"دخول غزة من معبر رفح أسهل بكثير من عبور حاجز بابا علي إلى العاصمة الجزائرية"، هكذا لخص النشطاء ومسافرون جزائريون حالة الإغلاق الأمني والحصار الذي فرضته السلطة الجزائرية على العاصمة منذ ليلة الخميس، لمنع وصول أكبر عدد من المتظاهرين إلى العاصمة، عشية مظاهرات الاحتفال بالذكرى الأولى لاندلاع الحراك الشعبي في 22 فبراير/شباط 2019، ضد مشروع الولاية الرئاسية الخامسة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وبشكل غير مسبوق، تكدست المئات من السيارات داخل الطريق السيار الرابط بين العاصمة وعلى مداخلها الثلاث، الشرقي الذي يربطها بمنطقة القبائل وولايات الشرق، والجنوبي الذي يربطها بمدن غربي البلاد ومنفذ الولايات الجنوبية إلى العاصمة، وكذا المدخل الغربي الذي يربطها بمدن تيبازة والشلف، بعدما نشرت السلطات حواجز أمنية مكثفة على هذه الطرق، وأعاقت حركة السير بشكل تسبب في حالة قلق وانزعاج كبير لدى المواطنين الذين يستعملون هذه الطرق والمنافذ.
ووجد المسافرون الذين كانوا يعبرون الطريق السريع المؤدي إلى العاصمة من المدخل الجنوبي، ومنهم مرضى في سيارات إسعاف، أنفسهم عالقين لساعات في الطريق بسبب الحواجز الأمنية التي لم تبق سوى ممر واحد فقط، إذ اضطر العابرون للطريق لقطع المسافة بين مدينة البليدة والعاصمة (60 كيلومترا) في غضون أربع ساعات. وإضافة إلى الحواجز الأمنية، نشرت السلطات عشرات العربات والمركبات التابعة للدرك الوطني، والتي احتلت جزءا من الطريق السريع على المحاور الثلاثة، إذ تقوم حواجز الدرك بتوقيف السيارات التي تحمل ترقيما غير ترقيم العاصمة (16) لمساءلة أصحابها عن سبب توجههم إلى العاصمة، إضافة إلى مراقبة الحافلات بدقة.
وقال بن عامر خالد، الطالب الجامعي الذي كان عائدا من ولايته برج بوعريرج شرقي الجزائر، إنه تفاجأ من طول الطوابير وتكدس السيارات، مضيفًا، لـ"العربي الجديد"،أنه سمع بوجود مشكلات على الطريق لكنه لم يصدق: "لقد وقعنا ضحية خطاب سياسي يعلن الانفتاح والاحتفال بالحراك الشعبي، ولذلك كنت قررت العودة إلى الجامعة حيث أدرس، لكنني وصلت في غضون سبع ساعات، فيما كانت نقطع المسافة بالحافلة في ثلاث ساعات في أقصى تقدير".
وقبل ذلك بيومين، أغلقت السلطات الجزائرية نفقا على الطريق السيار، 70 كيلومترا شرقي العاصمة الجزائرية، يربطها بولايات الشرق ومنطقة القبائل، بحجة وجود أشغال ترميم للنفق، فيما كان القرار يستهدف التضييق على إمكانية تنقل متظاهرين، وإعطاب وصولهم إلى العاصمة، ومنع انطلاق أية قوافل للمشاركة في مظاهرات الحراك في العاصمة.
ونشرت قوات الأمن وحدات خاصة في محطة الحافلات والقطارات لمراقبة الوافدين، حيث يتم اعتقال أو إعادة ترحيل كل من يشتبه في أنه قدم خصيصا للمشاركة في مظاهرات الحراك الشعبي، في خطوة تستهدف خنق العاصمة وتقليل أعداد المتظاهرين المتوقعة يوم غد الجمعة التي تتزامن مع احتفالات الذكرى الأولى لاندلاع الحراك الشعبي، في سلوك وصفه الناشطون بعودة السلطة إلى الأساليب البوليسية في إدارة الشأن العام وقمع المظاهرات.
ودان ناشطون حقوقيون ما وصفوه بـ"التضييق الأمني ومنع حق دستوري وهو حق التنقل"، بحسب الناشط الحقوقي والمحامي عبد الغني بادي، والذي أكد لـ"العربي الجديد" أن "السلطة تعيد إنتاج نفس الأساليب القبيحة في إدارة الشأن العام، مثل هذه الممارسات كانت السبب الأول في حالة الغضب الشعبي التي أدت إلى اندلاع حراك فبراير من جهة، كما أنها من جهة ثانية تؤكد أن النظام ما زال وفيا لطباعه وطبيعته وممارساته، وأن الحديث عن جزائر جديدة يروج لها الرئيس عبد المجيد تبون هو خطاب يتناقض كليا مع الواقع". وبرغم هذا الحصار فإن الناشطين توعدوا السلطات بمظاهرات قياسية يوم غد الجمعة.
وعلق النائب السابق في البرلمان فاتح قرد على تدابير غلق العاصمة بأنها "عملية تعذيب للمواطنين عموما، وتعطيل مصالح الناس، وتعطي صورة عن جزائر متخلفة في تسيير الشأن العام بطرق بالية"، مضيفا في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "هكذا تدابير قد تؤدي إلى نتائج عكسية؛ غلق العاصمة وتضييق الدخول إليها سيدفع من لم يكن في نيته الخروج لمظاهرات الحراك إلى الخروج والمشاركة تحديا للسلطة، ويراكم لدى الجزائريين الحنق والغضب من ممارسات شبيهة بممارسات نظام بوتفليقة وعهده البائد".
ولم تصدر السلطات أية توضيحات بشان غلق الطرق وحصار العاصمة، لكن مسؤولا أمنيا ذكر لـ"العربي الجديد" أن "هذه التدابير لها سياقها الأمني؛ العاصمة لها قدرة احتمال محددة من حيث سعة استقبال متظاهرين، والقوة الأمنية المتوفرة أيضا لها قدرة محددة في مراقبة الوضع الاحتجاجي، والأجهزة الأمنية تنطلق من تقدير الأسوأ لتلافيه ولا تنتظر حتى وقوعه"، موضحا أن "هناك أيضا الخوف من إمكانية حدوث اختراق أمني للمظاهرات، خاصة أنه تم إحباط محاولة تفجير انتحاري للمظاهرات قبل أسبوعين".