مع الحركة. ما تعليقكم على ذلك؟
نحن نؤيد كل الجهود في هذا الصدد، ثمة اتفاقية استراتيجية بين الولايات المتحدة وأفغانستان، وبموجبها تبقى القوات الأميركية في البلاد، والآن عندما تُوقّع واشنطن اتفاقية المصالحة مع "طالبان" ثمة مشكلة بقاء القوات الأميركية بموجب الاتفاقية مع الحكومة، فخروج هذه القوات سيكون بموجب الاتفاقية مع "طالبان". نحن نقول: دعونا نتحاور نحن و"طالبان" ونصل إلى توافق، وبموجبه تخرج القوات الأميركية من أفغانستان، لأن بقاءها هو بموجب الضرورة، ولا أعتقد أن أي أفغاني يرضى بوجود القوات الأجنبية والأميركية في أفغانستان، ولكن نريد أن تكون علاقتنا مع الجميع علاقة سلم. دعونا أولاً نقضي على المبرر، وهو الحرب، وأن تمضي عملية المصالحة، وأن يكون مشروع المصالحة وطنياً، وكل ذلك سيكون طريقاً لخروج القوات الأجنبية من أفغانستان. لا نريد أن يحدث ذلك على عجلة، خشية الوقوع في أزمة أخرى، ولا بد من الدقة فيها. غير أننا نشدد على أن المصالحة حل نهائي، ولكن ألّا تكون على حساب وحدة الشعب والتعليم والحياة وكل ما يملكه أبناء بلد آمن حر. نحن نأمل توقيع الاتفاقية بين "طالبان" والولايات المتحدة في أسرع وقت، كي يبدأ الحوار بين الحكومة الأفغانية والحركة، ولكننا نصر على وقف إطلاق النار، لأن جهود المصالحة لن تنجح إذا كانت بموازاة تفجيرات وأعمال عنف.
كيف ترى دور الجيران وأميركا في الحرب والصلح في أفغانستان؟
لا شك في أن لدول الجوار دوراً كبيراً، لأنها تموّل جهة ما في الحرب التي تحتاج إلى تمويل ولا يمكن استمرارها من دون مساعدة مالية. ولا شك في أن لدول الجوار دوراً كبيراً في الحرب الأفغانية، ولكن الآن نطمح إلى أن تؤدي هذه الدول دوراً فعالاً في المصالحة، لأن للحرب في بلادنا آثاراً عكسية كبيرة على الوضع في الجوار، وهذا ما لا نرغب فيه. كذلك، الولايات المتحدة دورها ريادي وأساسي، ونحن ندعو إلى الدقة والتحري لكي نصل إلى أمن دائم يقضي على الحرب، لأن هناك تبايناً في المصالح.