مخيمات تندوف... ورقة صراع المغرب والبوليساريو


27 مايو 2018
مخيمات تندوف في الجزائر (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -
أعاد المغرب ملف الأوضاع الإنسانية والحقوقية في مخيمات تندوف الخاضعة لسيطرة جبهة البوليساريو في الأراضي الجزائرية، إلى واجهة الحدث من خلال مطالبته رسمياً الهيئات الأممية المعنية بضرورة فتح تحقيق دولي حول وضعية مخيمات تندوف الصحراوية. وإذا كان المغرب سبق له أن دعا في أكثر من موقع إلى مراقبة الأوضاع الإنسانية والحقوقية التي يصفها بالمتردية داخل مخيمات تندوف، لكنها المرة الأولى التي يطالب فيها بشكل رسمي الهيئات الأممية، ضمن بلاغ حديث لوزارة الخارجية المغربية، فتح تحقيقٍ دوليٍ بشأن أوضاع هذه المخيمات.

وتقدر المفوضية السامية للاجئين، ضمن تقرير حديث يعود إلى شهر مارس/آذار الماضي، عدد سكان مخيمات تندوف بـ173600 نسمة، 38 في المائة منهم دون سن 17 عاماً، فيما يُشكّل "مخيم السمارة" أكثر مناطق مخيمات تندوف كثافة سكنية، إذ يبلغ تعدادها نحو 50700 نسمة. وسبق للرباط أن طالبت منظمة الأمم المتحدة بإجراء إحصاء رسمي لسكان مخيمات تندوف، بهدف الحد مما اعتبرته "تلاعباً في المساعدات الإنسانية التي تقدمها الدول الأوروبية لسكان تندوف، وذلك من طرف قيادات جبهة البوليساريو"، وهو المطلب الذي رفضته البوليساريو بشكل قاطع.

في هذا السياق، كشف مصدر دبلوماسي مغربي لـ"العربي الجديد" أن "طلب المغرب بشكل رسمي من الهيئات الأممية المعنية بالملف بإجراء تحقيق دولي حول الأوضاع التي يعيشها آلاف السكان المحتجزين في هذه المخيمات، يسير في اتجاه عدالة الطرح المغربي لحل نزاع الصحراء". وأوضح بأن "إجراء تحقيق دولي شفّاف ونزيه في أوضاع مخيمات تندوف، والانتهاكات الحقوقية والإنسانية التي تقع هناك، سوف يعري حقيقة جبهة البوليساريو، ومن يدعمها من الخلف، بشأن تحويل هذه المخيمات إلى عامل توتر في المنطقة، وسبباً لزيادة ثروات قيادات البوليساريو عبر اختلاس المساعدات الإنسانية الموجهة لهم، باعتراف تقارير أوروبية رسمية". وسبق للمكتب الأوروبي لمكافحة الغش أن أكد ضمن تقرير سابق "وجود عمليات تهريب واسعة ممنهجة ومنظمة للمواد الغذائية والمساعدات الإنسانية من طرف قادة جبهة البوليساريو"، لكن رغم ذلك لا تزال بلدان أوروبية تقدم مساعدات لسكان المخيمات، آخرها مساهمة الاتحاد الأوروبي في الصيف الماضي بقيمة 5.5 ملايين دولار لتأمين الحاجيات الغذائية لسكان تندوف.



من جهته، قال الناشط الصحراوي أحمد لعروسي بومهدي، الذي سبق أن جرب الاعتقال في سجن الذهيبية بتندوف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "الأوضاع الإنسانية في مخيمات تندوف كارثية"، مبرزاً أن "نسبة الفقر والأمية متفشية في هذه المخيمات، فضلاً عن انعدام أجواء الحرية وحرية التعبير، ما يجعل المخيمات قنابل موقوتة قد تنفجر في أية لحظة".

منظمة العفو الدولية طرحت من جهتها خلاصة تقارير حقوقية حول الأوضاع في مخيمات تندوف وتصنيفها ضمن "الأماكن المغلقة"، وفق تعبير مدير فرع المنظمة بالمغرب، محمد السكتاوي، موردة أن "مخيمات تندوف تفتقر إلى المراقبة المنتظمة من جهات مستقلة معنية بحقوق الإنسان".

وسبق للمئات من سكان مخيمات تندوف أن راسلوا الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، إذ طالبوا بمراقبة أوضاع حقوق الإنسان في المخيمات التابعة للبوليساريو، معتبرين أنهم "يعيشون تحت رحمة مليشيات عسكرية لا تزال تؤمن بمبادئ ثورية قديمة غاية في القمع وفي الديكتاتورية، وتمنع كل صحراوي من تبني أي طرح غير طرح انفصال الصحراء عن سيادة المغرب".

ورأى المحلل محمد عصام لعروسي، أن "أوضاع مخيمات تندوف تشكل ورقة دبلوماسية ضاغطة في حوزة المغرب باعتباره سكان المخيمات مجرد محتجزين يقعون تحت ضغط البوليساريو ومراقبة الجزائر، وباعتبار منطقة تندوف امتداداً للتراب الجزائري". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الدبلوماسية المغربية تقوم بتوظيف هذه الورقة وإماطة اللثام عن ملف اللاجئين الصحراويين بين الفينة والأخرى، تحديداً في وقت الأزمات المرتبطة بملف الصحراء كالورقة الحقوقية والتهديدات الأمنية من قبل البوليساريو والتصعيد المتواصل في المنطقة العازلة".



وعزا الخبير مطلب المغرب بإجراء تحقيق دولي حول أوضاع مخيمات تندوف، إلى "عدة عوامل رئيسية، كرغبة المغرب مجدداً في لفت انتباه الرأي العام الدولي للدور الجزائري في احتضان اللاجئين الصحراويين في تندوف، ومنعهم من الالتحاق بوطنهم الأم المغرب". واسترسل لعروسي قائلاً إن "هذا الأمر له ما يبرره من خلال دعوة الدبلوماسية المغربية الأمين العام للأمم المتحدة والمبعوث الأممي في الصحراء هورست كولر إبان لقاء لشبونة الأخير في مارس الماضي، باعتبار الجزائر طرفاً في الصراع وليست عضواً ملاحظاً كما ورد في التقارير السابقة حول الصحراء وعن دورها في احتضان البوليساريو على الأرض الجزائرية".

وتابع" كما أن قناعة المغرب بأن التحقيق الدولي النزيه والشفاف بإمكانه إعطاء صورة واضحة عما يُرتكب من جرائم بحق المحتجزين في تندوف، من قبل مليشيات البوليساريو، وذلك بحرمانهم من كل الحقوق الضرورية، كالحق في أوراق الهوية ووثائق السفر، وتعرضهم للإقصاء الاجتماعي، من خلال تقريب بعض النخب من قبل قيادات البوليساريو مقابل بعض الامتيازات البسيطة وإقصاء الآخرين ومراقبتهم والتنكيل بهم في معتقلات الجبهة، في حالة الخروج عن نسق البوليساريو وتعليماته الأمنية".

ولفت لعروسي إلى أن "العديد من التقارير لمنظمات حقوقية لها سمعة دولية أشارت إلى الوضع المأساوي والمعاملة غير الإنسانية في المخيمات، كالتعذيب والاتجار في البشر وتهجير الأطفال إلى كوبا وإسبانيا وفصلهم عن محيطهم الطبيعي والضغط على أسرهم لمنعهم من الالتحاق بالمغرب".

وكشف عن "عامل متمثل في الوقوف على ما تعرفه المخيمات من سوء تدبير واستشراء الفساد داخل الجبهة من خلال التلاعب بالمساعدات الإنسانية الموجهة لسكان تندوف، والتي تباع مجدداً في الجزائر ومالي وموريتانيا، واستفادة قيادات البوليساريو من جني أموال طائلة من هذه المساعدات الدولية، من جراء تقديم إحصاء خاطئ عن السكان يتجاوز 350 ألف نسمة في حين لا يتجاوز العدد الحقيقي 80 ألفاً من سكان المخيمات".

أما الغاية الأخيرة من وراء طلب المغرب، بحسب لعروسي، فهو "الضغط على الدول الصديقة مثل فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة لاتخاذ مواقف واضحة بخصوص قضية الصحراء، وأن تتحمل مسؤولياتها لتمكين المواطنين الصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف من الحصول على أوراق تثبت هوياتهم ووثائق سفر تمكنهم من التنقل عبر الحدود بكل حرية، وممارسة حقهم في حرية العودة إلى بلدهم المغرب، كما تنص على ذلك المواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان وحقوق اللاجئين".