احتمالات الاتفاق النووي الإيراني: نتائج مباشرة وأخرى طويلة الأجل

08 يوليو 2015
جانب من المفاوضات الساخنة الجارية بفيينا (جو كلامار/فرانس برس)
+ الخط -
تبدو احتمالات التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران ومجموعة "5+1" قائمة بالفعل ومرجحة  بحسب ما يراه الأستاذ في قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة نيويورك والمتخصص في السياسة الإيرانية، أرانج كشفارزيان، الذي لا يستبعد، في مقابلة مع "العربي الجديد" في نيويورك، أن تتوصل الأطراف خلال الأيام المقبلة إلى اتفاق، وخصوصاً أن "الاتفاق الانتقالي الذي أبرم في الربيع أظهر وجود توافق ما واستعداد للمساومة وإلا لما استمرت الدبلوماسية بهذه الشدة"، على حدّ تعبيره.


اقرأ أيضاً: إيران تُلوح بتمديد المفاوضات النووية مُجدداً

التأثير الاقتصادي والاجتماعي 

سيكون للاتفاق الموعود تأثيرات إيجابية على المواطنين الإيرانيين وعلى قدرة المجتمع الإيراني على التعامل مع التوترات والصراعات. ويؤكد كشفارزيان في هذا السياق أن "هناك عدداً لا يستهان به من الإيرانيين لديهم اتصالات مع الخارج أو لهم أقارب، وسيؤدي رفع العقوبات الاقتصادية إلى رفع حواجز أمام إرسال واستلام الأموال وحتى في الحصول على سمات السفر". ويوضح أنه سينتج من ذلك تدفق أولي للموارد إلى الاقتصاد، لأنه سيكون بإمكان الإيرانيين استيراد البضائع وكذلك الحصول على الأرباح من المبيعات، خصوصاً النفط. وسيساعد هذا الإيرانيين في الحصول على سلع كانت شحيحة أو متوفرة بأسعار باهظة جداً. ويَتَوقع أن تستفيد بعض القطاعات، مثل صناعة السيارات، من ذلك وتتمكن من الحصول على الأدوات الاحتياطية والتكنولوجيا. ويرى أن كل هذا سيخلق وظائف في اقتصاد عانى من الكساد لسنوات. جميعها عوامل يرى كثيرون أنها تخدم نظرة أميركية تفيد بأن تحسن الوضع الاقتصادي للإيرانيين سيخلق طبقة جديدة من البرجوازية ستمارس من خلال مصالحها الاقتصادية، ضغوطاً على النظام من داخله، قد تصل إلى إدخال تغييرات جذرية على هذا النظام، في الداخل وفي سياساته الخارجية، في سيناريو مشابه لما حصل في الاتحاد السوفياتي قبيل سنوات من سقوطه، تحديداً منذ بدء مرحلة "الاصلاحات" التي دشنتها "البيريسترويكا". 

ويرجّح كشفارزيان، الذي ينحدر من أصول إيرانية، أن ذلك قد يؤدي على المدى البعيد إلى خلق استثمارات مشتركة في قطاع النفط والقطاعات المرتبطة به، وكذلك في مجال الصناعات الثقيلة. وقد يجذب الاستثمارات الأجنبية. لكنه يستبعد أن يحدث تغيير راديكالي كما يأمل بعض الإيرانيين، لأن الأمر متعلق كذلك بعوامل بنيوية في اقتصاد إيران مثل النظام القضائي وموقع الأوليغارشية.

وعلى الرغم من هذا التفاؤل، إلا أنّ كاشفارزيان يشير إلى وجود مخاوف مرتبطة بالمناخ الاجتماعي والسياسي الداخلي الإيراني، إذ إن هناك شريحة من المجتمع الإيراني وبعض التيارات داخل النظام وذات نفوذ تنظر بعين الريبة إلى ما يسمى بـ"الانفتاح" نحو الغرب. ويتخوف ناشطون في مجال حقوق الإنسان، من أن تستغل هذه الشرائح الفرصة كي تستهدف تيارات اجتماعية يعتبرون أنها تشكل تهديداً ثقافياً أو أنها معادية لتوجهاتهم المحافظة اجتماعياً. وحينها يتوقع كاشفارزيان أن يزداد استهداف الصحافيين والمنظمات غير الحكومية والناشطات النسويات والفنانين والناشطين السياسيين من قبل القضاء والشرطة وأجهزة أخرى رسمية وشبه رسمية. ويبقى هذا كله تحديا أمام الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي لا يلبث أن يكرر أنه سيركز على الاصلاحات الاجتماعية والسياسية داخلياً حالما يتم التوصل إلى حل سلمي للنزاع النووي.

اقرأ أيضاً: "فاينانشال تايمز": الحرس الثوري لا يريد اتفاقاً نووياً 

تحالفات إيران

ولعل واحداً من أكثر الأسئلة أهمية، هو كيف سيؤثر التوصل لاتفاق نووي على دور إيران وتحالفاتها في المنطقة، وصراعها مع السعودية؟ وعن هذا يقول كاشفارزيان "شددت إيران والولايات المتحدة على أن هذه المفاوضات ليست جزءاً من صفقة كبرى. لكن من الواضح أن التوصل إلى اتفاق وتنفيذه سيعزز الثقة المتبادلة. لا أعتقد أن ذلك سيغير التزامات حكومة الولايات المتحدة لمعمار الأمن في المنطقة والذي يرتكز على علاقات خاصة مع إسرائيل والسعودية وروابط عسكرية ومالية وثيقة مع دول الخليج ومصر وتركيا". ويضيف أنه "وعلى الرغم من ثبات النظام الإيراني منذ ثلاثة عقود، إلا أن ذلك الاتفاق سيمكن إيران من أن تشترك بصورة أكثر مباشرة وإيجابية في المفاوضات حول سورية والعراق واليمن وأفغانستان. الحروب الدائرة في المنطقة حالياً تتفاقم بعزل إيران. إن رد فعل إسرائيل والسعودية لانفراج مع إيران في غاية الأهمية. فالنظامان يتعارضان ايديولوجياً مع إيران ويوظفان التهديد الإيراني لصرف الانتباه عن أزماتهما الداخلية ونقادهما"، على حدّ تعبيره.

من جهة ثانية، لا بد من الإشارة إلى أن عدداً لا بأس به من الديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس الأميركي عبروا عن رفضهم للمفاوضات، لكن من المستبعد أن يتمكنوا من الاعتراض على الاتفاق، خصوصاً أن هذه المفاوضات تحظى بدعم غالبية الأميركيين ولا يرغبون بالذهاب إلى حرب أخرى. وفي هذا الإطار، يؤكد كشفارزيان أن القانون الأميركي "يضع الأمور الدولية في عهدة الرئيس. إذا ما عارض الكونغرس بشدّة، فإن ذلك سيكون بتأثير المصالح القوية خارجه وحتى خارج الولايات المتحدة". ويشير إلى توجه القادة السياسيين إلى الحرب بدلاً من الدبلوماسية في الفترة الأخيرة، ويشدد على أن "الذين يدفعون تكلفة هذه الحروب هم الناس العاديون في منطقة الشرق الأوسط". ويأمل، في حال خف  التوتر السياسي الدولي مع إيران، أن يفتح ذلك مسافة أكبر للإيرانيين من مختلف التوجهات السياسية للتعبير عن وجهات نظرهم وتنظيم صفوفهم وتعبئتها حول أمور سياسية محددة.

المساهمون