استمع إلى الملخص
- شهدت الحملة تشكيل "جبهة جمهورية" لمواجهة صعود حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، مع انسحاب حوالي 200 مرشح لقطع الطريق أمام مرشحي التجمع الوطني. زعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبان، نددت بتشكيل "حزب واحد".
- اتسمت الحملة بالعنف والتعديات الجسدية على الناشطين، بالإضافة إلى الخطاب العنصري. وزير الداخلية أعلن عن تعرض 51 مرشحاً أو مساعداً لتعديات جسدية. الحكومة عبأت 30 ألف شرطي ودركي لضمان الأمن خلال الانتخابات.
اختتمت فرنسا، الجمعة، حملة انتخابية سادها توتر شديد، قبل يومين من انتخابات تشريعية تاريخية تخرج منها البلاد إما تحت سيطرة اليمين المتطرف، وإما غارقة في حالة من البلبلة السياسية غير المسبوقة. وانتهت الحملة الانتخابية رسمياً عند منتصف ليل الجمعة-السبت بالتوقيت المحلي، وسط حالة انقسام وشرذمة كبيرة في بلد يُعتبر واحدة من ركائز الاتحاد الأوروبي، بعد سبع سنوات من رئاسة إيمانويل ماكرون. وتحدث رئيس الوزراء المنتهية ولايته غابريال أتال، الجمعة، عن احتمال حصول عرقلة سياسية، مؤكداً أن بإمكان حكومته ضمان استمرارية الدولة "للوقت اللازم" إذا لم تنبثق غالبية واضحة عن صناديق الاقتراع. وقد تنتهي الانتخابات وتصدر النتائج من غير أن يُعرف من سيحكم فرنسا، وذلك قبل شهر من دورة باريس للألعاب الأولمبية التي تجرى بين 26 يوليو/ تموز و11 أغسطس/آب.
وحذّر أتال، مساء الجمعة، عبر قناة فرنسا 2 العامة، من أنّ "الخطر اليوم يتمثّل في غالبيّة يُهيمن عليها اليمين المتطرّف، وهذا سيكون مشروعاً كارثياً". ومنذ قرار الرئيس المفاجئ حل الجمعية الوطنية بعد فشل معسكره في الانتخابات الأوروبية في التاسع من يونيو/ حزيران، أكدت التطورات التي تعيد تشكيل المشهد السياسي الفرنسي صعود حزب التجمع الوطني الذي يأمل الوصول إلى السلطة الأسبوع المقبل. غير أن الخوف من قيام حكومة برئاسة اليمين المتطرف، ما سيشكل سابقة في فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية، حمل، بعد مفاوضات شاقة، على تشكيل "جبهة جمهورية" جديدة، مع انسحاب حوالى 200 مرشح من اليمين ويمين الوسط واليسار لقطع الطريق أمام مرشحي التجمع الوطني في الدورة الثانية.
ونددت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان بتشكيل "حزب واحد" يجمع "الذين يريدون البقاء في السلطة رغم إرادة الشعب". وتبقى هناك عوامل مجهولة في الدورة الثانية، وفي طليعتها نسبة المقاطعة. وأوضحت مديرة الأبحاث في مركز البحث السياسي في جامعة العلوم السياسية (سيانس بو) جانين موسوز لافو، متحدثة لوكالة فرانس برس، أنه "مع انسحاب (مرشحين)، خرج من السباق المرشح، أو المرشحة، الذي كان الناخبون ينوون التصويت له أو لها". وتابعت أن "البعض سيقول: لا، في مثل هذه الظروف، لم يعد الأمر ممكناً". وأظهر استطلاع للرأي، أجراه معهد "إيفوب" ونشرت نتائجه الخميس، أن التجمع الوطني وحلفاءه سيحصلون الأحد على 210 إلى 240 مقعداً، بفارق كبير عن الغالبية المطلقة البالغة 289 مقعداً. وسيحل تحالف "الجبهة الشعبية الجديدة" في المرتبة الثانية، يليه المعسكر الماكروني، ثم اليمين الجمهوري، إنما من دون غالبية واضحة.
اليمين المتطرّف أو الشلل
وأعلن رئيس التجمع الوطني جوردان بارديلا (28 عاماً) الطامح لتولي رئاسة الحكومة، مساء الخميس: "إما يحصل التجمع الوطني على غالبية مطلقة ويصبح بإمكاني منذ الأحد الشروع في مشروع النهوض الذي أحمله... أو تدخل البلاد في حالة شلل". ولا تجمع الجبهة الرافضة التجمعَ الوطني أحزاباً وسياسيين من توجهات مختلفة تماماً تشمل قسماً كبيراً من العالم السياسي، إنما كذلك نقابات وحتى رياضيين. وشدد قائد المنتخب الفرنسي لكرة القدم كيليان مبابي، الخميس، على أنه "من الملح جداً" التصويت في الجولة الثانية بعد النتائج "الكارثية" للجولة الأولى، من دون أن يسمي صراحة التجمع الوطني. وأضاف متحدثاً من هامبورغ عشية لقاء فرنسا مع البرتغال في الدور ربع النهائي لكأس أوروبا المقامة في ألمانيا: "أعتقد أننا بحاجة أكثر من أي وقت مضى للخروج والتصويت. لا يمكننا أن نترك بلادنا في أيدي هؤلاء الناس".
لكن هل يستجيب الناخبون لهذه الدعوات؟ ترفض لويز (23 عاماً) الاختيار بين حزب "أوريزون" الوسطي والتجمع الوطني في دائرتها في مقاطعة المانش (شمال غرب)، بعدما صوتت لصالح "لوت أوفريار" (الكفاح العمالي اليساري) في الدورة الأولى. وقالت إنها "ندمت كثيراً" على تصويتها لماكرون ضد مارين لوبن في الانتخابات الرئاسية عام 2022، مضيفة: "لست واثقة من أنّني أعرف أحداً سيصوت لصالح حزبه".
حملة انتخابية عنيفة في فرنسا
وهذا الانقسام الجوهري قاد إلى حملة انتخابية عنيفة شهدت تعديات جسدية على ناشطين، وتهديدات شفهية، وتصفية حسابات سياسية، وخطاباً عنصرياً صريحاً. وأعلن وزير الداخلية جيرالد دارمانان أن "51 مرشحاً أو مساعداً أو ناشطاً" تعرضوا لـ"تعديات جسدية" في الأيام الأخيرة. وفي آخر حادث من نوعه، قدّم رئيس بلدية بلدة في شمال فرنسا شكوى بعدما شتمه ناشطون كانوا يعلقون ملصقات، على ما أفاد مكتبه. وأوضح المكتب أنهم "قالوا له إن عليه الاستعداد... لأنهم سيعودون لحلق رأسه" بصفته "متعاوناً". وبذلك، كانوا يشيرون إلى النساء اللواتي حُلقت رؤوسهنّ بعد تحرير فرنسا عام 1945 لمعاقبتهن على إقامة علاقات مع جنود ألمان.
وعلى الرغم من الاستراتيجية التي يعتمدها منذ زمن طويل لتطبيع صورته، عانى التجمع الوطني من مواقف وتصريحات عنصرية ومعادية للسامية صدرت عن عدد من مرشحيه، وحاول الحزب التقليل من شأنها متحدثاً عن "هفوات" أو بعض "الخارجين عن النهج". وعلّق غابريال أتال ساخراً: "حين يتعلق الأمر بمرشح من أصل ثلاثة... لا يكون هناك بعض الخارجين عن النهج فحسب، بل يكون القطيع برمته مريضاً". وفي مؤشر إلى التوتر المخيم، أعلنت الحكومة تعبئة "30 ألف شرطي ودركي، من بينهم خمسة آلاف في باريس وضاحيتها" مساء الأحد.
(فرانس برس)