رفسنجاني... رفيق المرشد المشاكس هل يرأس مجلس الخبراء؟

10 مارس 2015
رفسنجاني: سأترشح إذا لم أرَ في المرشحين الكفاءة(فرانس برس)
+ الخط -
لا يغيب اسم علي أكبر هاشمي رفسنجاني عن تاريخ أي مرحلة حاسمة مرت بها الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ تأسيسها عام 1979. لطالما تواجد الرجل في معظم مفاصل العمل السياسي في إيران. هو الشخصية التي أدت دوراً محورياً في العديد من ملفات البلاد، وما تزال حتى اليوم محط أنظار الجميع رغم تقدّمه في السن، ورغم الجدل الذي يتعرض له هو وأبناؤه بين الفينة والأخرى.

لا يمكن أن يُحسب رفسنجاني على تيار معين في إيران، فهو لا ينتمي إلى حزب. وتجربته ومواقفه السياسية لا تسمحان بتصنيفه كمحافظ أو إصلاحي. لهذا، بات الرجل ظاهرة تلتف حولها شخصيات من كل التيارات السياسية الإيرانية، إذ إنّه يمثل خط الاعتدال في السياسة والدين على حدّ سواء.

وُلد رفسنجاني عام 1934 في رفسنجان الواقعة في محافظة كرمان جنوب غربي إيران، لعائلة ثرية من التجار والمزارعين، إذ يعمل معظم أفرادها في تجارة الفستق التي تشتهر بها تلك المنطقة. وما إن بلغ الرابعة عشرة حتى انتقل إلى قم لدراسة العلوم الدينية، وتقرّب تدريجياً من أفكار الإمام الخميني، المعارضة لحكم الشاه البهلوي. وبعد نفي الخميني إلى خارج إيران، لعب رفسنجاني دوراً كبيراً في تحريك "الثوار" في الداخل، واعتُقل لهذا مرّات. غير أنّ ذلك شكّل سبباً بعد انتصار الثورة ليكون عضواً رئيسياً في العديد من مراكز صنع القرار، فتولى حقيبة الداخلية إبان انتصار الثورة مباشرة، ثم رئاسة مجلس الشورى الإسلامي لأعوام. وساهم في كتابة الدستور الجديد للبلاد، كما شارك في تشكيل قوات الحرس الثوري في السنوات الأولى من عمر الجمهورية الجديدة. وبقي لأعوام طويلة، أحد أبرز أئمة صلاة الجمعة الذين يتوجهون للمواطنين بخطب دينية وسياسية كل أسبوع، ما جعله واحداً من الشخصيات المؤثرة في الجمهورية.

لطالما كان رفسنجاني مقرّباً من المرشد الأعلى الحالي علي خامنئي. وإن تقارب في محطات مع اليسار ووقف إلى جانب الإصلاحيين لاحقاً، ولم يقف ضدّ احتجاجاتهم عام 2009، غير أنّه يعتبر "الثورة الإسلامية" خطاً أحمر لا يزال يدافع عنها في كل المحافل، وإن كانت له مآخذ على بعض الشخصيات المحافظة في البلاد. وتقدّم رفسنجاني المتظاهرين أخيراً، والذين خرجوا لإحياء ذكرى انتصار الثورة الإسلامية السادسة والثلاثين في 11 من فبراير/شباط الجاري.

شكلت الفترة الأخيرة من الحرب العراقية ــ الإيرانية محطة حاسمة في التاريخ السياسي لرفسنجاني. كان قد بدأ حينها يُعرف دولياً، بعدما عُين قائماً بأعمال قائد القوات المسلّحة. ومباشرة بعد توليه للمنصب آنذاك، وافقت إيران على قرار مجلس الأمن الدولي القاضي بإنهاء الحرب مع العراق عام 1989. ويقول المؤرخون إنه أقنع الخميني بإنهاء هذه الحرب بعد استمرارها ثماني سنوات.

اقرأ أيضاً: إيران: إسرائيل عاجزة عن شن حرب والتفاوض النووي مستمر

يظل مشهد رفسنجاني المنادي بالتقارب مع الولايات المتحدة، وفقاً لمعايير تقوم على الندية والاحترام المتبادل، وهو واقف بالقرب من  خامنئي، وهما يتفقدان حطام الطائرات الأميركية التي سقطت في صحراء طبس الإيرانية بعد تعرضها لعاصفة رملية ضارية، ماثلاً عند تحديد ملامح شخصيته السياسية. كانت تلك الطائرة الأميركية تنوي القيام بعملية لتحرير الرهائن الأميركيين المحتجزين في مبنى السفارة، والتي اقتحمها طلاب إيرانيون إبان انتصار الثورة، وهي الحادثة التي أدّت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وقادت إلى فرض حظر أميركي على إيران حتى اليوم.

ومع تولي رفسنجاني منصب رئيس الجمهورية عام 1989، بدأت دورة إعادة الإعمار والبناء في إيران تزامناً مع إحياء العلاقات المجمدة، وهي المرحلة التي استمرت طيلة الدورتين الرئاسيتين لرفسنجاني. وخلال هذه المرحلة، ظهر خطابه بوضوح للجميع، فالرجل "المعتدل" بالمعايير الإيرانية، المؤيد للثورة بمبادئها الإسلامية، ينادي بالانفتاح، ويؤمن بأن العلاقات الاقتصادية بين أي طرفين تفتح بالنتيجة باب علاقات سياسية مميزة، والنهوض بإيران بعد سنوات الحرب يتطلب جهداً وسياسة من هذا القبيل، فما الضير من فتح باب العلاقات مع الغرب والولايات المتحدة، كما يقول.


تُرجمت رؤية رفسنجاني في توقيع عقود نفطية مع شركات أميركية. غير أنّه لم يستطع تطبيع العلاقات، ولا عقد لقاءات على مستوى عال. عاد وطرح شعار فتح العلاقات مع الولايات المتحدة عند ترشحه لمنافسة الرئيس المحافظ السابق، محمود أحمدي نجاد، في رئاسيات عام 2005. وإن لم ينجح في تطبيق شعاره شخصياً، غير أن الرئيس الحالي، حسن روحاني، المحسوب على خطه، تواصل مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ووزير خارجيته، جون كيري، وعقد لقاءات متتالية لبحث الملف النووي الإيراني، وبصورة ثنائية.

علاقات رفسنجاني مع السعودية شخصية ومميزة أيضاً، وهو الذي قام بزيارة تاريخية إلى المملكة خلال دورته الرئاسية. كما زار الملك السعودي الراحل، عبدالله بن عبد العزيز، منزل رفسنجاني لدى زيارته التاريخية لإيران عندما كان ولياً للعهد. وها هو اليوم يتحدث عن ضرورة تعزيز العلاقات مع المملكة، من ذات المبدأ الذي يقوم على ضرورة فتح أبواب العلاقات لتعزيز مكانة إيران الإقليمية والدولية.

رفسنجاني الذي شغل، سابقاً، منصب رئيس مجلس خبراء القيادة، الذي يشرف على عمل المرشد الأعلى، يتولى اليوم رئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام المتشكل من أبرز المسؤولين وصناع القرار الإيرانيين، ويظهر اسمه بقوة على الساحة اليوم، بعد توقع البعض بتقديم ترشيحه لرئاسة مجلس الخبراء التي تجري انتخاباته اليوم. غير أنّ أعضاء المجلس الذين يختارون رئيسهم، اليوم الثلاثاء، يتوقعون في معظهم تولي هاشمي شاهرودي، نائب الراحل محمد رضا مهدوي كني. لكن رفسنجاني كان واضحاً بالقول، إنه سيتقدم للترشح إذا لم يرَ في المرشحين الكفاءة والأهلية لإدارة هذا المنصب الحساس.

يملك رفسنجاني هيبته في هذا البلد. غير أن شخصيته تبقى محط الأنظار وتتعرض للانتقادات في بعض الأحيان. وفي هذا السياق، يبرز أحد الملفات التي فتحها الرئيس المحافظ السابق، محمود أحمدي نجاد، خلال مناظراته مع مرشحين رئاسيين آخرين خلال رئاسيات عام 2009، واتهم فيه عائلة رفسنجاني بالفساد. وتحضر في هذا الإطار، محاكمة ابنه مهدي هاشمي، الذي وجهت له تهم اقتصادية تتعلق بتلاعبه بعقود نفطية دولية بالدرجة الأولى، كما نقلت مصادر قضائية إيرانية، فضلاً عن اتهامه باستخدام أموال غير شخصية لتمويل دعاية والده الانتخابية عام 2005. إضافة إلى ذلك، فان ابنته، فائزة رفسنجاني، اعتقلت سابقاً بعد اتهامها بالقيام بنشاط دعائي وُصف بأنّه ضدّ الجمهورية الإسلامية خلال احتجاجات عام 2009، التي أثارها مناصرو المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي، إثر تشكيكهم في نتائج الانتخابات التي فاز بها نجاد بدورة رئاسية ثانية.


لكن رفسنجاني الذي قال، إنه لا يتدخل في عمل أولاده أوضح، أنه حرص على "التزامهم بالدين والأخلاق"، مطالباً السلطات باتخاذ القرار في حقهم بعد جمع الأدلة بعيداً عن أجواء المشاحنات السياسية.

قد يتعرض رفسنجاني لانتقادات بعض المتشددين من المحافظين بسبب مواقفه الموالية للإصلاحيين في بعض الأحيان، لكن فوز روحاني بالرئاسة، العام الماضي، يعني فوزاً لرفسنجاني نفسه، ويعني أيضاً حضوره من جديد على الساحة بعد سيطرة المحافظين التي دامت ثماني سنوات. ومن المتوقع استمرار التنافس في إيران خلال الاستحقاقات الانتخابية المقبلة سواء في البرلمان أو في مجلس الخبراء، والتي يبدو أن الطيف المعتدل الذي يمتلك حالياً أوراق القوة، سيكون له حظوة خاصة في كل الأماكن، مما يعني استمرار حضور رجل الاعتدال.

اقرأ أيضاً: غبار الأحواز يعصف بين سياسيي إيران
المساهمون