كورونا في كل مكان وفي كل الأوقات. لا مجال للتونسيين أن يتخطّوا هذا الموضوع، والتحرر منه كلياً. حتى مزاحهم ارتبط بهذا الوباء، الذي يحاصرهم داخل بيوتهم ومن خارجها. اختلطت الدعابة بالخطر الداهم، إذ أصبح من عادة التونسي أن يستيقظ كل صباح ليسمع آخر إحصائية لعدد المصابين والمحافظات الجديدة التي اقتحمتها العدوى، ويتابع مع البقية آخر مستجدات الحرب الدائرة ضد الوباء الجديد. لقد تحوّل الرأي العام المحلي، مثل غيره في بلدان العالم، لقمة سائغة لسياسة إعلامية دولية تُثير فيه المخاوف، وتتقاذفه في كل اتجاه، وتدفع به نحو منطقة مجهولة المعالم والمخاطر.
ما كان خيالاً أصبح واقعاً ملموساً، وما كان مستهجناً تم التكيف معه، باعتباره جزءاً من المشهد الجديد. من الطرائف التي حصلت في تونس أن الشرطة ألقت القبض على عدد من المواطنين بتهمة التسلل خلسة إلى أحد مساجد العاصمة لأداء صلاة الجمعة، وبدل أن يدخلوا من الباب الرئيسي للجامع لجأوا إلى الباب الخلفي حتى لا يتفطن لهم العسس (مخبرون). على الرغم من كل هذه الاحتياطات، تم التفطن لهؤلاء المتمردين على قانون الحجر الصحي، وتدخّل الأمن لمنع الصلاة. كذلك دوّنت الشرطة محاضر ضد أئمة، خالفوا قرار وزارة الشؤون الدينية وصلّوا بآخرين جماعةً.
قد يكون وراء هذا التهوّر المُهدد لحياة المواطنين الفتوى التي أطلقها وجدي غنيم، ودان فيها قرار إلغاء صلاة الجمعة وبقية الصلوات داخل المساجد، وحجته في ذلك أن نسبة الموت بكورونا داخل بيوت الله ضعيفة، إن لم تكن معدومة. واشترط في فتواه العجيبة أن يتم غلق بقية الفضاءات الاجتماعية ومؤسسات الدولة، وبعد ذلك يُمكن حينها مناقشة قرار منع المصلين من دخول المساجد. أي عندما ترتفع نسبة العدوى، وتتراكم أعداد الضحايا، يتهيأ الشيخ الجليل للتفكير في إصدار ما يعتبره "حكماً شرعياً".
حتى الإرهابيون رفضوا بدورهم مراعاة الحجْر، ليس دفاعاً عن ممارسة العبادة، وإنما لمواصلة تخريب البلد وقتل الأبرياء، إذ تم إلقاء القبض على عنصرين متطرفين كانا يخططان للقيام بعمليات ضد مؤسسات الدولة. كذلك انتشر الجيش التونسي على كامل الحدود الشرقية للبلاد، استعداداً لرد الفعل تجاه كل طارئ، خصوصاً بعد أن أعلنت مليشيات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر نيّتها استغلال الوباء لإحكام سيطرتها على المناطق القريبة، بين مدينة الزاوية وتلك المحاذية لمنطقة رأس جدير الحدودية. في هذا السياق انتشر فيديو بين التونسيين على شبكات التواصل الاجتماعي يتضمن تهديداً لبعض المسلحين التابعين في ما يبدو للمليشيات القريبة من حفتر، توعدوا فيه بتدمير تونس. لكن المصادر العسكرية التونسية لم تأخذ ذلك مأخذ الجد، وأكدت أن الوضع تحت السيطرة.
اقــرأ أيضاً
لم يلتزم عدد كبير من التونسيين بتعليمات الحجر الصحي، وهو ما فرض إعلان حالة الطوارئ، ونزول الجيش بكثافة داخل المدن والقرى، وحتى الأحياء. وأصبح صوت المروحيات العسكرية معهوداً في الليل والنهار لتحديد مواقع تجمع المواطنين، ومعاقبة كل من لم يستوعب أن البلاد تعيش حرباً ضد عدو لا يُرى، وأن حياة الجميع أصبحت مهددة بشكل جدّي. من جهة أخرى، تعمل الحكومة على تعبئة كل الموارد المالية والبشرية، وتخوض معركة ضارية ضد المحتكرين الذين لا همّ لهم سوى إخفاء المواد الأساسية، ومضاعفة أسعارها استغلالاً لمواطنيهم الذين يواجهون خطر الموت. كذلك طالبت منظمات مجتمع مدني رئيس الجمهورية قيس سعيّد بإطلاق سراح أكبر عدد ممكن من المساجين، خوفاً من تفشي المرض في صفوفهم، وهو ما قد يهدد حياة العديد منهم. أما بقية منظمات المجتمع المدني فقد بدأت تنسق في ما بينها من أجل معاضدة الدولة في دورها الحمائي.
أمام ضعف ميزانية الدولة، وتآكل البنية التحتية للمستشفيات العمومية، يجد الأطباء وأعوان الصحة العمومية أنفسهم يواجهون المصابين من دون حماية أنفسهم من العدوى، وهو ما عرّض بعضهم للإصابة بالفيروس، وأجبرهم على ملازمة الحجر داخل المستشفيات خوفاً على أسرهم. ونظراً لحجم الكارثة، التي يمكن أن تحصل خلال الأيام القليلة المقبلة، توجّه سعيّد نحو طلب المساعدة من دول عربية وغربية عديدة، استجاب بعضها مثل الصين والاتحاد الأوروبي والأردن وتركيا وحتى إيطاليا وإثيوبيا. كذلك انطلقت في تونس محادثات مع ممثلي البنك الدولي تتعلق بدراسة حجم المساعدات التي تحتاج إليها تونس في هذه الأزمة الكبرى التي يواجهها الاقتصاد العالمي. الاحتياجات ضخمة، والوقت يمر بسرعة، وخبراء اقتصاديون يحذّرون من أيام صعبة تنتظر التونسيين خلال المرحلة المقبلة، بينما لم تتوقف المناورات السياسية بين مختلف الأحزاب، سواء الحاكمة أو في المعارضة.
ما كان خيالاً أصبح واقعاً ملموساً، وما كان مستهجناً تم التكيف معه، باعتباره جزءاً من المشهد الجديد. من الطرائف التي حصلت في تونس أن الشرطة ألقت القبض على عدد من المواطنين بتهمة التسلل خلسة إلى أحد مساجد العاصمة لأداء صلاة الجمعة، وبدل أن يدخلوا من الباب الرئيسي للجامع لجأوا إلى الباب الخلفي حتى لا يتفطن لهم العسس (مخبرون). على الرغم من كل هذه الاحتياطات، تم التفطن لهؤلاء المتمردين على قانون الحجر الصحي، وتدخّل الأمن لمنع الصلاة. كذلك دوّنت الشرطة محاضر ضد أئمة، خالفوا قرار وزارة الشؤون الدينية وصلّوا بآخرين جماعةً.
حتى الإرهابيون رفضوا بدورهم مراعاة الحجْر، ليس دفاعاً عن ممارسة العبادة، وإنما لمواصلة تخريب البلد وقتل الأبرياء، إذ تم إلقاء القبض على عنصرين متطرفين كانا يخططان للقيام بعمليات ضد مؤسسات الدولة. كذلك انتشر الجيش التونسي على كامل الحدود الشرقية للبلاد، استعداداً لرد الفعل تجاه كل طارئ، خصوصاً بعد أن أعلنت مليشيات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر نيّتها استغلال الوباء لإحكام سيطرتها على المناطق القريبة، بين مدينة الزاوية وتلك المحاذية لمنطقة رأس جدير الحدودية. في هذا السياق انتشر فيديو بين التونسيين على شبكات التواصل الاجتماعي يتضمن تهديداً لبعض المسلحين التابعين في ما يبدو للمليشيات القريبة من حفتر، توعدوا فيه بتدمير تونس. لكن المصادر العسكرية التونسية لم تأخذ ذلك مأخذ الجد، وأكدت أن الوضع تحت السيطرة.
لم يلتزم عدد كبير من التونسيين بتعليمات الحجر الصحي، وهو ما فرض إعلان حالة الطوارئ، ونزول الجيش بكثافة داخل المدن والقرى، وحتى الأحياء. وأصبح صوت المروحيات العسكرية معهوداً في الليل والنهار لتحديد مواقع تجمع المواطنين، ومعاقبة كل من لم يستوعب أن البلاد تعيش حرباً ضد عدو لا يُرى، وأن حياة الجميع أصبحت مهددة بشكل جدّي. من جهة أخرى، تعمل الحكومة على تعبئة كل الموارد المالية والبشرية، وتخوض معركة ضارية ضد المحتكرين الذين لا همّ لهم سوى إخفاء المواد الأساسية، ومضاعفة أسعارها استغلالاً لمواطنيهم الذين يواجهون خطر الموت. كذلك طالبت منظمات مجتمع مدني رئيس الجمهورية قيس سعيّد بإطلاق سراح أكبر عدد ممكن من المساجين، خوفاً من تفشي المرض في صفوفهم، وهو ما قد يهدد حياة العديد منهم. أما بقية منظمات المجتمع المدني فقد بدأت تنسق في ما بينها من أجل معاضدة الدولة في دورها الحمائي.