الضربة الأميركية لسورية بعيون إسرائيلية: عودة شرطي العالم

08 ابريل 2017
تظاهرة في واشنطن ضد الأسد أمس (ياسين أوزتورك/الأناضول)
+ الخط -

صحح معلقو الشؤون العسكرية والأمنية في إسرائيل، خلال ساعات معدودة، من مسار تحليلاتهم، التي ذهبت إلى أن الولايات المتحدة ليست في وارد القيام بتغيير جذري في سياساتها الدولية والقيود التي تفرضها العلاقات "الحسنة" والثناء المتبادل بين الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، والأميركي دونالد ترامب، على توجهات ترامب، لجهة الخوض في مواجهة، أياً كان مستواها، مع روسيا. وانتقل المعلقون من هذا التوجه إلى الحديث عن عودة الولايات المتحدة، بقيادة ترامب، إلى لعب دور شرطي العالم.

وفي هذا السياق، فإن التأييد والترحيب الذي أبداه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، للضربة الأميركية وقرار ترامب، عكس عملياً توق إسرائيل إلى دور أميركي فاعل ضد إيران ونشاطها الإقليمي. وفي هذا السياق، أثنى مثلاً وزير الأمن السابق، موشيه يعلون، في حديث مع الإذاعة الإسرائيلية، أمس الجمعة، على الموقف "المتزن"، بحسب تعبيره، لحكومة نتنياهو في المسألة السورية، معتبراً أنه من الجيد أن تقوم الولايات المتحدة بما قامت به عوضاً عن إسرائيل، مستدركاً أنه لو كان هناك خطر كيماوي يهدد إسرائيل، من جهة نظام بشار الأسد، لكانت إسرائيل تصرفت منذ زمن. وخلص يعلون إلى القول إن الأسد يدرك حجم قوة الردع الإسرائيلية، وهذا ما يفسر سلوكه في هذا الاتجاه.

وبالعودة إلى القراءة الإسرائيلية للضربة الأميركية ومكاسب إسرائيل منها، فقد اعتبر المحلل في الشؤون الأمنية والعسكرية، يوسي ميلمان، أن الضربة الأميركية تمثل عملياً بدء ترامب مزاولة أعماله كرئيس فعلي للولايات المتحدة، بعد ثلاثة أشهر من أدائه اليمين الدستوري، وإعلاناً بعودة الولايات المتحدة للعب دور شرطي العالم. وبحسب ميلمان فإن الضربة الأميركية للقاعدة الجوية السورية، التي انطلق منها الهجوم الكيماوي على خان شيخون، هي رسالة من ترامب بأنه يسعى لاستعادة مكانة الصدارة للولايات المتحدة، باعتبارها القوة الأولى في العالم، والشرطي الدولي. ويؤكد ميلمان، في هذا السياق، على عنصر المفاجأة في قرار ترامب، وأنه لا يمكن لأحد أن يدعي غير ذلك، إذ إن أحداً لم يعتقد أو يتوقع أن يكون هذا قراره، بعد أن كان أعرب قبل ذلك بيوم واحد فقط عن غضبه من الرئيس السوري. لكن خطوة ترامب تحمل، بحسب ميلمان، رسالة أخرى موجهة إلى الكرملين مفادها أن ترامب لا يخشى من ردة فعل بوتين، حتى ولو كانت روسيا تملك مواد وملفات تحوي معلومات محرجة له منذ كان رجل أعمال. في المقابل، فإن قرار ترامب يبرز، بحسب ميلمان، مدى ضعف ووهن سابقه في البيت الأبيض، باراك أوباما، الذي تراجع أكثر من مرة، حتى بعد أن كان أعلن أن استخدام السلاح الكيماوي هو خط أحمر.



ولا تقف رسائل ترامب عند بوتين والأسد، بل تتعداهما إلى باقي الدول "المتمردة"، إذا شئنا، وفق التعبير الذي استخدمه ميلمان، قاصداً بها كوريا الشمالية وإيران، في رسالة مفادها أنه يوجد في البيت الأبيض رجل لا يمكن توقع ردود أفعاله، وهو مصمم وحازم، يعني ما يقول ويفعل ما يصرح به، وهي أيضاً رسالة موجهة إلى إسرائيل أيضاً، بمعنى أنه عندما يعلن الرئيس الأميركي أنه يعتزم ويؤمن بفرص التوصل إلى الصفقة المثلى، فهو يعني ذلك جدياً. ويتفق رون بن يشاي مبدئياً مع يوسي ميلمان في القول إن الضربة الأميركية لسورية نقلت رسالة أميركية واضحة بشأن الخطوط الحمراء التي يغامر من يتجاوزها، بمواجهة القوة العسكرية للدولة الأقوى والكبرى في العالم. وهي رسالة، بحسب بن يشاي، موجهة أولاً وقبل كل شيء إلى الأنظمة والدول المتمردة على المواثيق الدولية، وفي مقدمتها بشار الأسد في سورية، وكوريا الشمالية وإيران. لكنها يقول بن يشاي رسالة أيضاً إلى كل من روسيا والصين، وخصوصاً أن الصين تعمل على استفزاز الأميركيين في المحيط الهادئ. لكن الرسالة الأهم بحسب بن يشاي، هي أن ترامب حدد أيضاً أن المس بالمصالح الأميركية، لن يمر مرور الكرام. وبالمصالح الأميركية فإن ترامب يشمل، بحسب بن يشاي، أي تهديد لدول المنطقة الحليفة للولايات المتحدة الأميركية، وفي مقدمتها تركيا وإسرائيل، التي قد تكون الهدف المقبل لهجمات كيماوية.

لكن وزير الداخلية الإسرائيلي، أريه درعي، العضو في الكابينت السياسي والأمني لحكومة الاحتلال، أوضح، في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية، أن السوريين يدركون جيداً ماذا سيكون الرد الإسرائيلي في حال تعرض إسرائيل لهجوم بالسلاح الكيماوي، وأن إسرائيل كدولة عظمى إقليمية ليست بحاجة لأن يقوم أحد بالمهمة عوضاً عنها، وهو موقف مناهض للموقف الذي أبداه موشيه يعلون، الذي نصح الحكومة الإسرائيلية بانتهاج خطاب ناعم، لكن بشرط أن تلوح في الوقت ذاته بعصا غليظة، مستخدماً تعبير "نبوت كبير". مع ذلك لفت بن يشاي إلى أن ترامب أكد أنه لا يعتزم إسقاط نظام الأسد، لكن في حال تضررت المصالح الأميركية، فإن بوتين سيتضرر أيضاً، وهي رسالة توضح للروس أنه ليس بمقدوركم أن تفعلوا ما تشاؤون في الشرق الأوسط. وبحسب بن يشاي فإن روسيا لن تتجاوز في ردها الاحتجاج، لأنها غير معنية بدورها بالدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية، ولا سيما أنهم محرجون أصلاً من كون طائراتهم المقاتلة تنطلق من نفس المطار الذي استخدمه النظام لشن هجومه الكيماوي على خان شيخون. وبحسب بن يشاي فإن القصف الأميركي هو بمثابة بيرل هاربر مصغر، يحمل عملياً بشرى سارة لكل من إسرائيل وتركيا والسعودية، ليس فقط على اعتبار أن السلاح الكيماوي خط أحمر، وإنما لأنها تحركت وكأنها من تلقى الضربة، وهذا سلوك يحمل دلالات إيجابية لهذه الدول.

في المقابل، عارض أفي سيسخاروف التوجه العام في الصحف والمواقع الإسرائيلية، التي اعتبرت الضربة الأميركية نقطة تحول. وقال سيسخاروف إن هذه الضربة مهما مثلت من تحول درامي إلا أنها لا تعكس في الواقع تغييراً بـ180 درجة في السياسة العسكرية للولايات المتحدة، فهذه الضربة عينية وموضعية، وهذا لا يعني أن نرى قريباً ترامب يعمل لإسقاط نظام الأسد. ومع ذلك فنحن نواجه نقطة تحول خاصة، مقارنة بسياسة أوباما.
ومع أن المحلل العسكري في هآرتس، عاموس هرئيل يعتبر أن ما قام به ترامب عبر الضربة الأميركية يماثل كل ما قام به أوباما على مدار ستة أعوام، إلا أنه يتفق مع سيسخاروف، بأن هذه الضربة لا تعني بالضرورة أنه سيتبعها موقف أميركي حازم لجهة إسقاط نظام الأسد. ويستدل هرئيل على ذلك بما صدر عن البنتاغون بأن الحديث عن ضربة لمرة واحدة خطوة عقابية للنظام بعد أن اجتاز الخطوط الحمراء وقتل المدنيين بالأسلحة الكيماوية.