تجدر الإشارة إلى بروز عنصر مهم في حياة الشاهد المهنية، يتقاطع مع السياسة، وهو عمله قبل الثورة (2011) في السفارة الأميركية مختصاً في الزراعة، وتوجّه إليه في هذا الصدد انتقادات كبيرة، على اعتبار أنه من المدافعين عن تحرير القطاع الزراعي وتحرير الاستثمار عموماً. وهو ما قد يفسر خصومته مع النقابات واختلاف وجهات النظر والمقاربات في أكثر من ملف. ويعود هذا الملف الآن إلى السطح، مع مناقشة تونس لاتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي أو ما يعرف بـ"أليكا". وقد أوضح الشاهد أنه لن يسمح بعقد شراكات تهضم الحقوق التونسية، لما لهذا الاتفاق من أضرار قد تلحق بأكثر من قطاع حيوي، على رأسه الزراعة.
انخرط الشاهد في الشأن السياسي بعد الثورة، منتمياً في عام 2012 إلى الحزب الجمهوري (الاشتراكي التقدمي الذي كان معارضاً قبل الثورة)، ثم انضم في عام 2013 إلى حركة نداء تونس، مشاركاً في الحملة الانتخابية للرئيس الباجي قائد السبسي الذي أصبح رئيساً. شغل الشاهد منصب كاتب دولة للصيد البحري في أول حكومة بعد انتخابات 2014، شكّلها سلفه الحبيب الصيد، ثم عُيّن في يناير/ كانون الثاني 2016 وزيراً للتنمية المحلية، وفي أغسطس/ آب من العام عينه تم تكليفه برئاسة حكومة الوحدة الوطنية.
وشكّلت هاتان السنتان مرحلة مهمة في حياة الشاهد السياسية وارتقائه السريع إلى المشهد السياسي، فقد مرّ من المسؤول الحزبي إلى كاتب الدولة (معاون الوزير) إلى وزير ثم إلى رئاسة الحكومة. وهو ما لا تفسره الكفاءة وحدها بل شبكة ونوعية العلاقات التي كانت تربطه بالمشهد الجديد وقتها، تحديداً آل السبسي، عائلة الرئيس الراحل. فقد كان الشاهد على علاقة قديمة مع العائلة تتقاطع في أكثر من مكان، وكان من أشد المدافعين عن حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس الراحل، وقاد بنفسه لجنة خلال إحدى أزمات حزب النداء، مكّنت حافظ السبسي من قيادة الحزب وإبعاد خصومه. ومع استفحال الخلافات بين نجل السبسي ورئيس الحكومة الحبيب الصيد، اصطف الرئيس الراحل إلى جانب ابنه، مبعداً الصيد، ليحل الشاهد مكانه وسط دهشة كثيرين.
وكاد أسلوب حافظ السبسي نفسه أن يطيح برأس الشاهد كما الصيد، غير أن الأخير لم يكن ليقبل بإنهاء مشواره السياسي الذي بدأ للتو، فأعلن الحرب على نجل الرئيس وبالتالي على والده الراحل، وتقاطعت مصالحه في تلك الفترة مع حركة النهضة، التي ملّت من تقلبات حليفها وانحيازه المتواصل لنجله، وإن كان على حساب الاستقرار والنجاعة الحكومية. ففرض الشاهد والنهضة معاً مشهداً وتحالفاً سياسياً جديداً، دافعت عنه قوى معروفة داخل الحركة، تتساءل عما إذا كان يمكن أن يعود التحالف بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية (الشهر المقبل).
اتّحد الغاضبون من حافظ السبسي ومن النداء فشكّلوا كتلة برلمانية أدت في ما بعد إلى تأسيس حزب جديد برئاسة الشاهد، هو حزب تحيا تونس. وظلّ الشاهد متردداً لفترة طويلة حول مسألة ترشحه للرئاسة من عدمها أو عقد تحالفات تبقيه على رأس الحكومة العتيدة، خصوصاً أن النهضة ألحّت عليه في توضيح موقفه ولمّحت لإمكانية عقد شراكة معه إذا لم يترشح للرئاسة، ولكن موت السبسي أربك حسابات الجميع ووجد الشاهد نفسه يراهن على الرئاسة وعلى أغلبية برلمانية ممكنة بعد الانتخابات التشريعية المقبلة، بهدف تجميع العائلة الوسطية الحداثية، التي فشلت كل محاولات تجميعها سابقاً وتشتتت أصوات مناصريها أمام كثرة الطامحين للرئاسة.
وعكس بقية المرشحين، يواجه الشاهد ملف الحصيلة الحكومية، التي يحاربه بها جميع منافسيه، ولكنه يرد بأن تجربته جعلته يؤمن بأن الإصلاح ممكن، ويعتبر أنه "نجح خلال فترة عمله على رأس الحكومة في تحقيق الكثير من النجاحات، على الرغم من كل الصعوبات التي واجهها ومن ثقل الميراث الذي خلّفته الترويكا". ومن هذه الصعوبات ما لقيه من طبقة سياسية منافقة تسانده في العلن وتعرقل عمله في البرلمان، ومن بينهم من جنّد صفحات إسرائيلية على مواقع التواصل الاجتماعي بكلفة 850 ألف يورو فقط لضربه، وأنه قد خاض معركة ضد التوريث كلّفته الكثير وأنه كان قادراً على القيام بتوافقات مع هؤلاء، غير أنه رفض ذلك. كما واجه خلال فترة عمله في الحكومة "هذه العصابات والمافيا التي تحاول افتكاك السلطة وهدفهم الوحيد هو الحصول على الحصانة"، بحسب تعبيره. واعتبر الشاهد أنه حان الوقت لإعادة الحلم للتونسيين في الخارج وللشباب، خصوصاً في الأحياء الشعبية، من أجل العمل في تونس.
ورهان الشاهد هو على كونه سياسياً شاباً، وهو أصغر رئيس حكومة تعرفه تونس، واستبشر كثيرون بتعيينه آنذاك رغم عدم معرفته. وساعدته في ذلك جولته خلال حملته الانتخابية في كل أرجاء البلاد بنسق مرتفع للغاية، وقال في تصريحات صحافية من الجنوب التونسي إن برنامجه الانتخابي يعتمد على تجاوز العوائق والإشكاليات، مؤكداً على ضرورة تحسين المناخ السياسي في ملفات السياسة الخارجية والدفاع والأمن والمرأة والشباب، وأنه من المهم فتح آفاق في السياسة الخارجية وعلى مستوى العلاقات مع ليبيا والاتحاد الأوروبي. ولفت إلى أنه اعتمد في حملته الانتخابية على الاتصال المباشر مع عموم المواطنين والأهالي بمختلف مناطق الجمهورية، ووجد فيهم عزماً على العمل وتفاؤلاً بالمستقبل. وأبرز منافس للشاهد هو وزير دفاعه عبد الكريم الزبيدي، إذ تبادلا سيلاً من الاتهامات بشأن استغلال مرافق الدولة في الحملة الانتخابية.
ولكن الشاهد وجه، أمس الجمعة، في حوار لإذاعة "شمس"، خطاباً مباشراً لحملة الزبيدي قائلاً لمعاونيه "أنتم تخدعونه.. عدوكم السياسي خارج العائلة الديمقراطية وليس الشاهد، ومهاجمتي خطأ كبير، وربما نحتاج لبعضنا في الدور الثاني".
وذكّر بأن الزبيدي اتهمه باستعمال المال العام وأجهزة الدولة، مشيراً إلى أنه لم يرد على تصريحاته بسبب احترامه للرجل وعلاقته الجيدة معه "ولأنه يحترم هيبة الدولة ومن غير المعقول أن يدخل رئيس الحكومة ووزير دفاعه في جدل بسبب هذه الاتهامات".
واعتبر أن الخصم السياسي المشترك هو الشعبوية وحركة النهضة، ملاحظاً أن 3 أحزاب تكتسح اليوم الساحة السياسية، هي تحيا تونس والنهضة و"حزب المقرونة"، في إشارة إلى حزب قلب تونس.
وعلى الرغم من أن هناك من يتوقع سقوطاً للشاهد وحزبه إذا فشل شخصياً في المرور إلى الدور الثاني، فان المنطق يؤكد أنه لا يزال في بداية الطريق، وأن هذه هي تجربته الانتخابية الأولى.