اعتبر تحليل نشره مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي أن التصعيد الإسرائيلي ضد إيران في العراق وسورية، يتماشى مع الحرب الإسرائيلية ضد التموضع الإيراني في سورية، لكنه يأتي أيضاً في محاولة للتغطية، أو التعويض عن التلكؤ في خوض مواجهة مباشرة مع "حزب الله".
وحاول التقرير، الذي نشره المعهد أول من أمس، على أثر الغارة الإسرائيلية على موقع لـ"فيلق القدس" في قرية عقربا السورية، التهرب من الإقرار بشكل مؤكد بالضربات الإسرائيلية في العراق، بحجة عدم وجود إقرار رسمي من قبل إسرائيل، أو معلومات أكيدة. ومع ذلك، لفت التقرير إلى تسريبات المسؤولين الأميركيين لصحيفة "نيويورك تايمز" بشأن هذه الضربات، والتصريحات المتكررة التي أطلقها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو حول هذه الهجمات، لا سيما تكرار تعبير أنه "لا توجد لإيران حصانة في أي مكان"، للقول إن العملية التي يدعي الاحتلال أن "فيلق القدس" كان يعتزم إطلاقها، الخميس الماضي، وتم إحباطها في ضربات مساء السبت الماضي، كانت على ما يبدو محاولة إيرانية للرد على الضربات التي نفذتها إسرائيل ضد مواقع لها في العراق. واعتبر التقرير أن هذه التطورات، وتصريحات نتنياهو، تشير إلى أن إسرائيل وسعت على ما يبدو نطاق المواجهة العسكرية ضد تموضع إيران في سورية، من ميادين سورية ولبنان إلى العراق.
وحاول التقرير، الذي وضعته أورت فارلوف مع الجنرال المتقاعد ومدير المركز أودي ديكل، تحديد أسباب هذا التطور في النشاط الإسرائيلي في قلب العراق، مستذكراً أن إسرائيل ركزت خلال سنوات الأزمة السورية على ضرب وإحباط محاولات التموضع الإيراني في سورية نفسها، ومن خلال استهداف قوافل السلاح المعدة إلى "حزب الله". وأعاد التقرير التحول في الموقف الإسرائيلي، والتوجه لضرب إيران في العمق العراقي، إلى تقارير من العام الماضي أشارت إلى هجمات إسرائيلية ضد قوافل نقل السلاح في المنطقة الحدودية بين سورية والعراق في البوكمال ودير الزور، لكنها توقفت عن هذا النشاط في تلك المنطقة، بفعل تحفظ قيادة القوات الأميركية في تلك المنطقة الحدودية بين سورية والعراق، خوفاً من تبعات ذلك على القوات الأميركية في العراق. مع ذلك، لم يستبعد واضعا التقرير أن تكون الضربات الإسرائيلية لمواقع في العراق تمت بتنسيق معين مع القوات الأميركية.
لكن أبرز ما يذهب إليه التقرير هو القول إن إسرائيل، التي تصر على أن هدفها الأساسي هو منع وجود وتموضع عسكري إيراني في سورية، وقريباً من حدودها مع سورية ولبنان، تمتنع اليوم عن مواجهة رأس الحربة للمحور الإيراني الشيعي، "حزب الله". ويرى المركز أن إسرائيل اختارت توسيع نطاق ومدى ضرباتها ضد المحور الإيراني من سورية إلى العراق على ضوء تقديراتها، وإدراكها للثمن الباهظ الذي ستدفعه إسرائيل في حال استهدفت البنى التحتية للترسانة الصاروخية الإيرانية المتوفرة لـ"حزب الله" في لبنان. وبالتالي فإن إسرائيل، وفي إطار محاولات لتشويش و"تخفيف أضرار محتملة للتلكؤ في ضرب الأهداف القائمة في لبنان، اختارت على ما يبدو العمل في قطاع قدرت أن الثمن الذي قد تدفعه فيه ــ لا سيما في حال لم تتوفر أدلة قاطعة على دورها وعملياتها - أقل بشكل كبير من خطر تصعيد عسكري لغاية حرب ضد حزب الله".
وبحسب التقرير، فإن عمليات بعيدة في العمق العراقي تمكّن إسرائيل من إظهار قدراتها وجرأتها، والمبادرة لعمليات تثبت فعلياً تفوقها وفاعلية "ذراعها الطويلة". يعني هذا أنه من الممكن جداً أن تكون إسرائيل قررت استغلال فرص عملياتية عينية، على أساس معلومات استخباراتية دقيقة، وقدرات تنفيذية عالية، تتيح لها القيام بعمليات من دون أن تترك بصماتها، وأن تفاجئ إيران وحلفائها والقوى الخاضعة لرعايتها في المنطقة، بالتوازي مع الكشف عن نشاطات إيرانية داخل دول عربية وتشجيع قوى في المنطقة العربية للعمل ضد طهران.
واستذكر التقرير أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو كان قد أطلع رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي، في زيارته المفاجئة للعراق في مايو/ أيار الماضي، على صور من الأقمار الصناعية (يبدو أن إسرائيل سلمتها للولايات المتحدة) أظهرت مخازن ومصانع السلاح الإيرانية في العراق، محذراً من أنه إذا لم تتم إزالة هذه المنشآت الإيرانية من الأراضي العراقية فهي قد تتعرض لضربها واستهدافها. وعلى أثر ذلك، جاءت دعوة رئيس الحكومة العراقية لتفكيك وحدات "الحشد الشعبي" وتجريدها من السلاح، وضمها للقوات العراقية الرسمية. وحظيت هذه الدعوة، بحسب التقرير، بتأييد شعبي، بما في ذلك من رجل الدين علي السيستاني وزعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر. وبالرغم من الغضب الشعبي في العراق نتيجة موقف الحكومة من جهة، والدور الإسرائيلي في تنفيذ هذه العمليات، يرصد التقرير تغييراً في التوجه العام في العراق بعد الهجمات، لجهة توجيه أصابع اتهام مباشرة لإسرائيل من جهة، ودعوات لتعزيز الدفاعات العراقية والتزود بمنظومات من طراز "إس 400".
ووفقاً للكاتبين، فإنه في حال واصلت إسرائيل عملياتها في العراق فقد يرفع ذلك من احتمالات المس بأهداف ومصالح أميركية هناك، وهذا يعني أن استمرار مثل هذه السياسة قد يُسرع عملية سحب القوات الأميركية من العراق، بفعل ضغوط داخلية، سواء كانت هذه الضغوط من العراق نفسه أم ضغوط داخلية أميركية. وهي احتمالات تضاف إلى نوايا معلنة لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب لسحب قواته من الشرق الأوسط ككل. ويرى الكاتبان أنه في حال تحقق سيناريو من هذا النوع، فإنه سيكون من المهم أن تشترط الولايات المتحدة لخروجها من العراق والمنطقة تفكيك "الحشد الشعبي"، مع حصر القوة العسكرية بأيدي الحكومة العراقية. ومثل هذه الخطوة ستكون سابقة يمكن المطالبة بتطبيقها أيضاً في لبنان بمواجهة "حزب الله"، سعياً لتقليص النفوذ الإيراني في "الهلال الشيعي"، وفي المنطقة ككل. ويرى الكاتبان أن حسابات الربح والخسارة، بالنسبة لإسرائيل، تكشف حالياً عن فوائد كامنة في توسيع نطاق ومدى العمليات الإسرائيلية ضد إيران على امتداد المحور شرقاً وصولاً إلى العراق، مع التلويح بتهديد إيران نفسها. لكن عند إدخال المُركب الأميركي في المعادلة، فإن الأثمان التي قد تتكبدها إسرائيل أعلى بكثير من الفائدة المرجوة، مع خروج القوات الأميركية من العراق وسورية وإبقاء إسرائيل وحدها في المعركة ضد التموضع الإيراني في المنطقة، مع استمرار الإصرار الإيراني ومثابرة طهران لتثبيت أقدامها وتكريس "الهلال الشيعي" وسط استعداد إيراني للمخاطرة أكثر.
أخيراً، يخلص التقرير إلى القول إن محاولة إيران إطلاق طائرات مسيرة ضد إسرائيل يمثل حجم التصميم الإيراني، أو على الأقل يعكس حقيقة وصول طهران إلى نقطة حرجة تضطرها لتغيير نمط ردها على العمليات الإسرائيلية، أو بالمقابل مواصلة بناء ترسانة الصواريخ الدقيقة الإصابة في لبنان من دون أي تشويش على هذا النشاط. ولكن عند إتمام بناء القدرات القتالية، إضافة إلى توفر فرصة عملياتية واجتياز إسرائيل لحدود التصعيد ضد إيران، فمن شأن الأخيرة أن ترد بشكل مغاير كلياً عن ردودها حتى الآن.