التزوير يبطل نتائج الانتخابات العراقية... بانتظار الفرز اليدوي

07 يونيو 2018
أكدت اللجنة الحكومية تورّط مسؤولين بالمفوضية بجرائم تزوير(فرانس برس)
+ الخط -
عاد العراق بالزمن، سياسياً، إلى ما قبل الثالث عشر من مايو/أيار الماضي، تاريخ ظهور نتائج الانتخابات التشريعية على مراحل، إذ أبطل البرلمان، فعلياً، أمس الأربعاء، نتائج الاستحقاق الذي جرى في 12 مايو، بقراره إعادة فرز كامل صناديق الاقتراع يدوياً، بحجة وجود تزوير على نطاق واسع. كما قرر البرلمان، بحضور 172 نائباً من أصل 329 عضواً، إلغاء نتائج النازحين والخارج وجمّد عمل المفوضية العليا للانتخابات، المتهمة بدورها بالمشاركة في التزوير، وكلّف تسعة قضاة "مشهود لهم بالنزاهة من أجل الإشراف على عملية العد والفرز". وصوت مجلس النواب على تقرير لجنة تقصي الحقائق البرلمانية الذي أوصى بإعادة العد والفرز يدوياً وإلغاء انتخابات النازحين والخارج"، وألغى المادة 38 في قانون الانتخابات المتعلقة بالعد والفرز الإلكترونيين، ليصبح القرار بمثابة قانون ملزم. بذلك، تكون نتائج الانتخابات أبطلت فعلياً، ومعها تكون تجمدت كل المفاوضات الجارية بين الكتل الفائزة لتشكيل التحالف الأكبر الذي يحق له تشكيل الحكومة وتسمية رئيسها. والمفاجئ في قرارات البرلمان، هو تحديداً القرار بإعادة الفرز والعدّ في كل مراكز الاقتراع، وليس فقط في مناطق معينة يشكو الخاسرون بأنها شهدت تلاعباً، خصوصاً في أقلام الأنبار والمهجرين والخارج. وبموجب القرارات البرلمانية الجديدة، يتوقع أن تتغير هوية ما لا يقل عن عشرين نائباً، وهو، إن حصل، من شأنه أن يغير من الهوية السياسية للبرلمان المنتخب، نظراً إلى الفارق الضئيل في عدد نواب كل من الكتل الرئيسية الرابحة، إذ نال تحالف الصدر ــ الشيوعيون ــ التيار المدني 54 نائباً، بينما حصلت كتلة نوري المالكي على 25 مقعداً، والحشد الشعبي على 49 نائباً، وكتلة حيدر العبادي على 42 نائباً، في مقابل 21 لحزب مسعود البارزاني و21 لكتلة إياد علاوي. 

ودام الصراع طويلاً بين البرلمان من جهة، والمفوضية العليا من جهة ثانية، قبل أن تنقلب الحكومة بنفسها على المفوضية، التي وضع عشرات الأعضاء منها ورئيسها، معن الهيتاوي، في الإقامة الجبرية مع منع سفرهم، بما أنهم متورطون في تزوير واسع النطاق في عدد من المناطق العراقية وبعض مراكز الاقتراع في الخارج. ويتوقع أن تلاقي المحكمة الاتحادية كلا من البرلمان والحكومة في منتصف الطريق، ليكون حكمها في دعاوى التزوير مشابهاً لقرارات مجلسي الوزراء والنواب، بالتالي يصبح بطلان النتائج، في انتظار إعادة فرزها، حكماً نهائياً. وعشية قرارات البرلمان التي أبطلت النتائج في انتظار إعادة فرزها يدوياً، أصدرت الحكومة تقريراً نهائياً متعلّقاً بالتحقيق في التلاعب بنتائج الانتخابات العراقية إلى القضاء، وقد أشار إلى وجود شبهة جنائية تتعلّق بتواطؤ أعضاء ومسؤولين داخل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في بغداد، وكذلك بفروعها في المحافظات العراقية، إذ أكّد مسؤولون عراقيون لـ"العربي الجديد"، أنّ "اللجنة الحكومية المشكّلة من جهاز الاستخبارات وهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية ووكالة وزارة الداخلية لشؤون الشرطة ومستشارية الأمن الوطني العراقي، قد توصّلت إلى تورّط مسؤولين داخل المفوضية في جرائم تزوير وتلاعب لصالح أحزاب وكتل سياسية مختلفة، بينها تلقي رشى مالية تصل إلى ملايين الدولارات وتتضمّن شراء أصوات محطات انتخابية كاملة داخل مخيمات النازحين ومراكز الاقتراع لعراقي المهجر".

وجاءت قرارات اللجنة الحكومية العراقية المشكّلة من قبل رئاسة الوزراء للتحقيق في تهم التلاعب والتزوير بالانتخابات، بعد أسبوع واحد من قرارات مماثلة للبرلمان العراقي تقضي بإجراءات مماثلة، وهو ما يضيّق الخناق على مفوضية الانتخابات التي خضع أعضاؤها اعتباراً من فجر اليوم الخميس للإقامة الجبرية، بعد أن أصدرت وزارة الداخلية العراقية أمراً للمنافذ البرية والجوية بمنع سفر 41 مسؤولاً داخل المفوضية، من بينهم رئيسها، معن الهيتاوي، كما منعوا من السفر إلى إقليم كردستان العراق.

وتقضي توصيات اللجنة الحكومية بإلغاء انتخابات الخارج والنازحين لثبوت خروقات تزوير جسيم ومتعمد وحصول تواطؤ، كما تقضي بإعادة العدّ والفرز يدوياً بما لا يقل عن 5 في المائة في جميع المراكز، واعتقال المتورطين بعمليات التزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات، وتحريك دعوى قضائية من قبل المدعي العام، إضافة إلى منع سفر أعضاء ومسؤولي المفوضية لمن هم بدرجة مدير عام، وذلك بناءً على ما ورد في التقرير النهائي للجنة الحكومية. وتظهر توصيات لجنة التحقيق الحكومية، وتلك التي أصدرها البرلمان، تطابقاً كبيراً من حيث ثبوت عمليات التزوير والتلاعب بالانتخابات.



الأحزاب والمدن الأكثر تلاعباً

إلى ذلك، قال وزير عراقي بارز في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ملف الانتخابات عاد للمربع الأول ومن المرجّح جداً أن يتطابق رأي الحكومة والبرلمان مع رأي القضاء العراقي الممثل بالمحكمة الاتحادية". ووفقاً للوزير نفسه فإنّ "النتائج ستتغيّر أيضاً وحجم كل كتلة سيتأثر".

ولفت الوزير إلى أنّ اللجنة أرسلت إلى القضاء، نسخة ثانية تتعلّق بأسماء شخصيات وأحزاب ومناطق حازت على أكبر نسبة من التزوير، موثّقةً بشهادات وأفلام فيديو وصور ووثائق مختلفة، مشيراً إلى أنّ أكبر ثلاث أحزاب تبيّن أنها تلاعبت وزوّرت بالانتخابات هي "كتلة الحل" (العرب السنة) في الأنبار، و"دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، ثمّ كتلة "صادقون" ضمن قائمة "الفتح" بزعامة قيس الخزعلي في بابل وبغداد وديالى وكربلاء، وكذلك "الحزب الديموقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود البارزاني. وأوضح أنّ دول الأردن ولبنان وألمانيا وإيران تصدّرت محطات الخارج في الأكثر تزويراً.

ووفقاً للوزير ذاته، فإنّ تقريراً من 70 صفحة، أرسل للقضاء، ويتضمّن وثائق وأدلة على التزوير، تشمل عمليات تلقي رشاوي مالية وضغوط وتهديد وتواطئ من الموظفين المكلّفين في مراكز الاقتراع، وتعمّد عدم افتتاح مراكز لجمهور فئة معينة وفتح أخرى لجمهور آخرين، وافتعال تعطّل أجهزة التحقّق من الهوية، وتورّط موظفين بالتصويت بدلاً من الناخبين، ومخالفات أخرى بالجملة، تضمّن بعضها أسماء أحزاب وكيانات سياسية ووكلائهم في محطات الاقتراع". وأكّد أنّ "قرار إلغاء أصوات ناخبي الخارج والنازحين سيغيّر ما بين 15 إلى 20 عضواً برلمانياً فاز بالنتائج الأخيرة، كما أنّ إعادة العدّ والفرز اليدوي قد تفضي إلى تغييرات جديدة". وقال المسؤول إنّ الملف سيتسع أكثر إذا ما عُثر على نتائج مختلفة بالعدّ والفرز اليدوي الجزئي، وقد يصار إلى إعادة العدّ والفرز اليدوي للأصوات في العراق كله".

من جانبه، قال عضو لجنة تقصي الحقائق الخاصة بالانتخابات العراقية، عادل نوري، لـ"العربي الجديد"، إنّ القرارات الحالية بحقّ المفوضية "من شأنها إحداث تغيير غير بسيط في حجم الكتل وصورة العملية السياسية وموازين القوى التي نتجت عنها"، مضيفاً "نحن اليوم أمام وثائق وحقائق خطيرة حصلنا عليها، ووجدت الحكومة أنه من الصعب التغاضي عنها أو تمريرها، لذا السقف مفتوح وقد يصار إلى العدّ والفرز اليدوي في العراق كله وهي عملية لن تستغرق منّا إلا أياما قليلة".

وتابع النوري "لم يعد الأمر متعلّقاً بشكوك أو بطعون، بل نحن أمام حجم فساد هائل وتزوير كبير، وهناك أموال ضخمة دفعت لمسؤولين بالمفوضية، كمدراء مراكز ومسؤولي محطات انتخابات وموظفين". وختم بالقول إنه "في دول عدة تحصل خروقات أو مخالفات قانونية، لكن أن تصل نسبة التزوير في بعض المناطق إلى ما وجدناه نحن وهي 66 و71 ولغاية 80 في المائة، فهي مهزلة وليست انتخابات".

بدوره، قال الخبير القانوني العراقي، طارق حرب، إنّ قرارات اللجنة الوزارية المشكلة من قبل رئيس الوزراء حيدر العبادي "ملزمة ولا تحتاج للقضاء من أجل المصادقة عليها في ما يتعلّق بالمفوضية أو الانتخابات". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد" أن "المادتين 78 و80 من الدستور العراقي تمنحان رئيس الوزراء إلغاء أو إعادة فرز أو التدقيق بنتائج الانتخابات، إذ تتكلم عن اختصاصات رئيس الوزراء كونه مسؤول عن الدولة ككل بما فيها من مؤسسات وهيئات، ومجلس الوزراء صاحب الصلاحية الأوسع في هذا المجال". ورأى حرب أنه "لا يمكن القول هنا باستقلالية مفوضية الانتخابات، خصوصاً مع التهم الموجودة والدلائل المتوفرة"، مشيراً إلى أنّ "منع أعضاء ومسؤولي المفوضية من السفر قانوني أيضاً".

ورجّحت مصادر سياسية عراقية في بغداد أن يعقد العبادي اليوم الخميس، اجتماعاً مع أعضاء السلطة القضائية في بغداد لبحث ملف الانتخابات، مؤكدةً أن ملف التصديق النهائي عليها سيكون بعد حسم إلغاء نتائج أصوات النازحين والخارج، ومسألة العدّ والفرز، وهو ما لن يتحقق قبل منتصف الشهر الجاري في أفضل الحالات.

ويحذّر مسؤولون عراقيون من مستقبل البلاد، نتيجة لما شهدته الانتخابات من تزوير وتلاعب. وفي هذا الإطار، قال نائب رئيس الجمهورية إياد علاوي، إنّ "التسليم بنتائج الانتخابات وتجاهل الخروقات التي شهدتها وإبقاء المفوضية الحالية، من دون الاعتماد على القضاء المستقل، سيمهّد لحقبة سوداء ستقوّض بناء الدولة العراقية"، داعياً إلى "تقييم ما شهدته العملية الانتخابية من خروقات وشوائب، وممارسات سلبية خطيرة، تمنع تحقيق الإصلاح للعملية السياسية وتصحيح الانحرافات فيها".

كما دعا علاوي السلطة القضائية إلى "التعاطي مع مقررات مجلس الوزراء، وتقديم المتورطين بجرائم الفساد والتزوير الانتخابي، لينالوا جزاءهم العادل"، محذراً من أنّ "أي تباطؤ في تطبيق تلك المقررات ستكون له تداعيات سلبية على مجمل العملية السياسية".

من جهته، دعا القيادي في تحالف "سائرون"، إبراهيم الكعبي، السلطة القضائية، إلى "اتخاذ القرار الذي يصب بصالح البلاد، ويجنبها المستقبل المجهول". وقال في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "السلطة القضائية أمام مسؤولية كبيرة، فمستقبل البلاد متوقف على قرارها المرتقب"، مبيناً أنّ "التأنّي باتخاذ القرار أمر لا إشكال فيه، لكنّ القرار يجب أن يكون قراراً معبّراً عن نزاهة وحيادية السلطة القضائية، ومراعياً لظروف البلاد". ودعا الكعبي الكتل والأحزاب السياسية إلى "القبول بقرار القضاء مهما كان، وتغليب مصلحة البلاد على مصالحهم الشخصية، وعدم الانجرار خلف الأجندات التي لا تريد الخير للبلاد".

المساهمون