نهاية الحرب مع "فارك"... سلام كولومبيا خلال ستة أشهر

26 سبتمبر 2015
كاسترو متوسطاً "تيموشنكو" وسانتوس في كوبا (ارنستو ماستراسوسا/Getty)
+ الخط -
يعلو صوت الضجيج كثيراً في أميركا الوسطى وتخوم أميركا الجنوبية، في ما يُعتبر "الحديقة الخلفية" للولايات المتحدة، أخيراً. ليست العلاقة المستجدّة بين كوبا والولايات المتحدة حالة استثنائية، في عام السلام اللاتيني في تلك البقعة من العالم، عكس الشرق الأوسط وأوروبا. هناك في بلادٍ غرقت بموبقاتها وعصاباتها، تستعدّ حكومتها لطيّ صفحة أقدم نزاعٍ في معاقل سيمون بوليفار: بين الحكومة الكولومبية والقوات المسلحة الثورية الكولومبية "فارك".

تسارعت الأمور أخيراً في مسألة النزاع بين الحكومة و"فارك"، بعد توجّه الرئيس الكولومبي، خوان مانويل سانتوس، إلى كوبا قبل أيام، ولقائه زعيم "فارك"، تيموليون خيمينيز، المُلقّب بـ"تيموشنكو"، برعاية الرئيس الكوبي، راوول كاسترو، في إطار محادثات السلام التي بدأتها هافانا في العام 2012. كانت الأجواء إيجابية إلى درجة دفعت سانتوس إلى الإعلان أن "السلام مع فارك سيحصل خلال ستة أشهر". وقال إنه "خلال ستة أشهر سنقول وداعاً نهائياً لآخر وأطول حرب ليس في كولومبيا وحدها، بل في القارة الأميركية". على أن يُلزم الاتفاق المتمرّدين ببدء نزع أسلحتهم في مهلة لا تتجاوز الـ60 يوماً بعد توقيع اتفاق السلام النهائي.
واتضح أن الثمن الفعلي للسلام، تجلّى بإعلان المدّعي العام في بوغوتا، تعليق الملاحقات القضائية المقررة بحق زعيم "فارك" بتهم "ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان"، وتعديل التحقيق بما يتماشى والعدالة الانتقالية. وأبدى تيموشنكو ترحيبه بالأنباء، بقوله "نحن سعداء بأن نعلن أن هذه السلطة القضائية الخاصة بالسلام، تعني كل واحد له علاقة بالنزاع، سواء كان مقاتلاً أو لم يكن مقاتلاً، وليس لطرف من دون آخر".

ومع أن الكولومبيين أبدوا ارتياحهم لهذه الخطوة، إلا أن الرئيس السابق ألفارو أوريبي، رفض الاتفاق، معتبراً أنّ "الحكومة ورئيس المحكمة العليا والمدعي العام، كلهم وافقوا على أن احتجاز الرهائن وإرهاب المخدرات، جرائم يتم التعامل معها كجرائم سياسية. هذا الاتفاق هو بمثابة جائزة لجرائم ضد الإنسانية، كالمجازر التي ارتُكبت، وتفجير السيارات المفخخة، واغتيال نوابٍ".

اقرأ أيضاً: أطفال كولومبيا يكبرون مع السلاح والحرب

تحولات "فارك"

ويُمكن إدراج ما قاله أوريبي في سياق التحوّلات التي رافقت نشوب الحرب بين الحكومة و"فارك" في العام 1964، على خلفية استغلال المحافظين والليبراليين ورجال الأعمال وبموافقة الكنيسة الكاثوليكية، الأراضي الزراعية في كولومبيا. واعتبرت "فارك" نفسها ممثلة للمزارعين وفقراء الأرياف. وشنّت حملات مسلّحة، كلّفت أكثر من 220 ألف قتيل و15 ألف مفقود وستة ملايين نازح في 51 عاماً. كسبت الحركة بصفتها حركة ماركسية، دعماً من الاتحاد السوفييتي السابق وكوبا. ومع سقوط الاتحاد وشحّ التمويل الكوبي، بفعل العقوبات على هافانا، تخلّت الحركة عن "نقاء" نضالها، وعمدت إلى القيام بعمليات خطف مقابل فدية، خصوصاً للأشخاص الأجانب، كالمرشحة عن حزب الخضر في الانتخابات الرئاسية الكولومبية في العام 2002، إنغريد بيتانكور، التي تحمل أيضاً الجنسية الفرنسية. كما دخلت "فارك" سوق المخدرات، لتدرّ حوالي 300 مليون دولار سنوياً.
وساهم "التمويل الذاتي" في استمرارية "فارك" في السنوات الـ24 التي تَلَت سقوط السوفييت، على الرغم من تلقيها ضربات موجعة، واغتيال قادتها ألفونسو كانو، مانويل مارولاندا، جاكوبو أريناس، راوول رييس، إيفان ريوس ومونو خوخوي، في مراحل متفرقة من النزاع. كما أن عديد عناصر الحركة تراجع من 18 ألفاً إلى حوالي السبعة آلاف، وفقاً لآخر المعطيات، وخصوصاً أن الجريمة المنظمة في كولومبيا لا تحتاج إلى الانتساب لتنظيمٍ يساري للقيام بها، لكونها من "أساسيات" البلاد في العقود الماضية.
وساهم لجوء "فارك" إلى الجمع بين عقيدة الدفاع عن حقوق المزارعين والجريمة المنظمة، في ضرب صورتها أكثر لدى من كان مُعجباً بنضالها السابق. وهو ما ساهم في الإسراع بمفاوضات السلام.


حسابات الحكومة

أما الحكومة فلديها حسابات أخرى، بعد غرقها في حروب مثلّثة: ضد "فارك"، ضد العصابات وكارتيلات المخدرات في ميديين وكالي، وضد الفساد الذي نخر المنظومة الحاكمة. يضاف إلى ذلك، أنّ الجيش الكولومبي متورط في قتل ما لا يقل عن 3 آلاف مدني، من دون محاكمة وبشكل ممنهج وواسع النطاق بين عامي 2002 و2008، تحت غطاء محاربة "فارك"، وفق ما ذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في تقرير من 105 صفحات، أصدرته في 25 يوليو/ تموز الماضي.

بالتالي بات أمام الدولة فرصة للخروج من حالة العنف مع "فارك"، للتفرغ لمعالجة بقية الملفات الأخرى، وخصوصاً أن الحدود مع فنزويلا تشهد توتراً أخيراً، بعد تحطّم طائرة فنزويلية مقاتلة، ومقتل قائدها، إثر مطاردتها طائرة من نوع "سوخوي 30"، دخلت المجال الجوي الفنزويلي، من المرجح أنها على صلة بتهريب المخدرات. وقال وزير الدفاع الفنزويلي فلاديمير بادرينو، إن "طائرة دخلت بشكل غير مشروع عن طريق المنطقة الشمالية الغربية في طريقها إلى الجنوب، وهي منطقة تريد عصابات المافيا المرتبطة بتهريب المخدرات، استخدامها في أراضينا، كنقطة توزيع للمخدرات المنتجة في كولومبيا".
لذلك تشير كل المعطيات إلى أن فريقي النزاع لن يتراجعا عن السلام، خصوصاً أن جهود هافانا في السنوات الماضية، تُوّجت بمحطات صغيرة تُمهّد للسلام الآتي، عبر "البدء باستخراج جثث المفقودين في ميديين"، والتي قدّر أحد مسؤولي الحفريات أن يتمّ العثور على "ما بين سبعة وثمانية آلاف جثة". كما أن الاتفاق الموقّع بين الحكومة "وفارك"، في مارس/ آذار الماضي، حول إزالة الألغام والقنابل غير المنفجرة والموجودة في مناطق طالها النزاع، عزّز الاندفاعة نحو السلام الجديد.
الأهم في ملف انتهاء نزاع الحكومة و"فارك"، هو الدور الكوبي الجديد في كولومبيا، على خلفية رفع العقوبات عنها، ومشاركتها في المنظومة الاقتصادية لدول أميركا الوسطى، مع توسيع قناة بنما لكثافة الحركة التجارية فيها. كما أن لكوبا دوراً في فنزويلا أيضاً، بغية إنهاء المشاكل الحدودية العالقة بينها وبين كولومبيا، بما يؤشر إلى أن الاتفاق الكوبي ـ الأميركي، قد يؤدي إلى تسليم كوبا بعض الملفات لمعالجتها، بدلاً من أن يقوم الأميركيون بذلك، كجزء من مرحلة "بناء الثقة" بين حليفين جديدين: واشنطن وهافانا.

اقرأ أيضاً: بابلو إسكوبار.. بارون المخدرات والكرة في كولومبيا

دلالات