تدمر... صراع النفط بين النظام و"داعش" على حساب التاريخ

22 مارس 2016
تدمير فندق شام زنوبيا عام 2014 (جوزف عيد/فرانس برس)
+ الخط -

لم تهدأ وتيرة المعارك بين قوات النظام مسنودة بمليشيات عدة، وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) حول مدينة تدمر شرق مدينة حمص (وسط سورية)، في مسعى النظام لاستعادة المدينة التاريخية ومحيطها، والتي تضم أراضيها ثروة نفطية هامة. ومُنيت قوات النظام، أمس الأول الإثنين، بخسائر فادحة، إذ ضرب التنظيم أرتالها المتقدمة في منطقة الدوة (غرب تدمر)، بمفخخة أدت إلى مقتل وإصابة العشرات من القوات النظامية، بينهم قياديون من عناصر قوات نخبة (المغاوير)، زجّ بهم النظام في معاركه. وهو ما يؤكد إصرار الأخير على استعادة تدمر، بحسب مراقبين، إذ يرون أنّه يحاول تحسين أوراقه التفاوضية في جنيف من خلال الظهور بأنه يحارب "الإرهاب".

وتتحرك قوات النظام تحت غطاء الطيران الروسي، إذ وثّق ناشطو المدينة مئات الغارات الروسية التي دمّرت أجزاءً واسعة من المدينة المدرجة على لائحة التراث العالمي، وأدت إلى تحوّلها لمدينة أشباح، غادرها أهلها إلى مناطق تقع تحت سيطرة التنظيم شرق سورية، ومنهم من توجّه نحو هضبة البادية. وأصدرت تنسيقية تدمر، أمس الثلاثاء، بياناً قالت فيه، إنّ الطيران يقوم، لليوم العشرين على التوالي، بعمليات القصف والتدمير الممنهج للمدينة الأثرية. وأضاف البيان، "لم تتوقف طائرات وصواريخ الروس عن قصف المدينة بشكل عشوائي من دون أن تفرّق بين بشر أو حجر"، مشيرة إلى أنه تم توثيق "ما لا يقل عن 900 غارة جوية استهدفت المدينة خلال أسبوعين، أكثر من نصفها، بالقنابل العنقودية المحرّمة دولياً، بالإضافة لمئات الصواريخ والقذائف والبراميل المتفجرة"، وفق التنسيقية.

وأشارت التنسيقية في البيان المترجم للغة الروسية، إلى أن الحملة التي وصفتها بـ"الممنهجة" تأتي في سياق "ذريعة قتال تنظيم الدولة، والذي يقاتل خارج المدينة، ولم يتأثر كثيراً بتلك الضربات والمعارك من ناحية الخسائر البشرية، وذلك بسبب عدم وجود مقرات، وكثافة لعناصره داخل المدينة". وأكدت التنسيقية أن ضربات الطيران الروسي دمرت، وبشكل شبه كامل، البنى التحتية، والمدارس، والمساجد، وأكثر من نصف أحياء المدينة. وطالبت المجتمع الدولي "بتحمل مسؤوليته لحماية المدينة وآثارها وحضارتها، وإيقاف آلة القتل والتدمير الروسية الهمجية والمستمرة منذ أشهر عدة على مدينتنا الحبيبة"، وفق البيان.

وسيطر التنظيم على مدينة تدمر ومحيطها، أوائل مايو/أيار الماضي، إثر معارك لم تدم طويلاً مع قوات النظام، ليبدأ بعد ذلك بالتمدد في ريف حمص الشرقي الغني بالنفط والغاز. كما قام التنظيم بتدمير معالم تاريخية هي جزء من التراث الإنساني. كما قام طيران النظام والروس بتدمير مواقع في المدينة مدرجة ضمن قائمة منظمة "يونيسكو" للتراث العالمي، وفق ما ذكرت تنسيقية المدينة التي نشرت صوراً ومقاطع فيديو تؤكد ذلك. وأشارت التنسيقية إلى أن معالم تدمر "تحوّلت الى أطلال".

اقرأ أيضاً: معركة تدمر تجمع النظام السوري وروسيا والتحالف

في السياق ذاته، يوضح الناشط الإعلامي ناصر الثائر أنه "لم يتبق من سكان المدينة سوى أربعة آلاف مدني من 170 ألف، بينهم خمسون ألف نازح من مناطق سورية، كانوا في المدينة التي "تعيش وضعاً مأساوياً من دون كهرباء، وماء، واتصالات، ومستشفيات. الحياة منعدمة بشكل كامل"، وفق الثائر. ويرى المحلل العسكري، العقيد مصطفى البكور (منشق عن جيش النظام)، أنّ مدينة تدمر "تكتسب أهمية خاصة بسبب موقعها الجغرافي، إذ تقع على الطريق بين دمشق ودير الزور، والطريق الواصل بين حمص ودير الزور. وهي بذلك تتحكم بالطرق الفرعية التي تنطلق من هذَين الطريقَين باتجاهات متعددة للوصول إلى مناطق البادية السورية المختلفة. ويضاف إليها، سلسلتا الجبال التدمرية الشمالية والجنوبية الممتدتان عشرات الكيلومترات، والتي يمكن استعمالها كمعاقل حصينة لمن يسيطر عليها"، وفقاً للمحلل العسكري.

أما من الناحية العسكرية، يوضح البكور أنّ المدينة تكتسب أهمية استراتيجية لوجود مطار تدمر الملاصق للمدينة، ومطار (التي فور) الذي يبعد عنها مسافة 65 كيلومتراً باتجاه الغرب، إضافة إلى وجود مستودعات استراتيجية عدّة للجيش منتشرة على مساحات واسعة ومحفورة في الجبال في محيط المدينة". ويلفت البكور "العربي الجديد" إلى مرور كافة الخطوط التي تنقل النفط والغاز من المنطقة الشرقية إلى الداخل السوري والساحل بالقرب من مدينة تدمر. "ويمكن لمن يسيطر على مدينة تدمر، أن تكون له اليد الطولى في البادية السورية، وأن يتحكم عسكرياً بطرق المواصلات بين دمشق والمنطقة الشرقية، وبين حمص والمنطقة الشرقية، ويمكنه تهديد كافة خطوط الغاز والنفط المتوجهة إلى الداخل"، وفقاً للعقيد ذاته.

ويشير البكور إلى أنّ "سيطرة التنظيم على تدمر مكّنته من تهديد مطار (التي فور) بشكل مباشر، وهو أضخم مطار في سورية. كما استعمل داعش مطار تدمر كثكنة عسكرية كبيرة يصعب اقتحامها، لما تحتويه من ملاجئ محصنة ومنشآت عسكرية وأنفاق". ويرى البكور أن إصرار النظام على استعادة تدمر، بعد سريان الهدنة القائمة مع فصائل المعارضة المسلحة، "ينبع من شعور النظام بالخطر على مدينة حمص بعد اقتراب التنظيم من مطارَي (التي فور) والشعيرات، والفرقتَين 18 و11 العسكريتين في محيط حمص. ويعتبر القوس المشكّل من خط ريف حماة الشرقي وتدمر وصولاً إلى بلدة القريتين، والواقع تحت سيطرة التنظيم يهدّد بتطويق حمص. واستعادة قوات النظام مدينة تدمر يقطع هذا الخط، ويبعد خطر التطويق عن حمص"، وفقاً للخبير العسكري.

كما تكتسب منطقة تدمر والبادية المحيطة بها أهمية اقتصادية استثنائية كونها تضم العديد من حقول البترول أهمها؛ حقل جبل الشاعر الذي ينتج نحو 23 مليون متر مكعب من الغاز يومياً، والواقع شمال غرب تدمر، وفق الأخصائي في الشأن الاقتصادي، الصحافي مرشد النايف. ويشير الأخير إلى أن الحقل الذي سيطر عليه التنظيم، منتصف العام الماضي، إثر سيطرته على تدمر يزوّد معمل (إيبلا) لمعالجة الغاز في الفرقلس، شرق حمص، كما يقوم بتزويد محطات توليد الكهرباء بالغاز اللازم لتشغيلها. كما سيطر التنظيم على حقل جزل القريب من تدمر، والذي كان ينتج، وفق النايف، 9 آلاف برميل يومياً. وانخفضت كفاءة الإنتاج إلى نحو 2500 برميل لعدم وجود فنيين، بسبب مغادرتهم مراكز عملهم مع تقدم التنظيم باتجاه الحقل.

ويربط مراقبون بين ما يجري في البادية السورية من معارك وغارات طيران وبين ما يجري في جنيف السويسرية من المفاوضات السورية بين وفدَي المعارضة والنظام، والتي تراوح مكانها بسبب محاولات النظام التي باتت مكشوفة بحرف المفاوضات عن مسارها، والتي تكمن في عدم مناقشة مصير الرئيس السوري، بشار الأسد.  ويحاول الروس – وفق الكاتب المعارض محمود الحمزة، الظهور بشكل "المحارب للإرهاب من خلال هذه الحملة المستمرة منذ عشرين يوماً على مدينة تدمر، وتحسين صورتهم وصورة النظام أمام الرأي العام العالمي". ويرى المعارض السوري أنّ "ما يجري هو مجرد استعراض إعلامي، تكمن الغاية منه، في تصدير رسائل أنهم استعادوا أماكن تاريخية من يد الإرهابيين".

اقرأ أيضاً: سورية: اشتباكات بين قوات النظام و"داعش" بمحيط تدمر

المساهمون