هونغ كونغ بقبضة "القانون الصيني": بداية التصعيد أم نهايته؟

28 مايو 2020
عادت الاحتجاجات بقوة لشوارع هونغ كونغ (بيلي كوك/Getty)
+ الخط -
كتبت مجلة "بوليتيكو" الأميركية، يوم الإثنين الماضي، تعليقاً على التطورات والتصعيد الجاري في هونغ كونغ، أن هذه المدينة "لطالما أدركت أنها تعيش في الوقت المستعار، وفي موقعٍ غير مستقر كمستعمرةٍ بريطانية سابقة، تحولت إلى مركز تجاري عالمي، بجانب العملاق الشيوعي". قبل أسابيع قليلة، كانت "بوليتيكو"، وغيرها من وسائل الإعلام الغربية، تتساءل عما إذا كان الرئيس الصيني شي جين بينغ، سيتكمن من تخطي كارثة وباء كورونا المستجد. السؤال لم يطرح حول مستقبل النظام في الصين، بل حول شي تحديداً، الذي كان قبل الوباء قد ثبّت مداميك حكمه، فيما فتح نافذة للتهدئة مع الولايات المتحدة. لكن ما يجري اليوم في هونغ كونغ، بعد انتهاء "هدنة كورونا" ومرور عام على أصعب اختبار للمدينة بين الديمقراطية والعودة إلى الحضن الصيني، يشي بأن مرحلة أكثر تشدداً من التصميم الصيني على التحول إلى الهجوم، قد دخلت حيّز التنفيذ، وأن وعد شي بـ"التجديد الوطني"، بعد قرن من "الإهانة الوطنية"، لا يزال سارياً، وقد استمدّ جرعة دعمٍ من الفوضى التي يغرق بها العالم جرّاء الوباء. وليس القانون الأمني لهونغ كونغ، الذي من المتوقع أن يقر مجلس الشعب الصيني مسودته اليوم الخميس، إلا بداية الضغط على "الزر النووي" بحسب تعبير "بوليتيكو"، بعدما أعلن الصينيون أن بلدهم على حافة حرب باردة جديدة، مع الولايات المتحدة. من هذه الزاوية، لا تزال هونغ كونغ، على الرغم من التصعيد أيضاً في بحر الصين الجنوبي، وتايوان، وورقة التصعيد الكوري الشمالي، الأنسب صينياً لما تصفه بـ"صد المؤامرات الخارجية".

وتوالت التحذيرات الدولية خلال اليومين الماضيين، من فقدان هونغ كونغ موقعها المالي، إذا ما تمكنت الصين من إحكام قبضتها الحديدية عليها، بموجب مشروع القانون الأمني الذي تقول بكين إنها تأمل دخوله حيّز التنفيذ فوراً، وهددت واشنطن بسحب المعاملة الخاصة التجارية للمدينة رداً عليه. هذه التحذيرات، التي قد تفضي إلى فرض عقوبات أميركية على مسؤولين صينيين ومن هونغ كونغ، لا يُرجح في المقابل أن تؤدي إلى أي تراجع في ما يحضر صينياً للمدينة. إذ تستبق بكين، من جهتها، بأعوام كثيرة، العام 2047، التاريخ المحدد لعودة هونغ كونغ إليها، بموجب الاتفاق مع بريطانيا منذ 23 عاماً، فالقانون الجديد الذي اقترحه رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ، للمدينة، يلغي فعلياً الدرجة العالية من الحكم الذاتي والحريات الممنوحة لهونغ كونغ، بموجب إطار "دولة واحدة في نظامين". وبدأ الجدل يدور في الدوائر الغربية، حول "خيانة" الصين لهونغ كونغ والاتفاق مع بريطانيا، وبداية "انتهاء" حلم هونغ كونغ كما عرف طوال عقود. وليس معروفاً ما إذا كان التصعيد الصيني قد يؤدي إلى بتر أي محاولة في هونغ كونغ للتصعيد مجدداً، أم سيجعل المعركة مفتوحة أكثر بين الصين وخصومها، في داخل هونغ كونغ وخارجها. 

ومن المفترض أن يوافق البرلمان الصيني اليوم على مسودة مشروع قانون يحظر الانفصال والتخريب والإرهاب والتدخل الأجنبي في هونغ كونغ، تحت عنوان "تأسيس وتحسين النظام القانوني وآلية التنفيذ في هونغ كونغ لحماية الأمن القومي"، وتتبناه الهيئة التشريعية في المدينة. ويأتي ذلك بعد أشهر من الاحتجاجات الضخمة فيها، للمطالبة بالديمقراطية، والتي خرجت رداً على مشروع سابق يقوي نفوذ السلطة المحلية التابعة لبكين، كما يقضي بتسليم مطلوبين إلى الصين.


ولم يتم الكشف بدقة بعد عن محتوى مشروع القانون الأمني، لكن البرلمان الصيني استعرض تفاصيله الأولية الأسبوع الماضي، ويقول محللون إنه يمكن تطبيقه في الصيف. وإذا كانت بعض المخاوف تتمحور حول بندٍ يسمح لرجال الأمن الصينيين بالعمل في هونغ كونغ، ما يبعث الخشية من أن يؤدي ذلك إلى قمع أولئك الذين يعبرون عن مواقف معارضة لبكين، إلا أن التعريف الفضفاض لـ"التخريب"، والذي يخيم عليه اتهام بكين للغرب بتنفيذ مؤامرة في هونغ كونغ، يجعل من دخول الجيش الصيني مباشرة إلى هونغ كونغ أمراً وارداً، ما يعني إعلاناً غير مباشر من الصين بانتهاء مرحلة العمل "بالوكالة" في هذه المدينة. وتنص المادة 23 من "القانون الأساسي" الذي يستخدم منذ عقدين كشبه دستور للمنطقة، على أن تضع هونغ كونغ بنفسها قانوناً حول الأمن، إلا أن هذا البند لم يطبق يوماً، لأن جزءاً كبيراً من سكان المدينة يرون في قانون من هذا النوع تهديداً لحرياتهم. وكانت آخر محاولة للسلطة التنفيذية لتطبيق المادة 23 أخفقت في العام 2003 بعد تظاهرات حاشدة. ويخشى معارضو النص أن تدرج فقرة فيه تسمح لرجال الأمن الصينيين بإجراء تحقيقات في هونغ كونغ مع نظرائهم في المنطقة، ما يرون فيه مقدمة لقمع أي معارضة في المنطقة.

وناقشت الهيئة التشريعية في هونغ كونغ أمس الأربعاء، أيضاً، مشروع قانون يحظر إهانة النشيد الوطني الصيني. وفيما تتوالى هذه القوانين، في إطار القبضة الحديدية الصينية، كان "المؤيدون للديمقراطية" قد حققوا فوزاً في الانتخابات المحلية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فيما لا تزال بكين ترفض مطالبهم بتنظيم انتخابات حرة وإجراء تحقيق في عنف الشرطة، أو العفو عن 8300 شخص أوقفوا منذ بداية التظاهرات. هذا علماً أن عودة التوترات إلى المنطقة بدأت مع توقيف 15 شخصية معتدلة من الحركة المؤيدة للديمقراطية في 18 إبريل/نيسان الماضي، لمشاركتهم في تظاهرات 2019، وكذلك بسبب جدل يتعلق بالمؤسسات بدأ في بيان لمكتب الارتباط، ذراع حكومة بكين في هونغ كونغ، يلمح إلى أن عرقلة المعارضة عمل المجلس التشريعي (برلمان هونغ كونغ)، يمكن أن تؤدي إلى ملاحقتها.

وقال قائد منطقة هونغ كونغ في جيش التحرير الصيني، شين داوتشيانغ، أول من أمس، إن حامية هونغ كونغ العسكرية، "تقف مستعدة بتصميم قوي لفرض قرارات وخطط السلطة المركزية". وجاء حديثه للتلفزيون الصيني، مصاحباً بشريط فيديو يظهر تدريبات لبحرية الجيش الصيني في ميناء فيكتوريا في المدينة، وتدريبات أخرى، فيما كان شي جين بينغ قد أكد الثلاثاء في اجتماع مع أعضاء من الحزب التصميم على اتخاذ الإجراءات المناسبة ضد كل ما يمس الأمن القومي. ويقدر دبلوماسيون أجانب لصحيفة "وول ستريت جورنال"، عدد أفراد حامية هونغ كونغ الصينية بين 8 آلاف و10 آلاف عنصر. وكتب الخبير في الشؤون الصينية جيروم كوهين، على موقعه هذا الأسبوع، أن "الوضع في هونغ كونغ، من وجهة نظر الصين، يذهب إلى الأسوأ، على الرغم من الهدنة التي أرساها كورونا. وإذا ما سمح له بالتمادي، من دون أي محاولة لقمعه، فإن الآفاق للخريف المقبل تشي بالنسبة لبكين بأن هونغ كونغ تذهب أكثر فأكثر للخروج من قبضة الحزب الشيوعي".

وسط هذه القوانين والإجراءات، عادت التظاهرات بقوة إلى شوارع هونغ كونغ، وهي لا تزال تُقابل بعنف من الشرطة. من جهتها، تجيب الرئيسة التنفيذية لهونغ كونغ، كاري لام، على أي تساؤل حول القانون الصيني الجديد، ومدى تقويضه للحريات في المدينة، وإمكانه فتحه المجال لدخول الجيش الصيني، بعبارة "هذا نسج من الخيال"، في محاولة لطمأنة قطاع الأعمال والمستثمرين. وتصر لام على تأكيد أن القانون يستهدف "حفنة قليلة من المخالفين"، فيما اعتبر فرع وزارة الخارجية الصينية في هونغ كونغ، أن بعض الأفعال التي وقعت خلال احتجاجات المدينة، كانت "ذات طبيعة إرهابية" وشكلت "خطراً وشيكاً". 

وفيما كان الكونغرس الأميركي يتجه لفرض عقوبات "رادعة" على بكين، رداً على إجراءاتها في هونغ كونغ، وعلى انتهاكها حقوق الإنسان في ملف أقلية الإيغور، وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أول من أمس الثلاثاء، بأن يعلن بحلول نهاية الأسبوع عن إجراءات وصفها بـ"المثيرة جداً للاهتمام"، ردّاً على مشروع قانون الأمن القومي الصيني، فيما تراجعت أسعار النفط أمس الأربعاء نتيجة التوترات الأميركية – الصينية. كما شهدت بورصة هونغ كونغ أكبر انخفاض لها منذ خمس سنوات.

وردّاً على سؤال حول إمكان فرض عقوبات على بكين على خلفية القضيّة، قال ترامب "نحن نعدّ شيئاً في الوقت الحالي"، مضيفاً "أعتقد أنكم ستجدون هذا مثيراً جداً للاهتمام، لكنني لن أتحدث عنه اليوم، بل خلال الأيام المقبلة"، من دون أن يحدد ما إذا كان الردّ الذي يتحدث عنه سيشمل عقوبات. وحول ما إذا كان سيوافق على مشروع قانون الكونغرس، اكتفى ترامب بالقول إنّه سيدرس هذه الإمكانيّة "عن كثب"، مشيراً أيضًا إلى أنه قد يرفضه. بدورها، رأت المتحدثة باسم الرئاسة الأميركية كايلي ماكيناني، أنه "من الصعوبة تصور كيف يمكن لهونغ كونغ أن تبقى عاصمة مالية إذا سيطرت الصين" عليها، مؤكدة أن هذا التحذير صادر من ترامب نفسه في ضوء "استيائه" من مشروع بكين.­­­ من جهته، وصف المستشار الاقتصادي لترامب، لاري كودلو، تصرفات الصين بأنها "مزعجة للغاية"، كما وصف وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مشروع بكين بأنه "كارثي".

كذلك، شدد الاتحاد الأوروبي على أنه "ينبغي على الصين احترام الحكم الذاتي في هونغ كونغ". وقال رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، إن أوروبا تدعم مبدأ "دولة واحدة ونظامان" الذي يحدد الحكم الذاتي للمدينة. لكن متحدثة باسم المفوضية الأوروبية، اعتبرت أنه من السابق لأوانه قول إن كان التكتل سيبحث فرض عقوبات على بكين، فيما رأى وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوسيب بوريل أن التكتل يحتاج إلى "استراتيجية أكثر قوة" مع بكين. كذلك أصدرت بريطانيا وكندا وأستراليا بياناً مشتركاً عبّرت فيه عن قلقها إزاء مقترحات الصين لفرض تشريع للأمن القومي في هونغ كونغ. ودخلت تايوان على خط الأزمة، إذ أكدت رئيستها تساي إينغ وين إن بلادها ستقدم لشعب هونغ كونغ "المساعدة اللازمة".

من جهتها، حذرت الصين من أنها ستتخذ إجراءات مضادة إذا أصرت الولايات المتحدة على تقويض مصالحها المتعلقة بهونغ كونغ. وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية تشاو ليجيان إن الولايات المتحدة تحاول الإضرار بالأمن القومي الصيني. وأكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي، إن التشريع الجديد لن يكون له تأثير على الحريات أو الحقوق أو مصالح الشركات الأجنبية في المدينة.

بين "البكائية" الدولية على حلم هونغ كونغ، والتصميم الصيني على المضي في الهجوم، يبدو التصعيد في المدينة "بروفة" لتصعيد أكبر، ليس واضحاً بعد من يضغط فيه على "الزر" أولاً: الصين أم الولايات المتحدة؟

 

 

المساهمون