المعارضة الجزائرية: عودة من المغالبة وحجّ إلى التوافق

09 يونيو 2018
تحوّل سياسي لافت في خطاب أغلب قوى المعارضة(العربي الجديد)
+ الخط -
تراجعت قوى المعارضة السياسية في الجزائر عن مواقفها الراديكالية اتجاه السلطة والرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وباتت تطرح في الغالب مشاريع ومبادرات سياسية للتوافق السياسي مع السلطة ومجمل القوى الوطنية، بعد فترة من الاعتراض الراديكالي الحاد، بلغ حد المطالبة بانتخابات رئاسية مسبقة وإقرار شغور منصب الرئيس بسبب مرض بوتفليقة.

وطرح أكثر من حزب سياسي معارض في الجزائر في الفترة الأخيرة مبادرات للتوافق السياسي والإجماع الوطني، بهدف تحصين الجبهة الداخلية إزاء المخاطر المحيطة، واستباق الوضع لتوفير أجواء ومناخ سياسي أكثر ملاءمة لإجراء الانتخابات الرئاسية المقررة ربيع العام المقبل.

بعض هذه الأحزاب بادر فعلياً إلى إجراء مشاورات سياسية مع قادة الأحزاب الرئيسية للسلطة، بغرض طرح مبادرة توافق، لكن اللافت أن أغلب هذه المبادرات السياسية والتوافقية تطرحها أحزاب معارضة كانت عضواً في ما يعرف بـ"تنسيقية التغيير والانتقال الديمقراطي"، التي أصدرت وثيقة "مزفران للانتقال الديمقراطي" في يونيو/ حزيران 2014، وطالبت بتطبيق المادة 88 (أصبحت المادة 104 في دستور 2016)، التي تقرّ بشغور منصب الرئاسة بسبب مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وتنظيم انتخابات رئاسية مسبقة وإقرار مرحلة انتقالية.

وبدأت قيادة حركة "البناء الوطني" (حزب منشق عن الحزب الأم لإخوان الجزائر)، برئاسة سلسلة لقاءات مع قادة حزب "جبهة الحرير الوطني"، و"التجمع الوطني الديمقراطي"، إذ التقى الأسبوع الماضي وفد من الحركة برئاسة عبد القادر بن قرينة بالأمين العام لـ"جبهة التحرير الوطني" جمال ولد عباس، وبصديق شهاب مساعد الأمين العام لـ"التجمع الوطني الديمقراطي"، الذي يقوده رئيس الحكومة أحمد أويحيي.

وقال بن قرينة لـ"العربي الجديد" إنه تم خلال اللقاء "طرح مبادرة حول تمتين الجبهة الداخلية والاستقرار ومواجهة المخاطر المحدقة بالبلد، وكيفية العمل على التكفل بانشغالات المواطنين والتخفيف من معاناتهم وقصد ترقية الحوار، وتعبئة كل الطاقات نحو مستقبل آمن".

وأكد المصدر نفسه أن هذه اللقاءات تدخل في إطار "مبادرة سياسية من أجل بناء الثقة بين مكونات الساحة الوطنية والحرص المشترك على استقرار الوطن أمام أي تطورات، والاحتياط لأي انعكاسات سلبية، اقتصادية وسياسية واجتماعية، وتمتين الجبهة الداخلية، والتحرشات الأجنبية المتكررة بالجزائر".

لا ضمانات من جانب السلطة

ودون وجود أية ضمانات بشأن إمكانية أن تبادر السلطة إلى القبول بمبادرات من هذا السياق، تطرح "جبهة القوى الاشتراكية"، أقدم أحزاب المعارضة السياسية في الجزائر، مبادرة سياسية بعنوان "الإجماع الوطني" تفضي إلى عقد مؤتمر حوار وطني يجمع كل القوى السياسية.

وحسب السكرتير الأول للحزب حاج جيلاني فإن "الجبهة متمسكة بإنجاز مشروع الإجماع الوطني الذي يبقى الحل الوحيد لتجنيب البلاد الوقوع في الأخطار التي تهددها".

وتستهدف المبادرة السياسية "تكريس الديمقراطية والحريات واحترام حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وإقامة دولة ديمقراطية واجتماعية، وتطرح زعيمة حزب العمال اليساري في الجزائر لويزة حنون فكرة الذهاب نحو توافق سياسي وطني يفضي إلى انشاء مجلس وطني تأسيسي يعيد صياغة دستور جديد للبلاد ويكرّس الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ويضع حداً للمخاطر الداخلية والإقليمية التي تتهدد البلاد.

وبخلاف مواقفها الحادة تجاه السلطة وسياسات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة التي عرفت بها في السنوات الأخيرة، عدلت حركة "مجتمع السلم" بشكل كبير خطابها السياسي اتجاه السلطة، وعادت إلى طرح مبادرة سياسية للتوافق السياسي مباشرة بعد المؤتمر العام للحركة الذي عقد منتصف مايو/ أيار الماضي، ومارست فيه كتلة من المؤتمرين ضغوطاً كبيرة على قيادة الحركة للعودة من خط المعارضة الراديكالية التي تبنتها الحركة خلال الخمس سنوات الأخيرة.

وأعلنت القيادة الجديدة لحركة "مجتمع السلم" في أول اجتماع لها بعد المؤتمر دعوتها كافة الأطراف السياسية للتوصل إلى "توافق وطني لتسيير المرحلة القادمة". وتطرح الحركة في هذا السياق خطوات "تحقيق توافق سياسي عبر حوار وطني جامع، يفضي إلى اتفاق على مرشح توافقي بين السلطة والمعارضة، على أساس مرحلة انتقالية وحكومة انتقالية أيضاً، تنتهي بعهدة كاملة بتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية شفافة وديمقراطية. 

وتقترب حركة "الإصلاح الوطني" في نفس الأفكار مع حركة "مجتمع السلم"، إذ دعا رئيس الحركة فيلالي غويني في مؤتمر سياسي الأسبوع الماضي إلى "تنظيم ندوة حوار وطني، يبادر بها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة ويشارك فيها جميع العاملين، ويحرص على إنجاحها كل الفاعلين، للتوجه إلى بناء توافق سياسي وطني كبير بقاعدة شعبية واسعة لمعالجة الوضع القائم في البلاد، على أن الانتخابات الرئاسية المقبلة يمكن أن تكون مرحلة أولى لتجسيد مخرجات التوافق الوطني وتكريس دولة الحق والقانون والحريات المنشودة".

لماذا هذا التحوّل بخطاب المعارضة؟

ويبرز هنا سؤال ملحّ عن هذا التحول السياسي اللافت في خطاب أغلب قوى المعارضة السياسية واندفاعها نحو طرح مبادرات للإجماع والتوافق السياسي مع السلطة، بعد فترة من التشنج في المواقف والحدية في نقد السياسات، خصوصاً وأن السلطة لم تبد في مقابل ذلك أي تراجع في موقفها أو نية للحوار مع الأحزاب السياسية المعارضة.

ويعتقد القيادي في حركة "مجتمع السلم" أحمد صادوق أن "صم السلطة آذانها عن الحوار والتفاهمات السياسية مع قوى المعارضة، وتعاظم المخاطر الداخلية في ظل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة، هو أكثر ما يدفع بقوى المعارضة إلى تحمل مسؤولية تجاوز المطالب الحزبية إلى مطلب التوافق الوطني".

وقال صادوق لـ"العربي الجديد"، إن المعارضة "تحاول أن تكون أكثر وطنية وأكثر حرصاً على الحفاظ على مصالح البلاد، وفي ظل المخاطر الموجودة، وجب التوجه نحو الخطاب المركز على الوطن ومصلحته".

مراقبون سياسيون يرجّحون أن يكون جناح في السلطة، على علاقة بأحزاب المعارضة، يحاول تقديم ضمانات بإقامة حوار سياسي لحسم ملف الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في ربيع العام المقبل 2019، إذ ترغب السلطة في تحقيق مستوى إجماع سياسي على مرشح توافقي بنفس القدر الذي توفر للرئيس بوتفليقة عام 1999، إذ حصل على مساندة من سبعة أحزاب سياسية.

ويؤكد المحلل السياسي محمد باشوش أن "الملاحظ فعلياً أن هناك تحولاً في الخطاب السياسي لأحزاب المعارضة، آخرها تحول خطاب حركة مجتمع السلم التي لينت خطابها، وقد يكون ذلك مؤشراً على وجود تفاهمات مع طرف في السلطة يقضي بالدخول في مرحلة توافق على أن يعتبر موضوع بقاء الرئيس في السلطة من عدمه قضية إنسانية وليست سياسية، وأعتقد أن فكرة التوافق الوطني هي مقترح جناح في السلطة".

بعد فترة متشنجة طالبت فيها المعارضة السياسية بإبعاد الرئيس بوتفليقة عن الحكم وبتنظيم انتخابات رئاسية مسبقة، ورد عليها الرئيس بوتفليقة بوصفه المعارضة "بالانتهازية وغير الأخلاقية"، بدأت المواقف تلين بين الطرفين.

الرسائل السياسية الأخيرة للرئيس بوتفليقة في أكثر من مناسبة، التي تقرّ بحق المعارضة في الاعتراض ودعوتها إلى المساهمة في المسار السياسي من جهة، وعودة أحزاب المعارضة عن خطاب حاد وانتقالها إلى دعوات التوافق السياسي، كلها مؤشرات مرتبطة بجهود لاستغلال محطة الرئاسيات المقبلة لتحقيق منجز تفاهمات سياسية تؤمن المرحلة المقبلة.

وقد لا تفي فيها السلطة بالضرورة بوعودها كما تعودت بعد كل استحقاق، خصوصاً أن السلطة لا تبدي حتى الآن أية رغبة جدية في إجراء حوار حقيقي مع قوى المعارضة بشأن المرحلة المقبلة، وهو ما يدفع عدداً آخر من أحزاب المعارضة كحزب "جيل جديد"، و"طلائع الحريات"، برئاسة رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، إلى الإبقاء على هامش من المسافة بينها وبين السلطة، بفعل غياب عامل الثقة السياسية.   

 

المساهمون