انتهاء المهلة الدستورية لتكليف مرشح للحكومة العراقية: فراغ أم خرق؟

23 ديسمبر 2019
انتهاء المهلة الدستورية دون تكليف رئيس وزراء(بندر الدنداني/فرانس برس)
+ الخط -
لا ينحصر الجدل داخل العراق حول زاوية محددة في الأزمة السياسية، فكل شيء قابل للخلاف والاختلاف حتى على مستوى الخبراء القانونيين بتفسير المصطلحات، وأيهما أصح في توصيف الأزمة العراقية الراهنة.

وبين كونه فراغا دستوريا أو خرقا دستوريا يدور الجدل اليوم بين السياسيين والقانونيين وخبراء الدستور، ولكل فريق منهم تفسيره وتأويلاته المتعلقة بالأزمة الحالية، التي دخلت نفقا مظلما منذ ليلة أمس، بعد انتهاء المهلة الدستورية لتكليف مرشح جديد للحكومة بدلا عن المستقيلة، من دون الوصول إلى اتفاق بين القوى السياسية حول المرشح الواجب تكليفه من قبل رئيس الجمهورية برهم صالح.

الحديث في الأوساط السياسية والشعبية العراقية عن حدوث فراغ دستوري، بعد انتهاء المهلة الدستورية من دون إعلان رئيس الجمهورية برهم صالح عن اسم المرشح لرئاسة الحكومة الجديدة، عقب استقالة حكومة عادل عبد المهدي مطلع الشهر الحالي، بسبب الاحتجاجات الشعبية، إلا أن مختصين يؤكدون أن العراق لم يدخل هذا الفراغ ما دامت سلطات الدولة الدستورية موجودة، وإن كانت حكومة تصريف الأعمال الحالية منقوصة الصلاحيات، يخالفهم بذلك خبراء آخرون بالقانون في التوصيف هل هو فراغ أم خرق دستوري. 

وقال الخبير القانوني العراقي طارق حرب، لـ"العربي الجديد"، إن "الفراغ الدستوري غير موجود، لأنه لا يتحقق إلا بغياب واحدة من سلطات الدولة الثلاث"، مؤكدا أن "السلطة التشريعية المتمثلة بالبرلمان موجودة، وكذلك السلطة القضائية، بالإضافة إلى السلطة التنفيذية بشقيها، رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، وإن كانت الحكومة تمارس تصريف الأعمال اليومية بصلاحيات منقوصة".

وبشأن انتهاء المهلة التي حددها الدستور من دون تكليف رئيس وزراء جديد، قال حرب إن "المدد الدستورية أمر يمكن تجاوزه بسبب الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد"، مبينا أن "المدن العراقية تشهد تظاهرات واعتصامات ووضعا سياسيا مرتبكا".

وتابع: "يجب أن تؤخذ جميع هذه الأمور بنظر الاعتبار"، مبينا أن "التقصير كان بالدرجة الأساس من مجلس النواب الذي لم يسم الكتلة البرلمانية الأكبر لرئيس الجمهورية، ليقوم بتكليف أحد مرشحيها لرئاسة الوزراء".

وأشار إلى أن التأخر في تسمية رئيس وزراء جديد ليس الأول، إذ سبق لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي أن بقي في منصبه لمدة 7 أشهر إضافية عام 2010 قبل أن يتم التجديد له لولاية ثانية.

وعلى الرغم من إجراء انتخابات مجلس النواب بدورته الثانية، في إبريل/ نيسان 2010، إلا أن حكومة تصريف الأعمال برئاسة المالكي استمرت بعملها حتى نهاية العام، بعد نيل المالكي رئاسة الوزراء للمرة الثانية.

أما عضو "ائتلاف دولة القانون" سعد المطلبي فقد أكد أن "ما تمر به البلاد الآن لا يصل إلى مستوى الفراغ الدستوري، لأن حكومة تصريف الأعمال لا تزال تمارس أعمالها اليومية"، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن "ما حدث هو مخالفة دستورية بسبب عدم تكليف رئيس وزراء جديد".

ولفت إلى أن "الفراغ يحدث حين تكون الأمور سائبة، ولا توجد سلطات تمارس أعمالها في البلاد"، مبينا أن الرئيس العراقي مطالب بأن يسمي المرشح لرئاسة الحكومة الجديدة.  

في المقابل، قال الخبير القانوني علي التميمي إنه بعد انتهاء مدة الخمسة عشر يوما، الممنوحة لبرهم صالح لتقديم مرشح لرئاسة الحكومة، "سوف يستمر عبد المهدي ووزراؤه لإكمال مدة الثلاثين يوما الممنوحة لهم وفق الدستور كتصريف أعمال، وعند انتهاء هذه المدة تتحول إدارة البلاد إلى رئيس الجمهورية وفق المادة 81، وتدار الوزارات من وكلاء الوزارات، ويرحل عبد المهدي ووزراؤه".

وأضاف التميمي: "على رئيس الجمهورية الآن، في 15 يوما أخرى، تكليف مرشح آخر، وإذا أخفق نكون أمام عدم وجود النص القانوني أو الدستوري الذي يعالج ذلك، أما إذا استقال رئيس الجمهورية، وإذا كان له نائب، فهو من يحل مكانه، وإذا لم يكن له نائب يحل محله رئيس البرلمان وفق المادة 75 من الدستور".

هذه التفسيرات يحذر معها سياسيون من مخاطر فراغ سياسي يرافقه انتهاكات للتوقيتات الدستورية، ومنهم رئيس الحزب الطليعي الناصري عبد الستار الجميلي، الذي قال إن "السلطات العراقية انتهكت التوقيتات الدستورية، وبدأت بالتشاور خارج إطار الدستور الذي لم تحترمه يوما"، مؤكدا، في تصريح صحافي، أن "الوضع الراهن يشير إلى أن كل الاحتمالات مفتوحة، بما فيها انتقال العراق إلى مرحلة انتقالية، في ظل الفراغ السياسي والشلل الحاصل في كثير من مؤسسات الدولة العراقية".

ووفقا للباحث في الشؤون السياسية والدستورية حسين القيسي، فإن "الفراغ الدستوري يحدث حين تغيب إحدى سلطات الدولة، أو يصيب الشلل إحداها، بحيث تفقد الدولة قوتها المركزية".

وأوضح القيسي، لـ"العربي الجديد"، أن "هذا الشيء لم يحدث بشكل كامل في العراق، بل جزئيا، إذ يفتقد العراق اليوم الحكومة الشرعية التي تمتلك قوة قادرة على حماية المتظاهرين وتحقيق مطالبهم، وإنهاء تحركات العصابات والسلاح المنفلت خارج إطار الدولة".

ويعتقد الكاتب والإعلامي العراقي سرمد الطائي أن "الفراغ الدستوري الذي تمر به البلاد بمثابة غسيل لمعدة العراقيين، وإفراغها من طعام قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، الذي يجري حراكا مكثفا في العراق لفرض قصي السهيل (مرشح تحالف البناء المدعوم من إيران) رئيسا للوزراء".

وبين الطائي، في منشور على صفحته في "فيسبوك"، أن "المرحلة المقبلة ستشهد مرحلة من التصعيد السلمي بهدف حماية هيبة العراق واستقلاله"، موضحا أن "رفض العراقيين للسهيل أوصل رسالة إلى الإيرانيين بأن العراق لا يمكن ابتلاعه".

دلالات