سورية: الحسم لجنيف أم للميدان؟

06 ابريل 2016
دي ميستورا في موسكو أمس الثلاثاء (Getty)
+ الخط -
مع اقتراب موعد الجولة الثالثة من مفاوضات جنيف بين النظام السوري والمعارضة، المقرر أن تبدأ في يوم الإثنين المقبل في 11 إبريل/نيسان، تستنفر الدول المساندة للنظام السوري كل قواها من أجل دعمه سياسياً وإظهاره كأنه قوي عسكرياً على الأرض، وسط استمرار كل من موسكو وطهران، كل على حدة، في مساعيهما لتحقيق مصالحهما السياسية والعسكرية في سورية. في المقابل، لم تتأخر المعارضة على مدى الأيام الماضية في إيصال رسائل سياسية تتعلق برفضها تقديم أي تنازلات في ما يتعلق بهيئة الحكم الانتقالية وصلاحياتها ومصير رئيس النظام بشار الأسد، قبل أن تقترن هذه المواقف برسائل عسكرية من خلال كسب المزيد من الأراضي عبر التقدم في مناطق سيطرة تنظيم "داعش" من جهة، فضلاً عن التطور الأبرز الذي حدث أمس الثلاثاء بإسقاط طائرة للنظام خلال تنفيذها غارات في ريف حلب الجنوبي وإلقاء القبض على قائدها من جهة ثانية، في إشارة واضحة إلى أن العودة إلى المعارك بين النظام ومقاتلي فصائل المعارضة قد تحمل معها مفاجآت عسكرية جديدة.

أهداف حلفاء النظام
ويتفاوت الهدف من الدعم الذي تقدمه الدول التي تتبنى النظام، بين مواقف تعمل على تقويته سياسياً من أجل المساعدة في إنجاز حل سياسي يعيد إنتاج النظام، ومواقف تساعده في إفشال المفاوضات والعودة إلى الحرب. ويعكس الطلب الروسي تأجيل مناقشة مصير رئيس النظام بشار الأسد، بحسب ما جاء على لسان نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف، نوعاً من التراجع في الموقف الروسي الذي كان مصرّاً على عدم البحث في مصير الأسد بدعوى أن مصيره يحدده الشعب السوري، لكنه في الوقت نفسه يعطي دعماً سياسياً لوفد النظام قبيل المفاوضات. وقد سبق لوزير الخارجية السوري، وليد المعلم، أن صرّح قبل بدء الجولة الماضية من المفاوضات أن "التعرض لمقام الرئاسة خط أحمر"، قبل أن يعود أن يتراجع الأسد ويعلن استعداده لتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة في كلام مقترن كالعادة بـ"إن رغب الشعب السوري بذلك".
ضمن هذا السياق، تبدو زيارة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا إلى موسكو، ولقائه أمس الثلاثاء بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في إطار إعطاء المزيد من الدور لروسيا في إدارة المحادثات وفق التفاهمات الأميركية الروسية. وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، أحمد فوزي، أمس الثلاثاء إن روسيا والولايات المتحدة هما الراعيان الرئيسيان لمحادثات السلام، المتوقع أن تستأنف مع وفد المعارضة السورية في 11 ابريل/نيسان. ووفقاً لفوزي، من المنتظر أن يصل وفد المعارضة السورية في إطار الهيئة العليا للتفاوض إلى جنيف في 10 إبريل، مرجحاً أن تبدأ المحادثات معه في اليوم التالي. أما وفد دمشق فيتوقع أن يصل في 14 إبريل، بعد يوم واحد من موعد الانتخابات التشريعية التي يجريها النظام. في موازاة ذلك، يبدو التصريح الإيراني حول وجود قوات إيرانية برية غير الحرس الثوري في سورية، بالإضافة إلى نية إيران إرسال المزيد من القوات الخاصة، بمثابة إعلان لخرق وقف الأعمال العدائية، وتحريض للنظام على إفشال المفاوضات والعودة إلى العمل العسكري الميداني. وجاء التصريح الإيراني، على لسان منسق القوات البرية في الجيش الإيراني أمير علي أراسته، الذي قال أول من أمس، إن عناصر القوات الخاصة التابعة للواء 65 الموجودة في سورية تؤدي دوراً استشارياً، مضيفا أن إرسال العسكريين الإيرانيين إلى سورية لا يقتصر على اللواء 65 بل سيتم إرسال عناصر من وحدات عسكرية أخرى.
ويرى بعض المحللين أن التصريح الإيراني بهذا التوقيت هو محاولة من طهران لاستعادة ما فقدته من دور في سورية بعد التدخل الروسي، وأنها مصرة على أن تكون لاعباً أساسياً في سورية على الرغم من تولي روسيا المفاوضة باسم النظام.


رسائل المعارضة
أما المعارضة فلا تزال تعمل باتجاه كسب المزيد من التأييد لرؤيتها للمفاوضات القائمة على إنشاء هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات لا دور فيها للأسد. وقد جاءت تصريحات كبير المفاوضين في وفد الهيئة العليا للتفاوض، محمد علوش، التي أكد فيها أن اقتراح روسيا بتأجيل مناقشات مصير الأسد في مفاوضات جنيف، مقدمة لنسف هذه المفاوضات، وعرقلة الحل السياسي في سورية الذي تسعى الأمم المتحدة من أجل إقراره، لتعكس تمسك المعارضة بثوابتها قبل بدء جولة التفاوض الجديدة. في غضون ذلك، أثمرت زيارة منسق الهيئة العليا للتفاوض رياض حجاب إلى إقليم كردستان العراق عن تفاهمات إيجابية، كان أحد نتائجها منع الإقليم عبور وفد سوري من الإدارة الذاتية الكردية إلى أراضيها بعدما كان يخطط للتوجه إلى روسيا.
كما تعمل المعارضة ميدانياً على استعادة المزيد من الأراضي من تنظيم "داعش" مع حرصها على عدم خرق هدنة وقف الأعمال العدائية مع النظام مع الدفاع عن المناطق التي تسيطر عليها. لكن التطور الأبرز تمثل يوم أمس في إسقاط طائرة للنظام في ريف حلب الجنوبي مع ما يحمله من رسائل حول الاحتمالات العسكرية للمرحلة المقبلة في حال انهيار التهدئة بين النظام والمعارضة. وفي ظل هذه الأجواء، يعتبر عضو الأمانة المركزية في "المجلس الوطني السوري"، عبد الرحمن الحاج، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الدول الداعمة للمعارضة السورية بدأت ترسل إشارات بإمكانية الانتقال إلى الخطة "ب" وإن كان بشكل محدود، ويتجلى ذلك بتقدم الفصائل خلال الأيام الأخيرة بريف حلب الشمالي والجنوبي". ويرى الحاج أنّ "فتح المعارضة للمعارك مع داعش، إن كان في حلب أو درعا، يعني أنّ السلاح بدأ يتدفق مجدداً، وهذا يؤكد أن أصدقاء الشعب السوري يوجهون رسائل بأنهم مستعدون للبدائل في حال أفشل النظام جنيف، وهو غالباً سيعرقله كلما اقترب الحديث جدياً عن مصير الأسد". كما يعتبر أن "إعلان إيران عن إرسال قوات إلى سورية الآن، وهذه القوات أساساً موجودة منذ سنوات، ليس إلا تأكيداً على الموقف الإيراني بالرغبة في استمرار الحرب، وسياسياً إشارة إلى أن جنيف لا يمثل بالنسبة لحلفاء النظام نتائج ذات أهمية".
من جهته، يرى الكاتب والمعارض السوري محمود الحمزة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الأمم المتحدة مرتاحة للنشاط الروسي في سورية "لكي تضطر المعارضة للذهاب لجنيف وإبداء مرونة". ويشير إلى أن دي ميستورا هدف من لقاء لافروف أمس إلى الاتفاق على الخطوات المقبلة "حيث لا فائدة من وفد النظام بدون ضغط روسي فعلي". كما يشير إلى تفاهم أميركي روسي حول المسائل الأساسية "أما التفاصيل فيتركونها لروسيا ودي ميستورا". ويدعو الحمزة وفد الهيئة العليا للمفاوضات إلى الصمود وعدم التنازل مهما كانت الضغوط الخارجية "فالشعب السوري يضع ثقته اليوم في هيئة التفاوض ولا يجوز التنازل عن مطالب الشعب السوري الذي قدم أعظم التضحيات من أجلها".
المساهمون