احتجاجات أردنية ثلاثية الأبعاد: ثورة الجياع واردة

13 مارس 2019
اتهامات لحكومة الرزاز بعدم حل مشكلات الأردنيين (فرنس برس)
+ الخط -
تعيش الدولة الأردنية بمكوناتها المختلفة ترقّباً حذراً، بسبب حالة الغضب والاحتقان العام التي تشهدها المملكة، والتي ترجمت في أكثر من تحرّك احتجاجي، في محاولة للضغط على السلطات لاتخاذ خطوات جدية باتجاه الإصلاح السياسي، وإيجاد حلول لأبرز المطالب، وأهمها قضية العاطلين عن العمل، فضلاً عن إيجاد حلول للأزمات الاقتصادية الأخرى، على أن تتجنّب تقسيم المواطنين إلى طبقات. وتكشف ثلاث قضايا رئيسية عن اتساع الهوة بين فئات واسعة من المواطنين الأردنيين من جهة، والحكومة ومؤسسات الدولة من جهة أخرى. وتتلخّص هذه القضايا في مسألة المعطلين عن العمل، وحراك القبائل، والتعيينات في المناصب الحكومية. وفي حال فشلت الدولة الأردنية في إدارة هذه الأزمات، فإن الأوضاع تنذر بحالة من عدم الاستقرار، خصوصاً في ظلّ ارتفاع وتيرة الاحتجاجات والتحوّلات التي طرأت على طبيعتها، تحديداً في ما يتعلّق بتصعيد لغة الخطاب النقدي الموجه للدولة ومؤسساتها.
 
المعطّلون عن العمل
يواصل الشباب المعطلين عن العمل من محافظة معان اعتصامهم أمام الديوان الملكي في العاصمة عمّان، للمطالبة بالحصول على وظائف. وكان الاعتصام قد بدأ في 22 فبراير/ شباط الماضي بعدما انطلق المشاركون بمسيرة على الأقدام استمرت أياماً من مدينة معان (نحو 220 كيلومتراً جنوب عمّان)، والتي شهدت بدورها إضراباً عاماً أول من أمس الإثنين، فيما أغلق محتجون خلال الأيام الماضية طريق المريغة العقبة في المحافظة، وكذلك مسربي الطريق الصحراوي النافذ من بلدة الحسينية، تضامناً مع المعطلين عن العمل والمعتصمين أمام الديوان الملكي.

وقام المحتجون بإشعال الإطارات المطاطية ووضع الحجارة في منتصف مسربي الطريق الدولي، لتقوم الأجهزة الأمنية لاحقاً بالتعامل مع المحتجين، وإعادة فتح الطرق، لتشكّل هذه التطورات تصعيداً غير مسبوق في إطار قضية المعطلين عن العمل. وتشكّل قضية أبناء معان وشباب المحافظات المعطلين عن العمل، والذين نفذوا مسيرات راجلة إلى قلب العاصمة عمّان، وانعكاساتها، واحدة من أهم القضايا ذات الأثر الواسع على المزاج الشعبي. فقضية البطالة هي قضية نحو نصف مليون شاب وشابة في الأردن، 390 ألفاً منهم لديهم طلبات توظيف في ديوان الخدمة المدنية، وهي المؤسسة الحكومية المسؤولة عن توظيف الأردنيين في مؤسسات الدولة. وبدلاً من استيعاب الحكومة للمعتصمين وتهدئتهم، تتّخذ بعض الأطراف خطوات تساهم في إشعال فتيل الاحتجاجات، ومنها ما جرى من محاولات لتشويه صورة المعتصمين، بدلاً من الاستجابة لمطالبهم.

 
بيانات القبائل
أمّا القضية الأخرى، فتنطلق من حواضن اجتماعية، وتتعلّق تحديداً بالقبائل والعشائر التي تشكّل ركيزة أساسية من ركائز الاستقرار للنظام السياسي في الدولة الأردنية. وقد صدرت أخيراً بيانات عن بعض العشائر الأردنية، ذات سقوف عالية، مطالبةً بتغيير النهج والسياسات. وفي هذا الإطار، صدر يوم السبت الماضي بيان موقّع باسم أبناء عجلون، أكّد تأييد ما صدر في بيانات معارضة سابقة، وأشار أصحابه إلى أنهم "يقفون كتفاً إلى كتف مع مطالب أحرار قبيلة بني حسن وأحرار قبيلة بني عباد، ومشاركتهم في المسيرة المليونية في يوم الأرض الأردنية" المنوي انطلاقها في الثاني من مايو/ أيار المقبل. وطالب البيان بتشكيل حكومة إنقاذ وطني، تهدف إلى "تعديل التشوّهات الدستورية وتأميم المؤسسات والمقدّرات الوطنية التي تمّ بيعها، وفتح ملف التحوّل الاقتصادي ومحاسبة جميع المتورطين فيه، واسترداد الأموال المنهوبة من الفاسدين ومحاسبتهم". بالإضافة إلى المطالبة بـ"إعادة هيكلة رواتب المسؤولين والنافذين، وردّ اعتبار أبناء الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة من حيث الرواتب والمزايا".

وقال البيان إنّ "الأردن ليس عمّان"، مطالباً بأن "تحظى المحافظات بحقوقها التنموية، أسوة بالعاصمة، مع وقف التعيينات كافة المبنية على علاقات شخصية، وبعيدة عن الكفاءة، على حساب نصف مليون أردني عاطل عن العمل".
ويأتي بيان أبناء عجلون بعد أسبوع من بيان صادر باسم "حراك أحرار قبيلة بني حسن"، وهي القبيلة الكبرى من حيث عدد السكان في الأردن. وتحدث بيان بني حسن عن "مهلة أخيرة للحكومة ومؤسسات الدولة، لكي يستعيد الشعب الأردني كرامته وحقّه في حماية نفسه وأرضه"، مطالباً بـ"تشكيل حكومة إنقاذ وطني". كذلك حمل البيان دعوة للأردنيين إلى المشاركة في "مسيرة مليونية لمواجهة الفاسدين"، معتبراً أنّ الأزمة في البلاد هي "أزمة إدارة الحكم وليس إدارة الحكومة".

وفي السياق ذاته، أصدرت قبيلة بني عباد، وهي ثاني أكبر القبائل الأردنية، بياناً أعلنت فيه دعمها الكامل لكل ما ورد حرفياً في بيان قبيلة بني حسن، داعيةً جميع الأردنيين إلى "التصدي للفاسدين". وفي حين لا تكشف بيانات القبائل الأردنية عن عدد الموقعين عليها، إلا أنها تكشف أنّ هناك حراكاً وغضباً بدأ في أوساط الركائز التقليدية للدولة، والتي كانت ذات ولاء مطلق للحكومات وسياساتها، كما كانت تعتبر نقد الحكومات معارضة للدولة ونظامها. 

التعيينات
أمّا قضية التعيينات، فتأخذ طابعاً سجالياً أكبر، إذ أثارت معلومات حول توجّه وزارة الخارجية الأردنية التي لم تنف أو تؤكد المعلومة، لتعيين لينا عناب وزيرة السياحة السابقة، سفيرة في اليابان، بعد أن قدّمت استقالتها من منصبها في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بسبب إدانتها بالمسؤولية عن فاجعة البحر الميت التي راح ضحيتها 22 مواطناً، مشاعر غضب من قبل الأردنيين تجاه حكومتهم. وتجاوز القوانين في التعيينات أصبح مسلسلاً حكومياً في الأردن. فقبل أيام، كشفت وثائق مسرّبة عن تعيين عدد من الأشخاص في وظائف حكومية وبرواتب عالية بالنسبة لبقية الموظفين الحكوميين، ما أثار غضباً واسعاً بين الأردنيين الذين طالبوا الحكومة باعتماد النزاهة والشفافية في التعيينات. كذلك تسبّبت تغريدة للعاهل الأردني عبد الله الثاني، في الخامس من مارس/ آذار الحالي، بانتقادات شعبية على مواقع التواصل الاجتماعي، اتهمت مؤسسات الدولة برعاية المحسوبية والواسطة.

وانتقد العاهل الأردني في تغريدته تسريب وثائق حكومية حول التعيينات. وقال إن "اغتيال الشخصية ونشر المعلومات المغلوطة، هما تعدّ صارخ على الحياة الشخصية وعلى الأعراف والقوانين، وهذا الأمر دخيل على مجتمعنا وقيمنا". وأضاف: "أما تسريب المعلومات والوثائق الرسمية فهو أمر مرفوض ومناف للأخلاق ولن نسمح به، والقانون سيأخذ مجراه". ليعود ويلحق موقفه بتغريدة أخرى قال فيها "لا بدّ من أن يرتكز التوظيف على أسس العدالة والنزاهة، وفي الوقت ذاته يجب ألا يتعرّض شبابنا للإساءة والتجريح. فرص العمل يجب أن تكون متاحة لجميع الشباب بشفافية ومساواة، ضمن معيارين أساسيين هما الكفاءة والجدارة".

وكان الملك عبد الله الثاني قد دعا الحكومة قبل شهر إلى التعامل مع الملاحظات التي أثيرت حول التعيينات الحكومية، بعدما شهد الأردن موجة غضب وسخط شعبي ورسمي عارمة، عقب إقرار تعيين أربعة أشخاص في مناصب قيادية مهمة، جميعهم أشقاء لأعضاء في مجلس النواب الأردني.

 
أزمة عميقة
وتعليقاً على هذه التطورات، قال مراد العضايلة، الأمين العام لحزب "جبهة العمل الإسلامي"، أكبر أحزاب المعارضة في الأردن، إنّ "الدولة تعيش أزمة حقيقية عميقة وغير مسبوقة على مختلف الصعد، ولا يمكن تحقيق الإصلاح في ظلّ استمرار تغوّل الفساد في مؤسسات الدولة". وأشار في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنّ "الاحتقان في الأردن عام وحجم الغضب مرتفع جداً"، عازياً ذلك إلى "فقدان الأمل بالتغيير لدى عدد كبير من المواطنين". وأضاف العضايلة: "خرج الناس في رمضان الماضي للمطالبة بتغيير نهج إدارة البلاد، ولم يتغيّر شيء، فقط تغيّر الأشخاص، ذهب (رئيس الحكومة السابق) هاني الملقي وجاء (رئيس الحكومة الحالي) عمر الرزاز. والآن هناك حالة إحباط عامة وهائلة، ولذلك نرى ارتفاعاً في سقف الخطاب، كنتاج طبيعي للشعور بإغلاق أبواب التغيير السياسي، وكذلك تفاقم الأزمات بطريقة غير مسبوقة".

وأوضح العضايلة أنّ "الحلول التي قدمتها وتقدّمها الحكومات، ساهمت في تكون انطباع عام لدى المواطنين بأنّها (الحكومات) لا تملك قدرة حقيقية على حلّ الأزمات، ولذلك أصبح الناس يتوجهون بالمطالب والنقد تجاه الديوان الملكي ورأس الدولة، وهو ما يجعل الأمر يزداد تعقيداً". وتابع "اليوم لا يمكن تجاوز الأزمات بلقاء هنا ولقاء هناك، أو تقديم عدد من فرص العمل، بل يجب معالجة الأزمة عبر حلول عميقة، وهو ما يحتاج إلى توافق وطني رسمي وشعبي، كما حصل سابقاً عند وضع الميثاق الوطني".
ولفت إلى أنّ "الأزمة الاقتصادية بحجمها الحالي، لا يمكن حلّها بترتيب هنا أو ترتيب هناك، كما لا يوجد في الأفق حلّ اقتصادي، فالحلول الاقتصادية تحتاج إلى سنوات حتى تظهر آثارها إلى الواقع الاجتماعي"، مضيفاً "نحتاج إلى حلّ سياسي يريح الناس، ويجعلهم شركاء في قرارهم الاقتصادي، مما يساهم في جعلهم أقلّ حدّة في التعامل مع الحلول التي تطرح".

وأشار العضايلة إلى أنه "اليوم مع حجم الاتهامات والشائعات المنتشرة في البلاد، نحتاج إلى العقلاء والراشدين للخروج من الوضع القائم، بعيداً عن الحلول التقليدية التي هي من داخل العلبة، أي عبر استخدام أدوات الفساد السابقة نفسها التي فشلت بتغيير النهج السياسي"، مؤكداً أنّ "انسداد الأفق اليوم في ظلّ الوضع الاقتصادي الصعب وارتفاع نسبة الفقر، يحتمّ على الدولة تجنّب الوصول إلى ثورة الجياع. فلا أحد يستطيع التنبؤ بالمستقبل، والقرارات الرشيدة هي التي تساهم في تخفيف الاحتقان والغضب".

بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي الأردني، حسن البراري، إنّ "الاحتجاج في الأردن يمكن القول إنه وصل إلى مرحلة الصدام"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنّ "الحكومة الأردنية لم تعد عنواناً للاحتجاج من قبل الأردنيين، بل تمّ اللجوء أخيراً إلى الاعتصام أمام الديوان الملكي، وهذا تطوّر له معانٍ كبيرة جداً".

واعتبر البراري أنّ "الحكومة الأردنية لم تعد مسؤولة، أو ممثلة لأي مكوّن من مكونات المجتمع الأردني، فكل ما يحصل هو تراكم للفشل، وسوء إدارة موارد الدولة"، موضحاً أنّ "التطورات والأحداث الأخيرة كشفت عن عدم توفر إرادة سياسية حقيقية لمحاربة الفساد". وتابع أنّ "هناك تراكماً وإخفاقاً حكومياً في خلق فرص عمل، والحدّ من ارتفاع أسعار الخدمات والحاجات الأساسية، وكذلك زيادة واتساع دائرة الفقر، مما يكشف عن حالة من الإخفاق العام في إدارة الدولة". ورأى البراري أنّ "ما يحدث في الأردن مختلف عما يحدث في الدول العربية الأخرى كالجزائر والسودان"، موضحاً أن "ما يحصل في المملكة هو تراكم للفشل، والرسائل التي يبعث بها المواطنون موجهة للنظام، فالحكومة غير موجودة، فهناك موظف اسمه عمر الرزاز، ولديه وزراء، لكنّ الحكومة لم تعد في موقع احترام من قبل المواطن الأردني، ولم يعد هناك أفق. المواطنون انتظروا كثيراً، لكن لا تغيير، وغياب الثقة بالحكومة جعلهم يلجؤون إلى خيارات أخرى بديلة".