الجزائر... لا تحوّل لا انتقال

24 يوليو 2018
شهد الدستور ستة تعديلات أربعة منها بعهد بوتفليقة(Getty)
+ الخط -
هل الجزائر في حاجة إلى مرحلة انتقالية؟ قد يكون هذا السؤال المركزي أكثر ما يشغل النخبة المثقفة المحملة بهواجس الشأن السياسي، والنخب الفاعلة في المجال السياسي العام في الجزائر. مع كل التطورات والمحطات السياسية في تاريخ الجزائر المستقلة، وعلى أهميتها وحيويتها والتغييرات التي حملتها على شكل النظام الحاكم أو رموزه السياسية والعسكرية، من انقلاب عام 1965 إلى النهج الشاذلي بعد عام 1979 إلى عهد التعددية في عام 1989، وصولاً إلى مرحلة البوتفليقية عام 1999، فإنّ هذه التغيّرات لم تبلغ مستوى "التحوّل السياسي" إلى الجمهورية الثانية، أو "الانتقال الديمقراطي" إلى الدولة المؤسسة. ذلك أنّ النظام السياسي الذي تأسّس في الجزائر منذ أزمة صائفة عام 1962، ظلّ مغلقاً ومرتكزاً على القيمة الثابتة للدولة التي تحتكر التفكير والتدبير والتسيير والشرعيات؛ شرعية الثورة والدين والهوية والمكان والقوة.

في الجزائر، يتغيّر الدستور كلّما وجدت السلطة حاجة لذلك، مع حجم هائل من الدعاية بدخول البلاد مرحلة سياسية جديدة. فبين عامي 1989 و2016، شهد الدستور ستة تعديلات؛ أربعة منها في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وحده، لكن الواقع ينكشف بعد فترة من كل تعديل على أنّ التغييرات التي طاولت النصّ الدستوري لم تطاول تقاليد المؤسسة الحاكمة، ولم تغيّر في أدوات إدارة الشأن العام، ولم تؤسّس لشراكة سياسية مجتمعية، ولم تغيّر حتى من طبيعة تسيير الانتخابات كمظهر للديمقراطية.

يفرز هذا الواقع احتباساً سياسياً تآكل معه الرصيد الرمزي للدولة والمؤسسات المنتخبة بسبب مركزية الحكم، وفقراً تنموياً خطيراً في البلاد، مع تزايد رقعة الشرخ المجتمعي وبروز نزعات الهوية والمناطقية، وتمدد الفساد المالي والسياسي واختراقه لمؤسسات حكومية بدت في بعض الحالات الراعي الرسمي للفساد (قضية الكوكايين الأخيرة نموذجاً). وهذا الوضع لا تقول به المعارضة فقط، بل لا ينكره رجالات الحكم حتى، وتؤسس عليه المعارضة مطلبها في التوجه إلى إجماع وطني ومرحلة انتقالية، قد يكون نموذج الانتقال البولندي الأقرب إليها، بغض النظر عن التضاريس السياسية والتفاصيل.

أبغض الحلال عند السلطة في الجزائر، حديث المعارضة عن الضرورات الملحة لمرحلة انتقالية. تزعم رموز النظام أنّ ذلك يعني الإقرار بوجود أزمة ونسف كل المنجز السياسي والمؤسساتي الذي تحقق. صحيح أنّ الجزائر تتوفّر على مؤسسة دستورية منتخبة، وعلى مواعيد منضبطة للاستحقاقات الانتخابية، مثلما تزعم السلطة، لكن الفارق واضح في المآلات السياسية والاقتصادية والمخرجات الاجتماعية، غير المنسجمة تماماً مع المقدرات العامة للبلد. والأرقام المحايدة بشأن ضعف مستويات النمو والخدمات في التعليم والصحة والنقل والسكن وغيرها، تؤكّد أنّ ثمّة عطباً منبته سياسي ويجب معالجته سياسياً بمجلس تأسيسي أو مرحلة انتقالية أو إجماع وطني حول الجمهورية الثانية. عقلاء النظام وكذا أبناؤه الذين خرجوا من صلبه وتحولوا إلى المعارضة، يقرون بذلك. وبغضّ النظر عن أي مطلب للمعارضة وموقف للسلطة، فإنّ استمرار الحالة الجزائرية بوضعها الحالي، لا تحوّل ولا انتقال، ليست سوى حالة عجوز تنسج وتفكّ نسيجها.