العراق: مهلة محدودة لتشكيل الكتلة الكبرى واندفاع لإرضاء الطوائف

23 اغسطس 2018
تواصل إيران محاولاتها لدمج تحالفي العبادي والمالكي(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
لم يبقَ سوى وقت قليل أمام الكتل السياسية العراقية لإعلان الكتلة الكبرى المؤهلة لتشكيل الحكومة، أو الذهاب إلى أزمة دستورية قد تفضي إلى حكومة طوارئ في البلاد، وهو ما يحذر منه المعسكر الشيعي المقرب من إيران، والذي يعتبر أن واشنطن تدفع إلى هذا الخيار في حال لم تولد حكومة على مقاساتها في العراق. ومن المقرر أن يطلب رئيس الجمهورية فؤاد معصوم نهاية الأسبوع المقبل، وفقاً لمصادر في ديوان الرئاسة، التئام البرلمان، على أن يعقد جلسته الأولى خلال 15 يوماً من إعلانه ذلك، وهو ما يعني أن لدى الكتل السياسية فترة قصيرة للاتفاق على التحالف.

وفي سياق المشاورات لتشكيل الكتلة الكبرى، كشفت مصادر عراقية في أربيل وبغداد، لـ"العربي الجديد"، عن مطالبة قيادات سنّية وكردية عراقية بضمانات مكتوبة مقابل التحالف مع أي من المعسكرين الرئيسيين في بغداد، الأول الذي يتزعمه رئيس الوزراء حيدر العبادي ورئيس "التيار الصدري" مقتدى الصدر، والثاني المقرّب من طهران بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ورئيس تحالف "الفتح" هادي العامري.
يأتي ذلك بالتزامن مع هجوم حاد شنّه وزير الدفاع السابق وزعيم كتلة "بيارق الخير" عن مدينة الموصل خالد العبيدي، استهدف قيادات سنّية، فوصفها بالوجوه المزيفة التي كشفتها المفاوضات، وذلك تعليقاً على التقارب بين كتل سنّية ومعسكر المالكي - العامري.

وقال وزير عراقي بارز، لـ"العربي الجديد"، إن عطلة عيد الأضحى لم توقف المباحثات، لكن هناك ما يمكن وصفه بمفاوضات بين زعامات محدودة فقط إلى جانب المبعوث الأميركي لدى التحالف الدولي بريت ماكغورك، وقائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، "لذا فالمعلومات شحيحة"، وفقاً لقوله، موضحاً أن "المعركة في بغداد الآن تكمن في نجاح أي من المعسكرين في جذب ممثلي السنّة والأكراد إليه، من خلال المفاوضات، وللأسف عدنا إلى المربع الأول وهو المحاصصة".

ولفت الوزير إلى أن "السنّة منقسمون في ما بينهم حول نقاط عدة، ففريق يريد محمد الحلبوسي لرئاسة البرلمان، وفريق آخر يريد أسامة النجيفي، وبين الفريقين هناك انقسام بين من يؤيد التحالف مع المالكي، وبين من يسعى للتوجّه نحو معسكر العبادي - الصدر، ولكل طرف وجهة نظره حول مصلحة السنّة في المرحلة المقبلة، فيما الإغراءات التي قدّمها الإيرانيون للسنّة كبيرة جداً".

وأوضح أن "السنّة والأكراد يريدون من اللاعب الأميركي ضمانات مكتوبة على أي اتفاق سيجري، وهناك ما يشبه الاتفاق بين السنّة والأكراد على موقفهم في التحالف مع من يضمن لهم شروطهم"، مضيفاً أن "لدى الكتل السنّية 21 مطلباً رئيسياً قدمتها لكل الأطراف وبعلم أميركي وإيراني، من بينها سحب المليشيات من شمال وغرب العراق (المدن المحررة)، ووضع خطة لإعمارها خلال أربع سنوات، وإعادة النظر بالتمثيل الطائفي داخل المؤسسة العسكرية والأمنية والمؤسسات السيادية الأخرى وفقاً للنسبة السكانية، وإيجاد حل جذري لموضوع المختطفين والمفقودين، وإعادة السكان النازحين إلى منازلهم من دون قيد أو شرط، ومحاكمة المتورطين بانتهاكات إنسانية موثّقة خلال السنوات الماضية، ووقف التغيير الديمغرافي في ديالى وبغداد ومدن أخرى من وسط وجنوب العراق".

وبحسب الوزير نفسه، فإن "للأكراد أيضاً مطالب أساسية، من بينها ما يتعلق بالمادة 140 من الدستور، وملف كركوك والمدن المتنازع عليها، ومرتبات البشمركة، وقانون النفط والغاز، والمنافذ الدولية لإقليم كردستان"، لافتاً إلى أن "هذه الطلبات باتت لدى الفريقين الأميركي والإيراني باعتبارهما لاعبين رئيسيين في الساحة العراقية"، مؤكداً أن "الإيرانيين ما زالوا حتى هذه اللحظة يحاولون إعادة دمج المعسكرين الشيعيين، مستغلين عرقلة التحالفات مع المكوّنين السنّي والكردي، وتجري وساطات كبيرة في هذا المجال حالياً، مع اتهام واشنطن بأنها قد تدفع إلى حكومة طوارئ في حال لم تأتِ الحكومة الجديدة كما تريد".


من جهته، كشف العضو في تحالف "سائرون" بزعامة مقتدى الصدر، أحمد العبيدي، عن رفض المرجع الديني علي السيستاني التدخّل في الصراع الحالي بين القطبين الشيعيين، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن السيستاني "رفض الاصطفاف مع أي من الطرفين المتنافسين، وهناك امتعاض لديه من المفاوضات وطريقة إدارة الأحزاب الشيعية لها والتنافس على المناصب".

أما المستشار الإعلامي للرئيس السابق لإقليم كردستان مسعود البارزاني، كفاح محمود، فأوضح لـ"العربي الجديد"، أن أربيل تتحرك على ضوء البرامج التي تقدّمها التحالفات أو المحاور في بغداد، معلناً أن "الكردستاني لم يحسم أمره بالتحالف مع أي من الطرفين في بغداد، والفاصل هو حقوق الأكراد التي طُرحت في سلة واحدة للوفود التي جاءت من بغداد، ومن أبرزها المادة 140، والموازنة المالية العامة، والمناطق المتنازع عليها، والنفط والغاز".

في غضون ذلك، شنّ وزير الدفاع العراقي السابق خالد العبيدي، هجوماً لاذعاً على قيادات عربية سنّية مختلفة. العبيدي، وهو أحد القيادات السنّية البارزة التي ما زالت متحالفة مع قائمة العبادي، أوضح في بيان نقلته وسائل إعلام عراقية، أن "مفاوضات تشكيل الكتلة الكبرى كشفت حقيقة الوجوه التي كانت تتخفى خلف أقنعة وشعارات مزيفة"، في إشارة إلى رموز وقيادات في تحالف المحور الذي أعلن عن تقاربه مع معسكر نوري المالكي و"الحشد الشعبي"، ومن أبرزها خميس الخنجر وأسامة النجيفي. وقال إن "من كان يحرض العراقيين ويروّج لخطابات الكراهية بينهم، سرعان ما كان يقبض الثمن ممن كان يسميهم الأعداء في الغرف المغلقة"، مضيفاً أن "العراقيين تعلموا الدرس ولن تستطيعوا خداعهم مرة أخرى".

في سياق آخر، اتهم القيادي في تحالف "النصر" الذي يرأسه العبادي، علي السنيد، مليشيات مسلحة مرتبطة بإيران بمحاولة اغتياله في بغداد، معتبراً في مقابلة تلفزيونية، أن هذه المحاولة جاءت بسبب مواقفه الوطنية، ودعمه المتواصل للعبادي. وأشار إلى أن الأحزاب المدعومة من إيران عملت كل ما بوسعها لإفشال "اجتماع فندق بابل"، الذي عُقد الأحد الماضي، معتبراً أن البلاد لا يمكن أن تدار بهذه العقلية لأحزاب وفصائل مسلحة تدين بالولاء لأطراف خارجية.

مقابل ذلك، قال عضو "ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، خالد السراي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن ائتلافه حصل على موافقة شفهية من أحزاب كردية وسنّية على الانضمام إلى الكتلة الكبرى بزعامة المالكي، معلناً أن محور "دولة القانون - الفتح" لديه تفاهمات ناضجة وصلت إلى مراحل متقدّمة، مشيراً إلى أن المباحثات ما زالت قائمة وهناك مسودات يجري بحثها مع تلك الأطراف للاتفاق بشأنها.
لكن هذا الأمر نفاه القيادي الكردي في "التحالف الكردستاني" حمة أمين، مشدداً في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن "أي اتفاق لن يحصل ما لم تكن هناك ورقة مكتوبة ولها ضامن لتنفيذها بعد تشكيل الحكومة"، معتبراً أن الحديث عن حكومة أغلبية وطنية أو شراكة وطنية أو حكومة توافقية "ترف وفلسفة، فالشارع العراقي ينتظر حكومة خدمية تُنهي مهزلة الفساد والكهرباء والخدمات".