وأكّدت مصادر مقربة من قوات حفتر ومجلس النواب المجتمع في طبرق، شهادات مصادر محلية بشأن وجود تحركات عسكرية حثيثة حول مدينة الزاوية الواقعة إلى غرب طرابلس بنحو 30 كيلومتراً، مؤكدة عزم حفتر على السيطرة على المدينة.
وبحسب أحد تلك المصادر، وهو شخصية برلمانية رفيعة مقربة من حفتر، فإن الأخير جهز حججاً عدّة لاقتحام المدينة، منها ملاحقة عصابات تهريب البشر والوقود، ولا سيما أن تقارير أممية سابقة تحدثت عن وجود هؤلاء في المدينة.
ومنذ السبت الماضي نشرت صفحات مقربة من حفتر فيديوهات تبين وصول اللواء عبد الله نور الدين الهمالي، الذي كلّفه حفتر الأسبوع قبل الماضي إدارة "عملية تحرير مدينة الزاوية"، إلى مدينة العجيلات المجاورة، ولقطات أخرى تظهر آليات عسكرية، وهو ما أكده شهود عيان من العجيلات لـ"العربي الجديد"، كاشفين النقاب عن تحول وحدات من كتيبة طارق بن زياد التي وصلت لتوها إلى العجيلات، إلى نقاط داخل منطقة ورشفانة الواقعة في منتصف المسافة بين طرابلس والزاوية.
Facebook Post |
وهناك انتشار عسكري جديد يهدف إلى قطع الطريق بين المدينتين وحصار الزاوية لتسريع مهمة إسقاطها، بحسب الخبير الأمني، الصيد عبد الحفيظ.
وعن أهمية المدينة، قال الخبير الأمني الليبي لـ"العربي الجديد"، إنّ "السيطرة على الزاوية يعني قطع الطريق الساحلي ووقوع مناطق غرب ليبيا الموالية للحكومة في حالة حصار، كذلك فإن في الزاوية أكبر محطة تكرير نفطية تزود العاصمة بالوقود والمحروقات"، مشيراً إلى أن ساحلها يسهّل أي عملية إنزال بحري على شواطئ غرب العاصمة.
وتتوزع مواقع سيطرة حفتر التي تشكل محاور قتاله الحالية، في مناطق جنوب طرابلس، حيث يتركز القتال في محاور المشروع والخلاطات وصلاح الدين وطريق المطار لقربها من قلب العاصمة، وفي مناطق غرب سرت، وتحديداً في الوشكة، التي تشكل خط تماس مع قوات الحكومة القادمة من مصراته، بالإضافة إلى سيطرته على مناطق العجيلات وصرمان المحاذيتين لمدينة الزاوية غرب طرابلس.
وفي سياق التصعيد، اعترفت قوات حفتر بقصف ميناء طرابلس، ما استدعى رداً سريعاً من حكومة الوفاق بإعلانها تعليق مشاركتها في محادثات اللجنة العسكرية المشتركة في جنيف. وقال آمر مجموعة عمليات المنطقة الغربية التابعة لحفتر، المبروك الغزوي، إن قواته "أسقطت طائرة تركية مسيرة في منطقة عين زارة بعد إقلاعها من معيتيقة"، بحسب مكتب الإعلام الحربي لعملية "الكرامة"، اليوم الأربعاء.
Facebook Post |
وادعى الغزوي أن "الطائرة كانت في مهمة ضد قواتنا رداً على تدمير شحنتهم العسكرية، أمس، في ميناء طرابلس"، ما اعتبرته أوساط ليبية محاولة جديدة لاستفزاز قوات حكومة الوفاق وجرها إلى مستنقع الحرب، على الرغم من عدم نفيها أو إثباتها لصحة تصريحات الغزوي، لكن المتحدث الرسمي باسم مكتب الإعلام الحربي لعملية "بركان الغضب"، عبد المالك المدني، نفى لـ"العربي الجديد" صحة ادعاء قيادة قوات حفتر أن قصف الميناء كان يستهدف سفينة تركية كانت محملة بالأسلحة.
وخلّف استهداف الميناء، أمس الثلاثاء، قتيلين وخمسة جرحى من المدنيين، بحسب وزارة الصحة في حكومة الوفاق، لكن الخبير الأمني الليبي، الصيد عبد الحفيظ، لا يرى في الاستهداف إلا محاولة لاستفزاز قوات الحكومة وجرّها لمعركة جديدة.
وجاء الاعتداء على الميناء بعد لحظات من اجتماع حفتر مع السفير الأميركي، ريتشارد نورلاند، في قاعدته العسكرية في الرجمة، شرق بنغازي، وتأكيده للسفير الأميركي "الالتزام المعلن بوقف دائم لإطلاق النار"، بحسب بيان السفارة الأميركية.
وبحسب المحلل السياسي الليبي، مروان الذويب، فإن استهداف الميناء بهذا التوقيت رسالة معلنة بأنه لن يتراجع عن أهدافه العسكرية، ولا سيما بعد أن أعلنت أوروبا تنفيذ عملية بحرية لمراقبة تنفيذ قرار حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا تستهدف أيضاً الساحل الشرقي لليبيا.
هذا التحليل يتوافق مع تعليق وزير الداخلية في الحكومة، فتحي باشاغا، ليل أمس، على قصف ميناء طرابلس، الذي لا يشير إلى تفاؤله بإمكانية قبول حفتر بالخيار السياسي، حيث قال إن "حفتر وشركاءه الأجانب أثبتوا اليوم مجدداً وبكل وضوح أنهم ينوون إيذاء الشعب الليبي، لا مساعدته، ويسعون إلى تدمير حياة المدنيين ومستقبلهم، وتخريب البنية التحتية للمدن والقرى الليبية"، مؤكداً بقوله: "سنقوم بكل حزم بالدفاع عن بلدنا وحمايته، حتى يكون السلام الذي نتطلع إليه ممكناً".
وكانت وزارة الخارجية في حكومة الوفاق قد قالت، في بيان لها أمس الثلاثاء، إن "الخطة المقترحة من الاتحاد الأوروبي لحظر تدفق الأسلحة إلى ليبيا ستفشل بشكلها الحالي، خاصة على الحدود البرية والجوية في المنطقة الشرقية"، مشددة على ضرورة "التنفيذ الصارم لقرارات مجلس الأمن الدولي التي تحظر تدفق الأسلحة بشكل غير قانوني إلى ليبيا منذ سنوات".
ولا تبدو نية حفتر في استئناف عملياته العسكرية بعيدة عن توقعات قادة طرابلس، فقد طالب نشطاء سياسيون، خلال متابعتهم لقصف الميناء، حكومة الوفاق بإطلاق حملة عسكرية واسعة لتحرير جنوب طرابلس واستباق حفتر.
وعبر السياسي الليبي، سامي الساعدي، عن استيائه من موقف الحكومة بقوله: "طفح الكيل"، موجهاً انتقاده إلى رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج، متسائلاً: "هل أنت رئيس ليبيا أم رئيس طرابلس؟ لماذا لا تطلق عملية شاملة لتحرير كامل التراب الليبي؟".
وتساءل الساعدي عن عدم استهداف طيران الحكومة لقواعد وأرتال مليشيات حفتر في أي مكان؟". وقال للسراج: "ما عليك حينها هو الخروج للشعب الليبي وبيان الجهة التي تمنعك من ذلك، داخلية كانت أو خارجية".
وكثيراً ما اتهمت قيادات تابعة للحكومة أداء السراج، وطالبت المجلس الأعلى للدولة بتشكيل "حكومة حرب". ويحدد ذويب أسباب غضب هؤلاء القادة بأن "الحكومة باتت تمتلك أسلحة هجومية ومعدات حديثة تزودت بها من تركيا بعد اتفاقها الأمني معها، ما أغضب المقاتلين على الأرض جراء منعهم من التقدم لطرد قوات حفتر، وفسح المجال لها لترتيب صفوفها"، لكنه لا يتوقع أن تبادر الحكومة بإطلاق عملية عسكرية والاستجابة لاستفزازات حفتر حتى لا تخسر مكاسبها السياسية التي حققتها في الوقت القريب، خصوصاً بعد تحالفها مع تركيا الذي قلب كل الموازين.
وعن تداعيات تعليق الحكومة لمشاركتها في المحادثات العسكرية في جنيف، قال الباحث الليبي في العلاقات الدولية، مصطفى البرق، إنه "الإجراء الأمثل وليس لدى الفاعلين الدوليين وعلى رأسهم الأمم المتحدة إلا القبول بتقويض حفتر لجهودهم أو الضغط عليهم من أجل القبول بوقف إطلاق النار"، مشيراً إلى أن "الحكومة كسبت ورقة جديدة بهذا الإجراء".
وعبرت البعثة الأممية عن استيائها من انسحاب وفد الحكومة العسكري من محادثات جنيف، مؤكدة أنها تلقت رسالة رسمية بذلك.
وأعلن المجلس الأعلى للدولة عقد جلسة طارئة لـ"مناقشة إمكانية ذهاب وفده للمشاركة في حوار جنيف من عدمه، في ظل استمرار خرق اتفاقات وقف إطلاق النار واستهداف العاصمة طرابلس"، وهو ما يعتبره البرق جملة من الأوراق الجديدة التي ستشكل ضغطاً على المجتمع الدولي باتجاه القبول بخرق حفتر لكل الاتفاقات الدولية وقرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار أو إرغامه على وقف القتال.