"الغضب النوبي" المصري: هل يكون التدخل الأممي ورقة أخيرة؟

24 نوفمبر 2016
النوبيون اعترضوا على مشروع السيسي (تارا تودراس ـ وايتهيل/Getty)
+ الخط -
بات التدخل الأممي، وإجراءات تدويل القضية النوبية من خلال التقاضي أمام المفوضية الدولية لحقوق الإنسان، احتمالاً قائماً، وإن بدا ضعيفاً، باعتباره الملاذ الأخير للمصريين من أهالي النوبة في مواجهة نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي قرر نظامه "مصادرة" أراضيهم ومنحها لمستثمرين أجانب. في هذا السياق، بدأت جمعية "أبو سمبل" في تحرير توكيلات من أبناء النوبة، لمقاضاة الحكومة المصرية في المحافل الدولية، ودعوة المجتمع الدولي إلى التدخل، بعد نهب أراضي النوبة، وطرحها لصالح مستثمرين أجانب، بالمخالفة للدستور. وقد أقرت المادة 236 من الدستور، بحق النوبيين في العودة إلى أراضيهم، وتنميتها خلال عشر سنين، مع كفالة الدولة وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية، والعمرانية الشاملة لها. إلا أن السلطة أدرجت منطقتي توشكى وخورقندي ضمن أراضي مشروع المليون ونصف المليون فدان، بهدف توزيعها على مستثمرين ومزارعين لاستصلاحها، بدلاً من توطين الأهالي الأصليين بها. ولا زالت قوات الأمن المصرية تُحاصر المعتصمين النوبيين، قرب منطقة أبو سمبل، بعد أن منعت عنهم سبل الإعاشة من مأكل ومشرب، وواصل المئات منهم اعتصامهم لليوم الثالث على طريق أسوان ـ أبو سمبل السياحي، جنوب مدينة أسوان.

الغضب النوبي مرجعه قرار السيسي الخاص بتخصيص 922 فداناً من أراضيهم في توشكي إلى المستثمرين، بعد أن اقتطع 110 كيلومترات من النوبة، وصنفها كمنطقة عسكرية في قرار سابق، وتضمنت هذه الأراضي 16 قرية نوبية. وكان ثلاثة من شباب النوبة قد أُصيبوا برصاص الشرطة العسكرية، بعد أن استأجر الأهالي سيارات لإيصالهم إلى توشكي، لعمل وقفة سلمية، تُنادي بالمطالبة بحقهم في استرجاع أراضيها، إلا أن الأمن اعترض طريقهم، ما دفع المواطنين إلى إضرام النيران في نقطة تابعة للجيش.

في المقابل، التقى الرئيس السابق للمجلس العسكري، المشير محمد حسين طنطاوي، عدداً من قيادات النوبة، يوم الإثنين، بعد تكليفه من السيسي بالتوسط لحل الأزمة، وإيجاد حلول واقعية بشأن اعتصام قافلة العودة النوبية، فيما زار وفد استخباراتي منطقة النوبة، بالتزامن، للتوصل لحل لأزمة المعتصمين. بدوره، تجاهل رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، الفائز بمقعده عن دائرة محافظة أسوان بقوائم "في حب مصر"، السفر إلى أرض النوبة، أو التدخل كطرف في حل الأزمة، ولم يصدر تصريحاً أو بياناً بشأنها، على الرغم من المطالبات بضرورة ترؤسه وفداً برلمانياً لزيارة المحافظة الجنوبية، ومتابعة التطورات.



كما دان المرشح الرئاسي السابق، حمدين صباحي، اعتراض قوات الأمن للقافلة النوبية المتجهة إلى توشكي، ذاكراً في تدوينة عبر حسابه على "فيسبوك"، أن "حق أهل النوبة في أرضهم يهدده التجار بدولاراتهم، والسلطة الجشعة تتواطأ ضد أصحاب الحق لصالح أصحاب المال".

بدورها، ذكرت حركة شباب السادس من إبريل، في منشور على صفحتها الرسمية على موقع "فيسبوك"، أن "أهالي النوبة انتفضوا حينما ضاق بهم الحال، واشتد بهم البلاء، فمنذ بناء خزان أسوان ونصيبهم هو التهجير، وخسارة الأرض، وغرق الحرث، حتى جاءت الطامة الكبرى بغرق كل أراضيهم، وباتوا مهجرين، مغتربين، داخل وطنهم". وأضافت الحركة المعارضة، أن "أهل النوبة ككل أهل مصر يطالبون بعدم تهميشهم، في حين يعمل النظام على تشويههم، ووضعهم في كادر الخائن الذي يسعى للانفصال والاستقلال".

واعتبر الناشط جمال نوبي أن "ما يحدث هو نتيجة طبيعية لتراكمات سابقة، لأن جميع حقوق النوبيين موثقة، وعلى الرغم من ذلك فإن الأجهزة الأمنية تُجهض أي انتفاضة شعبية أو تجمهر لأصحاب الحق النوبي، خصوصاً بعد أن تحولت أسوان إلى محافظة عسكرية".

وأضاف نوبي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الوقفات الاحتجاجية، والاعتصامات قد لا تؤدي إلى شيء، في ظل وجود أيادٍ أمنية تسعى لتشويه المشاركين بها، وتأجيج الرأي العام ضد رد الفعل الشعبي الغاضب للنوبيين، وأن الأفضل التحرك في مسار التصعيد الدولي".

وكشف نوبي عن "وجود دعويين أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة عامي 2014 و2016 تختصمان رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مشروعات التنمية الزراعية بصفتهم، ولم يأخذ القضاء فيهما موقفاً منصفاً لصالح أبناء النوبة".

من جهته، شدد الناشط النوبي، عوض عبد الظاهر، على أن "الاعتصام لن يُفض، إلا في حالة إصدار قرار جمهوري يُمكن النوبيين من العودة إلى أراضيهم"، مؤكداً أن "الاعتصام سلمي، ولا يحمل المشاركون فيه سوى الطبول، التي يعزفون بها الأغاني النوبية القديمة". وسعى محافظ أسوان مجدي حجازي، لتهدئة المعتصمين، من خلال الترويج لرواية مفادها بأن السيسي أعطى توجيهاته بشأن أولوية أبناء النوبة في مساحة 110 آلاف فدان في توشكي ضمن المشروع القومي، وتخصيص 18 ألف فدان لهم بوادي الأمل، و4 آلاف أخرى بوادي كركر كأراضٍ زراعية.



أما النائب عن النوبة، ياسين عبد الصبور، فلفت إلى أنه "تسلّم خطاباً من محافظ أسوان ينص على إعطاء أولوية لأهالي النوبة في أراضي توشكي المخصصة لشركة الريف المصري، التابعة لجهاز الاستخبارات العامة المصرية، على ضوء اتفاق شفهي مع رئيس مجلس إدارة الشركة". وادّعى أن "الخطاب شمل الاتفاق مع رئيس الشركة، على أنه في حالة وقوع منطقة خور قندي بالكامل، أو جزء منها، داخل أراضي الشركة في توشكي، فإنه سيتم إعطاء الأولوية لأهل النوبة فيها". كما تدخل الملياردير نجيب ساويرس في الأزمة، مغرّداً عبر حسابه الرسمي على موقع "تويتر"، أن "الحل العملي والعادل لمشكلة أراضى النوبة الزراعية داخل مشروع المليون ونصف المليون فدان، هو توزيع هذه الأراضي على أهل النوبة فقط، مع توفير التمويل اللازم لهم".

وقبل أيام، انطلقت مسيرات من كافة قرى النوبة في إطار فعالية "قوافل العودة النوبية"، التي دعا إليها شباب ونشطاء نوبيون، من أجل التوجه لقرى النوبة القديمة، وإعلان رفضهم لقرار الحكومة ببيع الأراضي النوبية في المزاد العلني الخاص، إلا أن السيارات تعرضت للمنع قبل مدخل كركر بنحو 10 كيلومترات. وقطع مئات النوبيين طريق أسوان ـ أبوسمبل، يوم السبت، احتجاجاً على اعتراض قوات الأمن قافلتهم التي نظموها للمرة الثانية في اتجاه توشكي.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، دعا عدد من المنظمات النوبية، السيسي، إلى إصدار قرار بتشكيل هيئة عليا لتوطين وإعمار النوبة القديمة، وتعديل القرار الرئاسي، بما لا يتعارض مع حق العودة أو استثناء النوبيين من عدم السكن في تلك المناطق العسكرية المحددة.

‏وهُجّر أهالي النوبة مرات عدة بدءاً من بناء خزان أسوان أوائل القرن العشرين، وحتى بناء السد العالي في الستينيات، وتم إسكانهم في مناطق صحراوية طبيعتها مختلفة عن أراضيهم، ومنذ ذلك الحين وهم يطالبون بالعودة إلى أراضيهم، ‏والحكومات المتعاقبة تتجاهل مطالبهم.

وكان الجيش قد استولى على أراض مماثلة بمحافظة قنا، ومراكز الفرافرة والواحات والداخلة بمحافظة الوادي الجديد، ووضع يده على مساحات كبيرة من الأراضي المزروعة، بزعم ضمها إلى المشروع، بعد السطو على أراضي المواطنين، من بينها 43.5 ألف فدان من الأراضي المستصلحة للأهالي بقنا.

ولم يسلم 12.5 ألف فدان "مُقننة" بطريق المراشدة غرب قنا منذ عام 1987 من عمليات الإزالة بواسطة الجيش، على الرغم من موافقة وزارة الزراعة على منح 5 أفدنة لكل مزارع، ورخصة بناء منزل من خلال نظام القرعة، وسداد المزارعين كامل الرسوم التي طلبتها الدولة لتمليكهم الأراضي.

أرض الذهب... بطاقة هوية
وتتزامن حملة النوبيين هذه مع الذكرى 53 لتهجير أهالي النوبة من أراضيهم القديمة خلف بحيرة ناصر إيذاناً بالبدء في إنشاء مشروع السد العالي بأسوان عام 1963، بعدما تم تهجير 18 ألف أسرة في ذلك الوقت كانت مقيمة على ضفاف النيل بطول 350 كيلومترا، ولم تتم إعادتهم إليها رغم وعود الرؤساء المتعاقبين على السلطة حتى اليوم. والنوبة هي "أرض الذهب" كما يطلق عليها أهلها، فهي مدخل لقارة أفريقيا، ويقول عنها علماء الحضارات إن التاريخ ظلمها بسبب التداخل بين الحضارة النوبية والحضارة الفرعونية، فيما يفضل علماء آخرون اعتبارها الوجه الآخر لمجد المصريين القدامى. وتمتد أرض النوبة ما بين مصر والسودان، وتنقسم إلى قسمين: النوبة السفلى داخل الأراضي المصرية، والنوبة العليا داخل الأراضي السودانية، وقد تميزت بتاريخ حضاري طويل، واتسم تراثها الشعبي بالعراقة والثراء والتنوع والخصوصية التي تميزه عن بقية أرجاء الوادي في مصر.

المساهمون