الاحتلال يتابع تقارير حول صحة عباس ويتوجس من اليوم الذي يليه

07 مارس 2018
احتمال تعيين نائب للرئيس الفلسطيني (سيف دحلاح/فرانس برس)
+ الخط -

في الوقت الذي تستعد فيه اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير لدعوة المجلس الوطني الفلسطيني إلى الانعقاد في مايو/ أيار المقبل، مع ما رافق ذلك من احتمالات انتخاب وتعيين نائب للرئيس محمود عباس رسمياً، في خطوة تعتبر الأولى من نوعها منذ تولي عباس منصبه، نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، اليوم الأربعاء، أن الجهات السياسية والأمنية تتابع عن كثب الحالة الصحية للرئيس الفلسطيني، مع دراسة سيناريوهات مختلفة لتداعيات اليوم الذي يليه، وتأثيرات حالته الصحية على عمق التنسيق الأمني مع الاحتلال من جهة، وعلى استقرار الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية المحتلة.

وبحسب المحلل العسكري لـ"هآرتس"، عاموس هرئيل، فإن معلومات عن الحالة الصحية لعباس، وكيفية أداء عمله والمهام، قد عرضت مؤخرا على المستويين الأمني والسياسي في إسرائيل، مع اقتراب بلوغ عباس 83 عاما. وأضاف أنه على الرغم من أن التنسيق الأمني بين سلطات الاحتلال وبين أجهزة السلطة الفلسطينية "يسير بشكل جيد"، إلا أن إسرائيل تستعد لاحتمالات استمرار تدهور صحة عباس، وتداعيات ذلك سلبا على استقرار الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية من جهة، وإطلاق "حرب وراثة" في صفوف قادة السلطة الفلسطينية من جهة ثانية، مع تقديرات بوجود نحو 10 من القياديين في السلطة ممن يعتبرون أنفسهم مرشحين لخلافة عباس.

ولفت هرئيل، في هذا السياق، إلى أن "عباس اضطر خلال  تواجده مؤخراً في الولايات المتحدة، لإلقاء خطابه أمام مجلس الأمن، إلى دخول أحد المستشفيات الأميركية في بولتيمور، وإجراء فحوصات طبية، بعد أن سبق له أن أدخل في يوليو/ تموز الماضي للمستشفى في رام الله بعد تعرضه لوعكة صحية. ومع أن متحدثين باسم الرئاسة الفلسطينية وعباس نفسه صرحوا بأن حالته الصحية جيدة، إلا أن "نشطاء فلسطينيين معارضين لعباس وسياسته قالوا إنه مريض، وأن حالته الصحية تتفاقم، ووصل الأمر إلى حد نشر ادعاء على شبكات التواصل الاجتماعية، لم يحظ بأي تأكيد رسمي، أن عباس يعاني من مرض السرطان في الأمعاء".

ويبدو الانشغال الإسرائيلي بصحة عباس، اليوم، مقرونا بالمخاوف الإسرائيلية من حالة فوضى بعد رحيله، أو من وريث يكون أكثر تشددا في الموقف تجاه الاحتلال، بل من احتمال أن يتخذ من سيخلف عباس في السلطة "خطا متشددا"، لدرجة وقف التنسيق الأمني كليا وبصورة فعلية، وليس فقط عبر التصريحات الصحافية، وذلك كبطاقة لتثبيت شرعيته في المنصب، وفي نظر الشعب الفلسطيني.

ولا ينبع القلق الإسرائيلي من الخوف على صحة عباس نفسه، بقدر ما يعكس مخاوف حقيقية من الوضع الذي سيسود في الضفة الغربية المحتلة، سواء تم تداول السلطة ونقل مقاليد الحكم لمن سيليه في المنصب، بشكل سلس، أو رافقت ذلك أعمال عنف وحالة عدم استقرار نتيجة "حرب وراثة" وتنافس شديدين بين مختلف من يعتبرون أنفسهم مرشحين طبيعيين للمنصب، و"هي حرب من شأنها أن تؤدي إلى فوضى عارمة في حال رافقها انقسام في مواقف الأجهزة المختلفة للسلطة الفلسطينية".

في المقابل، فإن الأجهزة والإعلام الإسرائيليين يلتزمان الصمت بشكل لافت للنظر بشأن نية عقد الدورة القادمة للمجلس الوطني الفلسطنيي، واحتمال انتخاب نائب رئيس بشكل دستوري يحظى بشرعية رسمية، لأن مثل هذا الإجراء يغلق عمليا الباب أمام رهانات إسرائيل وبعض الأنظمة العربية، خاصة دول الرباعية العربية (الإمارات العربية المتحدة، مصر والسعودية والأردن) في كل ما يتعلق بخيارات إعادة محمد دحلان إلى الأراضي الفلسطينية وتنصيبه رئيسا للسلطة الفلسطينية، أو من احتمال انتخاب نائب لعباس يكون غير "ودي" ( إذا جاز التعبير) تجاه "مشروع التسوية"، وتحديدا ما يسمى "صفقة القرن".



ويبقى أشد ما يقلق الاحتلال في هذا السياق، لا سيما بفعل القطيعة شبه المطلقة بين السلطة الفلسطينية اليوم والإدارة الأميركية، بعد انحياز الأخيرة بشكل تام إلى صالح دولة الاحتلال، هو أن يكون النائب القادم، وبالتالي المرشح لوراثة عباس، وبشرعية دستورية، في وضع لا يسمح له بإبداء أي مرونة في رفض الصفقة التي يمهد لها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتروج لها دول الرباعية العربية.

ويبدو أن الاحتلال يدرك أن أي رئيس قادم للسلطة الفلسطينية لن يكون بمقدوره أن يقدم مزيدا من التنازلات في الملفات الفلسطينية الحراقة، بل ربما من شأنه أن يجمد كليا، وبشكل فعلي، مجمل الاتصالات مع الطرفين الإسرائيلي والأميركي، ريثما يتمكن من تكريس سلطته وشرعيته الوطنية، بالتأسيس إلى الشرعية الدستورية التي سيتحلى بها في حال جاء تعيينه نائبا لعباس كمؤشر للمرحلة التي ستلي الرئيس الحالي، خاصة إذا فاجأ الأخير دولة الاحتلال باعتزال الحياة العامة والاستقالة من منصبه لتسليم الراية لنائبه.

وهذا سيعني أن الاحتلال لن يبقى بطبيعة الحال مكتوف اليدين، فمن شأنه أن يسعى لتعقيد الوضع في الضفة الغربية، وتعزيز حالة احتراب داخلي، وإذكاء للمنافسة والخصومة، بما يزيد من إضعاف الموقف الفلسطيني والسلطة الفلسطينية، وصولا إلى وضع لا تكون فيه الأخيرة قادرة على الاعتراض على الصفقة، بسبب انشغالها بالقضايا والنزاعات الداخلية.