تحالف اليسار اليمني يدفن "اللقاء المشترك": نهاية ثنائية "الشرعية-الانقلاب"

15 اغسطس 2017
شاركت الأحزاب الخمسة بفعالية في ثورة 2011(أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -
مع الإعلان عن توجه لتشكيل ائتلاف سياسي يضم أبرز حزبين يمثلان اليسار في اليمن، إلى جانب أحزاب أخرى، بات المشهد السياسي اليمني أمام مفترق طرق. وقد قرر كل من الحزب "الاشتراكي اليمني" و"التنظيم الوحدوي الناصري"، الافتراق عن حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، وإلى حدٍ ما، عن القوى المؤيدة للشرعية اليمنية، في خطوة تحمل العديد من الأبعاد. والبعض نظر إليها بوصفها محصلة طبيعية اقتضتها الأوضاع التي آلت إليها البلاد بعد ما يقرب من عامين ونصف من الحرب، فيما طرح آخرون علامات استفهام بشأنها، وربطوا بينها وبين تسوية محتملة للصراع اليمني.

وأكدت مصادر يمنية حزبية موجودة في القاهرة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن قيادات الأحزاب وفي مقدمتها "الاشتراكي" و"الناصري"، تجري تحضيرات واتصالات مكثفة لوضع اللمسات الأخيرة، قبل الإعلان الرسمي عن ولادة الائتلاف، الذي بدأت تحضيراته منذ أواخر العام الماضي، من خلال اجتماعات مشتركة لكل من قيادتي "الاشتراكي" و"الناصري"، وهما أكبر حزبين يمثلان اليسار في اليمن. وعن سبب غياب حزب "الإصلاح" (المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين) عن الائتلاف، وكذلك جناح "المؤتمر الشعبي" الموالي للرئيس عبدربه منصور هادي، أوضحت المصادر أن هناك إجماعاً داخل الأحزاب التي تستعد للإعلان عن تحالفها، على العمل بعيداً عن "الإصلاح". وأضافت المصادر أن الأطراف المعنية تجمع أيضاً على أن هناك أخطاء في مسار الشرعية، وترى في المقابل أن هناك إصلاحات يجب أن تطبق، على أن يعود الجميع إلى طاولة حوار سياسي تنهي حالة الحرب وتعيد الاعتبار للقوى السياسية ودورها في المرحلة المقبلة.

لكن ثمة تساؤلات عن علاقة الائتلاف المطروح بقوى إقليمية فاعلة في اليمن، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة، خصوصاً مع حرص اللجنة التي تتولى الإعداد للائتلاف، على عدم دعوة حزب "الإصلاح". غير أن المصادر القريبة من اللجنة، أفادت بأن قيادات الأحزاب الفاعلة حريصة على علاقة جيدة مع أبوظبي ومع القاهرة ومختلف الأطراف، لكن ذلك لا يجعل "التحالف العربي" الذي تقوده السعودية والإمارات بعيداً عن المراجعات والملاحظات التي يبديها الائتلاف على الوضع الحاصل في البلاد، وعلى الإصلاحات المطلوبة في مساره.


وكانت اللجنة التحضيرية للائتلاف أعلنت يوم الأحد الماضي، التوافق على الوثيقة الأساسية. وأشارت إلى أنها تتضمن الأسس والمبادئ الرئيسية على "قاعدة إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة وتصويب مسار الشرعية واستعادة الديمقراطية التوافقية والشراكة الوطنية في رسم مستقبل اليمن وفقاً لمخرجات الحوار والمبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، على قاعدة التوافق الوطني ورفض كافة أشكال الفساد والعمل خارج القانون".

وتبرأ حزب "التجمع الوحدوي اليمني" (اليساري) من هذا الائتلاف، بعدما ورد اسمه ضمن قائمة الأحزاب المشاركة بلجنته التحضيرية. وقال رئيس الحزب، عبدالله عوبل، في بيان: "يؤسفنا أن يتم الزج بحزبنا، التجمع الوحدوي، في تكتل سياسي لم يتم التشاور معنا ولم نناقش وثائقه". وأضاف "نعلن أننا في حل منه ومن الوثائق التي قيل إنها أساس هذا التكتل". في المقابل، وصفت مصادر قريبة من اللجنة التحضيرية الموجودة في القاهرة، في حديث لـ"العربي الجديد"، نفيْ رئيس الحزب بـ"المتسرع"، وعللته بوجوده في صنعاء. وأكدت أن قيادات ممثلة لهذا الحزب حضرت اجتماعات اللجنة التحضيرية، لكن المصادر تحفظت عن ذكر أسمائها.

ويضم الائتلاف، حسب البيان الصادر عن اللجنة التحضيرية، الحزب الاشتراكي اليمني، وهو ثالث أكبر الأحزاب اليمنية من حيث الحضور الجماهيري بعد حزبي "المؤتمر الشعبي" الذي يترأسه المخلوع علي عبدالله صالح، وحزب "الإصلاح". ويتمتع "الاشتراكي" بثقل سياسي قوي، بوصفه الحزب الحاكم في جنوب اليمن سابقاً قبل إعادة توحيد البلاد في 1990، ولامتلاكه قاعدة كوادر وقيادات سياسية فاعلة، بعضها يشغل مناصب ضمن الحكومة الشرعية، وأخرى انخرطت في الحراك الجنوبي. ويأتي تالياً في الائتلاف، "التنظيم الوحدوي الناصري" الذي يمثل أحد الأحزاب المؤثرة في الساحة اليمنية. وذكرت مصادر سياسية لـ"العربي الجديد"، أن الأمين العام للحزب، عبدالله نعمان، من أبرز الفاعلين الذين ساهموا بالدفع نحو تأسيس الائتلاف الجديد. وساهم في المشروع تنظيم ثالث مؤثر، حزب "العدالة والبناء"، وهو حزب تأسس عام 2012، من قبل مجموعة من الشخصيات التي انشقت عن حزب صالح، وأبرزها رئيس الحزب، محمد علي أبو لحوم، والأمين العام للحزب، عبدالعزيز جباري، الذي يشغل حالياً منصب نائب لرئيس الوزراء ووزيراً للخدمة المدنية في حكومة الشرعية، وهو من أبرز الشخصيات الفاعلة في الشرعية، وكان نائباً لرئيس الوفد خلال مفاوضات الكويت العام الماضي. ويضم الائتلاف حزباً يصفه البعض بأنه قريب من "جماعة أنصار الله" (الحوثيين)، وهو "اتحاد القوى الشعبية"، وكان أحد مكونات "اللقاء المشترك" (تكتل أحزاب معارضة تأسس في فبراير/ شباط 2003)، ويعد من الأحزاب التي تمتلك حضوراً سياسياً محدوداً لكنها في الواقع من الأحزاب الصغيرة. أما الحزب الخامس في الائتلاف، فهو "التجمع الوحدوي اليمني"، الذي سارع رئيسه للتبرؤ من الائتلاف ووثائقه بعد صدور بيان اللجنة التحضيرية.

ورأى مراقبون أن أبرز ما حمله هذا التطور، يتمثل في التقارب بين أحزاب اليسار، والتي تبدو في مرحلة تنسيق غير مسبوقة، في ظل العوامل المشتركة التي تهددها. والخطوة المفاجئة تتمثل، في نظرهم، بإخراج حزب "الإصلاح" من قائمة الائتلاف، بعدما كان مع "الاشتراكي" و"الناصري"، أبرز ثلاثة مكونات في تكتل "اللقاء المشترك" المعارض لصالح. وهذا التطور السياسي الجديد يمثل إعلاناً رسمياً لوفاة "اللقاء المشترك"، الذي كان أحد أبرز العناوين السياسية اليمنية على مدى سنوات، وخفّ نشاطه فعلياً منذ عام 2011.

من جانب آخر، حمل بيان الائتلاف مصطلحاً لافتاً وهو "تصويب مسار الشرعية"، الأمر الذي يمكن اعتباره مؤشراً على بدء تفكك القوى التي أعلنت تمسكها بالحكومة الشرعية برئاسة هادي. ومن غير المستبعد أن يكون تأسيس هذا الائتلاف الذي يعيد الحيوية لمسار العمل السياسي، بمثابة إعادة تكيّف القيادات الحزبية مع مرحلة مقبلة، يجري الحديث عنها في ظل مؤشرات اقتراب التوجه إلى تسوية، وهو ما يتطلب خارطة تحالفات جديدة، بعيداً عن اصطفاف "الشرعية" و"الانقلاب".

وتعرّضت مختلف الأحزاب والقوى اليمنية لتصدعات قوية خلال السنوات الأخيرة، مع الحرب الأكبر في تاريخ البلاد، والتي صعدت خلالها المليشيات، وأصبح الفاعل الأول فيها هو التدخل الخارجي، وفي مقدمتها "التحالف" بقيادة السعودية والإمارات. وينظر العديد من السياسيين إلى عودة النشاط الحزبي بوصفه ظاهرة إيجابية يمكن أن تكون تمهيداً فعلياً للعودة إلى المسار السياسي وإنهاء الحرب.

المساهمون