وحول طبيعة تلك الخطوة، رجحت المصادر أن تكون ضمن سعي موسكو لتعظيم حجم دورها وتأثيرها في الملف الليبي خلال الأيام القليلة المقبلة، وذلك استباقاً لمفاوضات "حتمية" مع تركيا، على غرار ما حدث في الشمال السوري عندما دخلت إليه القوات التركية، وتوصّلت أنقرة بعد ذلك إلى تفاهمات مع موسكو، على حدّ تعبير المصادر.
من جهتها، قالت مصادر غربية في القاهرة، لـ"العربي الجديد"، إنه في الوقت الذي لم تعلن فيه موسكو بشكل رسمي عن دعمها لحفتر في هجومه ضدّ حكومة الوفاق الوطني في العاصمة طرابلس، المعترف بها دولياً، فإنّ روسيا تسعى لتواجد طويل الأمد في ليبيا، من خلال الشركات الأمنية الخاصة التي تعمل بأشكال مختلفة تحت مظلتها. وتنفي موسكو أي تورّط مباشر لها في الصراع في ليبيا، لكن هؤلاء المرتزقة يعملون تحت سيطرة الأجهزة الأمنية والعسكرية الروسية.
وقالت المصادر إنّ روسيا، وافقت أخيراً، على السماح لعدد من الشركات الأمنية الخاصة بالتوجّه إلى ليبيا للقيام بمهام عسكرية إلى جانب حفتر بخلاف شركة "فاغنر"، موضحةً أنّ تلك المهام من المقرر لها أن تستمرّ حتى مع انتهاء العمليات العسكرية هناك، إذ من المنتظر أن تتولى تلك الشركات تأمين منطقة الهلال النفطي وآبار النفط المنتشرة في الصحراء الليبية، وذلك بعد انتهاء المهمة المقررة للمليشيات السودانية والتشادية الداعمة لحفتر.
وأوضحت المصادر أنّ المسؤولين في دولة الإمارات لعبوا دوراً كبيراً في التوصل لتلك الاتفاقات مع الشركات الأمنية الروسية، عبْر تحمّلهم تمويل تلك التعاقدات إلى حين سيطرة حفتر على زمام الأمور في ليبيا، على أن يتولى هو بعد ذلك عملية التمويل الخاصة بهم.
يذكر أنّ مجموعة "موران"، تعرف أيضاً باسم "الفيلق السلافي"، وهي شركة أمنية خاصة مسجلة في هونغ كونغ باسم عسكريين روسيين سابقين، وهي تضمّ كذلك عسكريين روسيين سابقين من وحدات الاستجابة السريعة الخاصة والقوات المحمولة جواً، وشارك الكثير من منتسبيها في الحرب الأهلية الطاجيكية، والحرب الشيشانية في وقت سابق.
وبدأت الشركة في المشاركة بأعمال أمنية في سورية لصالح النظام هناك وشركات دولية، منذ 2013، عبر تأمين المنشآت النفطية وشركات الطاقة. وكانت مقاطع فيديو وتسريبات كشفت مشاركة عناصر روسية تابعة لشركة "فاغنر" الأمنية، إلى جانب مليشيات حفتر في معركتها ضدّ قوات حكومة الوفاق.
وتعد "فاغنر" واحدة من عدة مجموعات عسكرية خاصة روسية، ظهرت خصوصاً في ساحات القتال في شرق أوكرانيا، عندما أعلنت القوات الموالية لروسيا الحرب ضدّ الحكومة الأوكرانية. وهي تنشط في الأماكن التي لا تستطيع موسكو التدخل فيها رسمياً أو تفضّل ألا تكون في الواجهة. وسبق للأشخاص التابعين لمجموعة "فاغنر" القيام بمهام قتالية في أوكرانيا وسورية، بحسب شهادات لأشخاص تربطهم صلات بالمجموعة.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد وقّع منتصف إبريل/نيسان 2017، تعديلاً تشريعياً على القانون 53 الخاص بالخدمة العسكرية والخدمة الإلزامية في روسيا، يصرّح باستخدام قوات المرتزقة الروسية في العالم كله، ويمهّد الطريق من الناحية القانونية لتوسيع عمليات الجيش الروسي مع الشركات العسكرية الخاصة.
يأتي ذلك في الوقت الذي جدّد فيه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، دعوته جميع الأطراف في ليبيا إلى الوقف الفوري لإطلاق النار والعودة إلى الحوار السياسي. وقال غوتيريس في بيان له السبت الماضي، إنّ "أيّ دعم أجنبي للأطراف المتحاربة، سيؤدي إلى تعميق الصراع وزيادة تعقيد الجهود المبذولة للتوصّل إلى حلّ سياسي سلمي وشامل". وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أنّ "الانتهاكات المستمرة لحظر الأسلحة المفروض على ليبيا تزيد الأمور سوءاً"، مشيراً إلى أنّ "التقيّد الصارم بالحظر ضروري لتهيئة بيئة مواتية لوقف الأعمال القتالية".
في الأثناء، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أنه لن يكون هناك حلّ عسكري للأزمة الليبية، مشدداً على ضرورة تجنب أي تصعيد مرتبط بالتدخل العسكري الأجنبي في البلاد. وجاء ذلك في مكالمتين هاتفيتين للرئيس الفرنسي السبت، مع نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان. وأكد ماكرون الحاجة إلى تعزيز الإجماع الدولي في مؤتمر برلين بهدف وقف إطلاق النار في ليبيا والخروج من الأزمة بالعودة إلى العملية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة. وشدد على أهمية الحوار بين الليبيين والعملية السياسية التي تشمل الأطراف الفاعلة الإقليمية وأصحاب المصلحة السياسيين الليبيين.