أحزاب دينية تخوض الانتخابات الباكستانية: مشهد جديد برعاية الجيش؟

25 يوليو 2018
فرص نجاح الأحزاب الدينية في الانتخابات ضئيلة(عارف علي/فرانس برس)
+ الخط -
رغم تأكيد الجيش الباكستاني مراراً أنه لن يتدخّل في الانتخابات العامة المقررة اليوم الأربعاء، ونفيه ما تروّجه وسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام عن أنه يعمل لصالح أحزاب ضد أخرى، واعتباره ذلك محاولة لتخريب سمعته، غير أن الواقع يؤكد أن المؤسسة العسكرية لن تترك الأمور السياسية تسير بعكس إرادتها. فالإجراءات القضائية ضد أحزاب معروفة بمعارضتها لسياسات الجيش من جهة، ومجيء أحزاب دينية متشددة إلى الواجهة في الانتخابات من جهة أخرى، عاملان يعززان الاتهامات بأن للجيش حساباته السياسية، وأنه يستخدم كل الأوراق لإدارة شؤون البلاد بصورة غير مباشرة. كما لا يستبعد البعض أن تأتي كل تلك التطورات، وتحديداً خوض الأحزاب الدينية المتشددة الانتخابات، كاستعداد لما قد تشهده المنطقة من تغيرات في المستقبل القريب.

ووُضعت باكستان الشهر الماضي في القائمة الرمادية للهيئة الدولية "قوة المهام للعمل المالي" المعنية بمكافحة غسل الأموال، بعدما فشلت إسلام أباد في إقناع الهيئة بأنها تبذل جهوداً حثيثة في مكافحة الإرهاب وغسل الأموال. ويُتوقع أن تعقد الهيئة جلسة أخرى لأعضائها في سبتمبر/أيلول المقبل، في ظل خشية باكستان من إدراجها ضمن القائمة السوداء. وسيشكل ذلك، إذا حدث، ضربة قوية لاقتصاد البلاد.

وفي خضم كل هذه التطورات وارتفاع وتيرة الضغوط على باكستان على مستوى المنطقة والعالم، يطرح خوض أحزاب دينية متشددة الانتخابات العامة لأول مرة في تاريخ البلاد، تساؤلات كبيرة عن أسبابه وتداعياته. فوسط نقاشات كبيرة في الساحة السياسية، باشرت جماعتان دينيتان معروفتان بالتشدد، نشاطهما السياسي، وأطلقتا حملتيهما الانتخابيتين، وهما جماعة "حركة الله أكبر"، وجماعة "لبيك يا رسول الله". الأولى يقودها المطلوب المعروف عالمياً حافظ سعيد. الجماعة في الحقيقة اسم سياسي لـ"جماعة الدعوة" أو "جيش طيبة" المحظورة، التي تنشط في الشطر الهندي من إقليم كشمير ضد القوات الهندية، وتساند مسلحي كشمير علناً. وزعيمها حافظ سعيد محط نقاشات طويلة، فهو متهم بالتخطيط لهجمات مدينة مومباي الهندية في العام 2008 والتي راح ضحيتها 166 شخصاً، بينهم ستة مواطنين أميركيين.

ووضعت الولايات المتحدة مكافأة مالية قدرها عشرة ملايين دولار لمن يساعد في القبض على حافظ سعيد، كما صنّفت الخارجية الأميركية في إبريل/نيسان من العام الحالي "جيش طيبة" ضمن الجماعات المحظورة. واحتُجز حافظ سعيد من قبل السلطات الباكستانية ووُضع تحت الإقامة الجبرية في يناير/كانون الثاني الماضي، قبل أن يُطلق سراحه بعد فترة بحكم قضائي، ليبدأ في المشروع السياسي والاستعداد لخوض الانتخابات. يتبنّى حافظ سعيد الفكر السلفي الجهادي، ويعترف علناً بدعمه للقتال ضد القوات الهندية في كشمير وضد القوات الأفغانية والدولية في أفغانستان. من هنا دارت نقاشات طويلة على المستويين الإعلامي والسياسي حول القرار القضائي الذي سمح له بخوض الانتخابات العامة والنشاط السياسي.


أما الجماعة الثانية وهي جماعة "لبيك يا رسول الله"، فهي أيضاً تُعد من الجماعات المتشددة، ولكنها على نقيض الجماعة الأولى، رائدة الفكر الصوفي البريلوي، المعروف في شبه القارة الهندية بمعارضته للفكر السلفي. قائد هذه الجماعة هو رجل الدين المعروف خادم حسين رضوي. صعد نجم رضوي بعدما قتل أحد أتباعه ويدعى ممتاز قادري، حاكم إقليم البنجاب سلمان تأثير في يناير/كانون الثاني من العام 2011 في العاصمة إسلام أباد، لأن تأثير كان يدعو ويعمل للإفراج عن امرأة مسيحية اتُهمت بالإساءة للدين الإسلامي وكانت تنتظر حكم الإعدام. كان تأثير يدعو للإفراج عنها مع إجراء تغيير في قانون الإساءة للدين، فقام حارسه الشخصي بقتله. وعندما قامت السلطات الباكستانية بتنفيذ حكم الإعدام في حق قادري في فبراير/شباط من العام 2016، أعلن رضوي عن تظاهرات واحتجاجات في البلاد ومن ثم انطلق حزبه "لبيك يا رسول الله".

وعندما سعت الحكومة الباكستانية لإجراء تغييرات في بعض القوانين، منها القانون الذي يطلب من المسؤولين الحكوميين أن يقروا عند اليمين الدستورية أنهم مؤمنون بالنبي محمد، نفذ رضوي وأتباعه اعتصاماً مفتوحاً في العاصمة إسلام أباد وفي مدينة راولبندي لمدة ثلاثة أسابيع في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي. وأرغمت التظاهرات الحكومة على إقالة وزير القانون زاهد حامد، والموافقة على عدم إجراء تغيير في القانون.

شاركت حركة رضوي في الانتخابات الفرعية عام 2017 ولكنها لم تنجح بالحصول على أي مقعد، فيما تشارك لأول مرة في الانتخابات العامة. وعلى الرغم من أن فرص نجاحها هي و"حركة الله أكبر" في الحصول على مقاعد في البرلمان المركزي والبرلمانات الإقليمية، ضئيلة، فإن وجودهما في الانتخابات له تأثير وتبعات. وتثير مشاركة الجماعتين في الانتخابات مخاوف من أن تؤدي إلى الإساءة لسمعة البلاد عالمياً، عبر تقوية الادعاءات بأن باكستان تموّل الإرهاب، خصوصاً أن حافظ سعيد متهم في قضية هجمات مومباي ومطلوب للولايات المتحدة واعتقلته السلطات أكثر من مرة.

ثمة حقيقة واضحة هي أنه رغم كل المخالفات السياسية والوضع السائد، لا يمكن لمثل هذه الجماعات أن تنطلق بنشاطها السياسي إلا بدعم قوي، وهذا الدعم في اعتقاد الكثيرين هو من المؤسسة العسكرية. وهناك تفسيرات كثيرة لذلك الأمر، منها أن الجيش والاستخبارات الباكستانية يستعينان دائماً بالفكر الديني والجماعات الدينية عند الأزمات في المنطقة، ولترسيخ سياستهما في الداخل وفي المنطقة. فتلك وسيلة للضغط على الأحزاب السياسية القوية في البلاد، خصوصاً المنفتحة، ومنها حزب "الشعب" الباكستاني وحزب "الرابطة الإسلامية"، وكلاهما معروفان بمناهضتهما لسياسات الجيش.

علاوة على ذلك، قد يكون هذا الأمر استعداداً لما قد يحدث في المنطقة من التطورات. وكأن الجيش والاستخبارات يوجّهان رسالة إلى القوى العالمية، خصوصاً الولايات المتحدة، مفادها أنهما لا يتحكمان بكل الأمور وأن هناك أحزاباً متشددة في الساحة السياسية، وبالتالي الرضوخ لكل المطالب الأميركية ليس بالأمر السهل. ولكن يبقى السؤال هل ستقبل واشنطن وحلفاء باكستان الدوليين بذلك، في حين أن المطلب الأساسي لهؤلاء هو القضاء على التنظيمات المتشددة كلها من دون استثناء؟