محكمة دولية وتعاون مع "الإنتربول" لمحاكمة مقاتلي "داعش" الأوروبيين

26 مارس 2019
800 أوروبي محتجزون لدى المليشيات الكردية (مود فيرول/فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن عودة مقاتلي "داعش" الأوروبيين، والتي تشغل الوسط السياسي والأمني في القارة العجوز، وجدت توجهاً قد يصار إلى العمل عليه، عبر إنشاء محكمة دولية لمحاكمتهم تتمتع بأعلى المعايير الدولية، وبمشاركة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ويأتي ذلك في ظل الحديث عن تعاون الأجهزة الأمنية في أوروبا لاعتماد مشروع رائد مع الشرطة الدولية (الإنتربول)، يقوم على نظام يسمح بالتعرف إلى وجوه المقاتلين المتشددين من الأوروبيين، وذلك بعدما بينت التقارير أنه وبسقوط آخر معاقل التنظيم في الباغوز السورية، يوجد حوالي 800 مقاتل أوروبي رهن الاحتجاز لدى المليشيات الكردية في شمال سورية.

وتلقى فكرة قيام محكمة ترحيب العديد من المسؤولين، بينهم رئيس الوزراء السويدي ووزيرا داخلية كل من فنلندا والنمسا، بالإضافة إلى ألمانيا، التي رحّبت بالفكرة عبر وزير داخليتها هورست زيهوفر، الذي اعتبر، خلال اجتماع لوزراء العدل والداخلية الأوروبيين عقد أخيرا في بروكسل، أن "الإرهاب يتعلق بحركة دولية، وعلينا أن نستجيب لها في القضاء الدولي". وفي السياق ذاته، يرى خبراء في الشؤون السياسية الأوروبية أن فكرة تفويض هذه المهمة إلى محكمة دولية في الشرق الأوسط "جذابة"، مبرزين أن "وجود الضحايا والشهود في تلك المنطقة قد يساعد على تقديم القرائن والأدلة بسهولة، ولأن المسؤوليات لدى المحاكم وصلاحيات المدعين العامين في أوروبا مجزأة، تضاف إليها الخشية من عدم تلقي هؤلاء محاكمة عادلة في سورية والعراق، وبعدما جرى الحديث أخيرا عن أن إحدى المحاكمات في العراق تمت خلال عشر دقائق فقط، وانتهت بإصدار حكم الإعدام".

في المقابل، هناك رأي آخر يعتبر أن الفكرة "ما زالت غير قابلة للتحقيق، وتواجه صعوبات كبيرة، لأن سورية والعراق دولتان تتمتعان بالسيادة، ودمشق وبغداد لا توافقان على هذا التدخل الدولي، على عكس الأكراد السوريين الذين يتمتعون بحكم شبه ذاتي في شمال البلاد، ويرون الأمور بطريقة مختلفة، ويرحبون بالمحامين الدوليين"، وفق ما ذكرت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" أخيرا، "حتى إنهم دعوا الأمم المتحدة إلى انشاء محاكم لمقاتلي "داعش" في مناطقهم، الأمر الذي اعتبر لدى الجانب الأوروبي غير منطقي، انطلاقا من أن المناطق الكردية لا يمكن أن يعترف بها كدولة كردية مستقلة، ولا توجد علاقات رسمية لما يسمى بالحكم الذاتي الكردي"، وهو ما إشارت إليه وزارة الخارجية الألمانية أخيرا.

أما بخصوص مشروع التعاون مع الإنتربول، فقوامه نظام يسمح بـ"التعرف عن طريق الوجوه إلى الإرهابيين من الأوروبيين"، وفق ما نقلت شبكة "إن دي آر" الإعلامية، اليوم الثلاثاء، عن المكتب الاتحادي الألماني للتحقيقات الجنائية في رده على حزب اليسار، والذي ذكر أن الأجهزة ستوفر معلومات للمشروع الذي يتم العمل عليه مع الإنتربول، يعمل في 190 دولة حول العالم.

ووفقا لذلك، سيتم إنشاء قاعدة بيانات بمساعدة المحققين للتعرف إلى مؤيدي "داعش" العائدين إلى أوروبا، علما أنه وفي كثير من الحالات هناك أشخاص غير معروف مكان إقامتهم، وليس هناك ما يثبت إذا كانوا لا يزالون على قيد الحياة، والخوف من أن يستخدم هؤلاء أوراقاً ثبوتية مزورة. 

وكانت شبكة "أي إر دي" الألمانية قد ذكرت أخيرا أن ألمانيا أرسلت للإنتربول بيانات 692 شخصا من الذين غادروا البلاد لمساندة "داعش" في سورية والعراق.

وأشارت التقارير إلى أن المشروع التجريبي، المسمى "دي تك"، سيبدأ العمل به كمرحلة تجريبية الشهر المقبل، ومدتها سنتان، ويعتمد على إدارة تحليل، وسيكون قادرا على التقاط صور للأفراد، وتنفيذ تعديل منتظم على المراسلات وتقييم المصادر المتاحة، بينها على سبيل المثال مقاطع الدعاية الموثقة لـ"داعش"، ما قد يسهم في تحديد أماكن المطلوبين من المقاتلين السابقين لدى "داعش" للتضييق عليهم والحد من تنقلاتهم.

وأشارت وزارة الداخلية الاتحادية إلى أنه ينبغي على الإنتربول استخدام وتقييم المواد الرقمية، مثل الصور ومقاطع الفيديو والملفات المتعلقة بالإرهابيين الموجودة بحوزة الشرطة التي تعمل على هذا الملف، إضافة إلى مصادر أخرى. 

من جهة ثانية، يرى محللون أنه "من غير المستبعد أن يتم إنشاء محكمة دولية بدون موافقة بغداد وسورية، ويمكن أن تكون في دولة مجاورة، أو في لاهاي مثلا، ويصار إلى جمع الأدلة والبراهين، مستذكرين نماذج عن محاكم خاصة أنشئت في أوروبا بعد الحرب في يوغسلافيا، وبشأن الإبادة الجماعية في رواندا. 

ورغم كل هذه النوايا، يبقى الموقف الروسي مهماً خلال تقديم طلب لمجلس الأمن للموافقة، بعدما منعت منذ 2012 جميع طلبات إحالة تحقيقات بشأن سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية الخاصة، وربما من الأجدر التفكير وبطريقة ما إذا كان من الممكن قيام محكمة من دون الأمم المتحدة. 

يشار إلى أنه سافر من ألمانيا أكثر من 1000 شخص من المتعاطفين مع "داعش"، وتؤكد تقارير للمكتب الاتحادي الألماني للتحقيقات الجنائية أن ثلث هؤلاء عادوا من أماكن النزاعات، فيما توفي الثلث الآخر، وهناك ثلث مجهول المصير، في وقت صرّح فيه ممثل مكتب التحقيقات الجنائية، الأسبوع الماضي، خلال اجتماع للجنة الداخلية في البوندستاغ، أن ألمانيا بدأت التحقيقات الأولية في 129 قضية تتعلق بجرائم حرب.

المساهمون