وقال مستشار عراقي في الأمانة العامة لمجلس الوزراء في بغداد بحديث مقتضب، إنهم يتوقعون عقوبات مركزة في حال حدوثها، وهناك مؤشرات على جدية واشنطن في ذلك، بحال أصرّ العراق على تنفيذ قرارات البرلمان. وأضاف لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، أن العقوبات ستبدأ من إنهاء إعفاء العراق من موضوع تعامله في شراء الكهرباء والغاز الإيراني، مروراً بوقف بيعه قطع الغيار والذخيرة للجيش العراقي الذي تبلغ أسلحته الأميركية منها نحو 70 بالمائة من ترسانته العامة، بما في ذلك مقاتلات "أف 18"، كما يُتوقع أن تطاول البنك المركزي العراقي عقوبات أيضاً، فضلاً عن بنوك أخرى، مع عقوبات ستطاول عشرات الشخصيات السياسية والفصائلية (المليشيات) في العراق".
ورجح أن "يتم استثناء إقليم كردستان من تلك العقوبات، حيث تسعى واشنطن إلى عزله عن المشهد العراقي السياسي والأمني بالوقت الحالي".
وقال: "جلد العراق لا يحتمل أي عقوبات حالياً، وهي قد تكون كارثية، وستمسّ الفقراء والبسطاء من الشعب أما المسؤولون والسياسيون فهم في منعة منها"، وفقاً لتعبيره.
وبحسب عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي السابق حامد المطلك، فإنّ العراق سيدفع ثمناً باهظاً في حال فُرضت عليه عقوبات أميركية، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن المؤسسة العسكرية ستتحمل العبء الأكبر جراء هذه العقوبات.
وطالب القوى السياسية وحكومة تصريف الأعمال بالتفكير بعقلانية والعمل وفقاً لمصلحة الشعب العراقي بعيداً عن مصالح الدول الأخرى، مبيناً أن أي تدهور في الجانب الأمني سينعكس بالتأكيد على مجالات الحياة الأخرى، كالسياحة والتصنيع والتعليم وغيرها.
ودعا إلى التعقل والابتعاد عن المشاكل وعن زج العراق في أزمات هو في غنى عنها، موضحاً أن العقوبات الأميركية ستكون مؤذية بشكل كبير للعراق الذي يمرّ بظروف استثنائية. وشدد على ضرورة الابتعاد عن التسرع والتشنج في ظل وجود أشخاص بعيدين كل البعد عن صنع القرار بشكل سليم، لافتاً إلى أن الحديث عن العقوبات يعيد إلى الأذهان الحصار الاقتصادي الذي فرضته أميركا وحلفاؤها على العراق عام 1991، بعد غزوه للكويت.
وتابع: "نحن الآن نمرّ بأوضاع أسوأ من زمن الحصار في التسعينيات، لأن البطاقة التموينية كانت توصل المؤن الغذائية إلى كل أسرة عراقية، أما الآن، فإنّ الشعب العراقي يعرض صدره للرصاص، ويموت من أجل لقمة العيش"، مضيفاً: "علينا أن نتصوّر المأساة التي ستحلّ بالعراقيين إذا فُرضت عليهم عقوبات وهم يمرّون بهذه الظروف الصعبة".
وبعد غزو العراق للكويت في أغسطس/ آب 1990، فرضت أميركا وحلفاؤها في الحرب، حصاراً اقتصادياً شاملاً على العراق، استمرّت آثاره حتى احتلال العراق من قبل الأميركيين عام 2003.
وتوقع الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني أن تنعكس العقوبات على عمل البنك المركزي العراقي بشكل مباشر، وأن يقفز سعر صرف الدينار العراقي بالدولار إلى مستويات كبيرة، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن النفط العراقي يُباع بالدولار، وأن كلّ إيرادات النفط الذي يبيعه العراق تقيد في البنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي.
وبيّن أن العراق يحصل على الدولار من بيع النفط، وفي حال فُرضت العقوبات، فإن الدولار سيشح في السوق العراقي ويرتفع سعره بشكل كبير، مذكراً بفشل جميع الدول التي حاولت بيع نفطها بعملة غير الدولار، ومن بينها العراق في زمن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وليبيا في عهد معمر القذافي، وأخيراً إيران.
وأشار إلى أن العراق يصدّر إلى أميركا أكثر من نحو 450 ألف برميل يومياً، وعند فرض العقوبات، فإنّ بغداد ستضطر لبيعها إلى دول أخرى بأسعار منخفضة قد تقل عن 40 دولارا للبرميل، مضيفاً: "حتى في حال اشترت دولة مثل الصين نفط العراق، فإنها ستعطينا سلعاً بدلاً عنه، أو عملتها التي لا تحمل قيمة كبيرة".
ولفت المشهداني إلى وجود مشكلة أخرى قد تنتج عن العقوبات، تتمثل بتعامل العراق مع صندوق النقد الدولي الذي تسيطر عليه أميركا، موضحاً أن الصندوق وفّر للعراق ضمانات لقروض بقيمة 20 مليار دولار قد تُلغى في أي وقت بعد العقوبات.
وأكد أن العقوبات ستحرم العراق من 3 مليارات دولار، تقدّمها أميركا سنوياً لتسليح وتدريب وتجهيز القوات العراقية، وأن قطعها سيؤثر على تجهيزات وذخيرة الجيش، مبيناً أن واشنطن تسيطر أيضاً على قرار منظمات مهمة، تساهم في إعادة الإعمار في العراق مثل منظمة USAID التابعة لوزارة الخارجية الأميركية، وUNDP التابعة للأمم المتحدة.
وختم بالقول إن "أميركا لديها تأثير كبير على أعضاء مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي، ما يرجح فرضية التزام هذه الدول بأية عقوبات تفرضها أميركا".
في المقابل، قلّل عضو البرلمان العراقي عن تحالف "الفتح" محمد كريم، من أهمية العقوبات التي لوح بها ترامب تجاه العراق، مؤكداً لـ "العربي الجديد" أن العراق سبق أن دفع ثمن حصار وحروب تسببت بها أميركا، ودفع ضريبة كبيرة لذلك، متسائلاً "ما هو الجديد الذي سيفعله ترامب غير إنفاق المليارات من أجل التآمر على العراق؟".
وأشار إلى وجود قناعة لدى المطالبين بإخراج القوات الأميركية، بأن بقاء الجنود الأميركيين في العراق سيتسبب بحدوث اقتتال، مبيناً أنه إذا اندلعت شرارة الحرب بين أميركا وإيران، فهي لن تبقي باقية. وأضاف: "قد تكون هناك عقوبات اقتصادية مؤثرة، لكننا ننظر إلى أخف الضررين، فالضرر الاقتصادي أهون من الحرب"، لافتاً إلى أن العراق يمكن أن يتوجه إلى دول أخرى، مثل الصين، من أجل الخروج من أثر العقوبات الأميركية.
وشدد على ضرورة اتخاذ إجراءات عملية لتجنب تكرار عمليات القصف التي تسببت بقتل عناصر وقادة "الحشد الشعبي"، موضحاً أن الكثير من دول العالم بدأت اليوم تخرج من العباءة الأميركية.
وحذر أستاذ القانون الدولي في جامعة بغداد أحمد الخالدي، من احتمال عودة العراق إلى الفصل السابع الذي يقيد تحركاته الخارجية، ويفرض عليه وصاية دولية، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن العراق يعاني من غياب للسلطة التنفيذية الشرعية، في ظل صراع إقليمي ودولي على أراضيه، وهي أمور قد تفتح الباب أمام تدخل المجتمع الدولي لإنقاذ الشعب العراقي من حرب محتملة بين أميركا وإيران.
يُشار إلى أن العراق خضع، بعد غزوه للكويت عام 1990، إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي أتاح استخدام القوة ضد العراق باعتباره يشكل تهديداً للأمن الدولي، بالإضافة إلى تجميد مبالغ كبيرة من أرصدته المالية في البنوك العالمية لدفع تعويضات للمتضررين جراء الغزو. وخرج العراق من الفصل السابع في ديسمبر/ كانون الأول 2017.