حققت قوات النظام السوري، المدعومة من روسيا وإيران والمليشيات، بدخولها إلى مدينة خان شيخون، أمس الثلاثاء، بعد أربعة أشهر من الحملة الدموية، اختراقاً عسكرياً من شأنه تغيير معادلات السيطرة في شمال غربي سورية برمته. هذا الاختراق، الذي ستكون له تداعيات على كامل ريفي حماة وإدلب، لم يكن ممكناً لولا استخدام الطيران سياسة الأرض المحروقة لإبادة البشر والحجر في المنطقة، وهو ما ترجم في تنفيذ أكثر من 1200 عملية قصف، توزعت بين مدفعي وجوي، خلال بضع ساعات فقط.
وبينما أكدت فصائل المعارضة السورية، فضلاً عن "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، دخول قوات الأسد إلى خان شيخون، سارعت تركيا إلى تحذير النظام من اللعب بالنار، مشيرة إلى تمسكها بنقاط المراقبة في إدلب، وفي الوقت الذي طرح فيه مراقبون تساؤلات حول الجهود التي بذلتها أنقرة لوقف تقدم قوات النظام. أما روسيا، فانتظرت حتى سقوط خان شيخون لتقر على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس الثلاثاء، بوجود جنود روس على الأرض في إدلب، بعدما كانت موسكو نفت الأمر مراراً. وبرر لافروف هذا الوجود بالقول إن "الجهود من أجل التصدي لاعتداءات مسلحي جبهة النصرة والقضاء على الإرهابيين في إدلب ستتواصل، وتركيا أُبلغت بذلك".
وكانت تواردت أنباء عن انسحاب الفصائل من ريف حماة الشمالي تفادياً للحصار، لكن المتحدث العسكري لغرفة عمليات "الفتح المبين" أبو خالد الشامي، نفى سيطرة قوات النظام، والمليشيات الروسية والإيرانية، على كامل مدينة خان شيخون في ريف إدلب ومدن كفرزيتا واللطامنة ومورك في ريف حماة، وذلك عبر تصريح عممه على وسائل التواصل الاجتماعي. وأكد الشامي أن مقاتلي غرفة عمليات "الفتح المبين"، والتي تضم الفصائل في ريفي إدلب وحماة، "أعادوا ليلة الاثنين التمركز في جنوب مدينة خان شيخون، مع بقاء الجيب الجنوبي (مورك واللطامنة وكفرزيتا) تحت سيطرة الفتح المبين". وقال الشامي "إننا في غرفة عمليات الفتح المبين، نؤكد خيارنا في مواجهة هذا العدوان الآثم، الذي قتل الأطفال والنساء ودمّر البيوت فوق رؤوس ساكنيها، ويشهد كل العالم إجرامه بصمت. سنقاتل عن أرضنا ونذود عنها بكل ما نستطيع، ولن نسلم أرضاً حررناها بدماء من سبقونا من الشهداء، وليعلم المحتل أن ثمن عدوانه سيكون باهظاً جداً".
لكن موقع "بلدي نيوز" الإخباري أكد أن الفصائل المقاتلة في ريف حماة اتخذت ليل الاثنين - الثلاثاء قراراً بالإخلاء الجماعي لريف حماة، بعد انقطاع معظم طرق الإمداد إلى ريف حماة، عقب سيطرة قوات النظام وروسيا على نقاط حاكمة في مدينة خان شيخون، واقتصار طريق الإمداد والإخلاء والإسعاف على الطرق الترابية الواقعة بين مورك والتمانعة. وأشار إلى أن قرار الإخلاء "اتخذ من قبل غرفة العمليات لمنع حصار مئات المقاتلين، وتجنباً لوقوعهم في الحصار، والتعرض للأسر أو القتل الجماعي، في ظل استخدام جنوني للأسلحة شاملة التدمير من قبل روسيا ونظام الأسد"، موضحاً أن عملية الانسحاب كانت على عدة دفعات خلال الليل. ولفت إلى تعرض "عدة فرق منسحبة إلى غارات جوية وقصف مدفعي وصاروخي مباشر، ما تسبب بإصابة عدد من المقاتلين وفقدان الاتصال مع آخرين". وأكدت مصادر محلية أن قوات النظام باتت تحاصر ريف حماة الشمالي بشكل شبه كامل، إذ لم يبق لقوات المعارضة سوى منفذ ترابي قد تتمكن قوات النظام من رصده في أي وقت. وأكدت أن ريف حماة الشمالي لا يزال تحت سيطرة فصائل المعارضة ولم تدخله قوات النظام والمليشيات.
وقال قيادي في الجيش السوري الحر، لـ"العربي الجديد"، إن طول عمر المعركة أدى إلى استنزاف الفصائل التي خاضت على مدى نحو أربعة أشهر معارك متواصلة على عدة جبهات. وأوضح "أن القصف الجوي، إضافة إلى أن قوات النظام تملك المناظير الليلية التي تساعدها على الاقتحام الليلي، كما أن فارق القوة ضمن الموازين العسكرية، كانت لصالح النظام وداعميه الروس والإيرانيين، وهو ما أدى إلى التراجع وخسارة مناطق استراتيجية"، وفق القيادي.
وبعد حملة عسكرية بدأت أواخر إبريل/نيسان الماضي، حقق النظام والروس جانباً مهماً من أهدافهم المعلنة، وهي انتزاع السيطرة على ريف حماة الشمالي، وقسم مهم من ريف إدلب الجنوبي في خطوة واسعة للسيطرة على الطرق البرية الهامة. كما دفعت قوات النظام فصائل المعارضة بعيداً عن مدينة حماة، رابع أهم المدن السورية، والتي كانت مهددة بشكل دائم من قبل هذه الفصائل التي خسرت مناطق كانت تسيطر عليها منذ عام 2014 في ريفي حماة وإدلب.
من جهته، رأى المحلل العسكري العقيد أحمد الحمادي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ما يجري في شمال حماة وجنوب إدلب هو تنكر الروس للتفاهمات المبرمة مع تركيا حول وقف إطلاق النار في المنطقة"، مضيفاً أن "الروس منذ البداية يعتبرون من يقاتل الأسد إرهابياً، وهم مؤمنون بالحسم العسكري للأزمة السورية، خصوصاً بعد تخلي المجتمع الدولي عن مسؤولياته في حماية الشعب السوري وعدم تطبيق القرارات ذات الصلة". وتابع "قوات النظام، المدعومة روسياً وإيرانياً، تحاول كمرحلة أولى حصار ريف حماة الشمالي بدءاً من خان شيخون، ثم تجويعه وقصفه وتهجير أهله ثم السيطرة عليها". ورأى الحمادي أن "النظام وداعميه الروس والإيرانيين هدفُهم الطريقان إم 4 وإم 5، اللذان يربطان مدينة حلب بالساحل السوري ومدينة حماة". وأوضح الحمادي أن "المعارك تجري في ظل عدم وجود أدنى مقومات التوازن العسكري بين قوى الثورة ومليشيات الأسد، التي تم تزويدها بأسلحة حديثة روسية وقيادة روسية للمعارك، وآلاف الغارات الجوية واستخدام سياسة الأرض المحروقة"، مضيفاً "أما الواقع الإنساني ففي الحضيض. هناك مليون مهجر جديد مع انعدام أدنى مقومات الحياة".
وكان اتفاق سوتشي، المبرم بين تركيا وروسيا، والذي أكده بيان جولة "أستانة 13"، نص على إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة، بحدود تتراوح بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل. كما نص اتفاق سوتشي على "استعادة طرق نقل الترانزيت عبر الطريقين إم 4 (حلب - اللاذقية) وإم 5 (حلب - حماة) بحلول نهاية 2018". وتسيطر المعارضة السورية على أوتوستراد حلب ـ اللاذقية من منطقة الراشدين في ريف حلب الغربي، والتي تعتبر منطقة اشتباك، مروراً بمدينتي سراقب وأريحا، ثمّ ريف جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، إلى ريف اللاذقية الشمالي عند منطقة الناجية. ومن المتوقع أن تضغط قوات النظام والجانب الروسي في الأيام المقبلة أكثر على محور تل الكبانة في ريف اللاذقية الشمالي من أجل كسر فصائل المعارضة في تلك المنطقة، التي تعد البوابة الواسعة نحو مدينة جسر الشغور، الهدف البارز للنظام والروس لتأمين قاعدة حميميم، وحصر فصائل المعارضة و"هيئة تحرير الشام" ونحو 4 ملايين مدني في بقعة جغرافية ضيقة داخل محافظة إدلب، كخطوة أولى نحو دفع المعارضة لتوقيع اتفاق مصالحة يعد بمثابة صك استسلام، وبالتالي تصفية القضية السورية برمتها.
في المقابل، كشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس الثلاثاء، عن وجود عناصر من القوات الروسية على الأرض في منطقة خفض التصعيد في إدلب. وقال، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الغاني شيرلي أيروكور بوتشويه في موسكو، "لقد أكدت بشكل واضح أنه إذا واصل (الإرهابيون) هجماتهم انطلاقاً من تلك المنطقة على الجيش السوري والمدنيين وقاعدة حميميم الجوية الروسية، فإنها ستواجه رداً حازماً وقاسياً". وأضاف أن "الجيش التركي أنشأ عدداً من نقاط المراقبة في إدلب، وكانت هناك آمال معقودة على أن وجود العسكريين الأتراك هناك سيحول دون شن الإرهابيين هجمات، لكن ذلك لم يحدث". واعتبر أن "الجهود من أجل التصدي لاعتداءات مسلحي جبهة النصرة والقضاء على الإرهابيين في إدلب ستتواصل، وأن تركيا أُبلغت بذلك". وأعلن أن "روسيا تراقب مستجدات الوضع في إدلب عن كثب"، مضيفاً أن "العسكريين الروس موجودون على الأرض هناك، وأنهم على تواصل مستمر مع نظرائهم الأتراك ويبحثون معهم التطورات الأخيرة". وقال بوتين إن روسيا دعمت عمليات الجيش في إدلب "لوضع حد للتهديدات الإرهابية"، مضيفاً "لم نقل أبداً إن الإرهابيين في إدلب سيشعرون بالراحة".