القرار الكردي شرق الفرات بيد أميركا: تحكم سياسي وعسكري واقتصادي

21 مارس 2019
أميركا الجهة الأساسية التي تمد الأكراد بالسلاح(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
يعد الدعم العسكري الذي تقدمه الولايات المتحدة الأميركية إلى "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) التي تشكل "وحدات حماية الشعب" الكردية عمودها الفقري، إلى جانب الغطاء السياسي الذي توفره لها محورياً في بقائها، إلا أن هذا الدعم يقابله تحكم أميركي شبه مطلق بمعظم قرارات "قسد"، العسكرية والسياسية والاقتصادية، على غرار ما ظهر أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية. 

وعلم "العربي الجديد" من مصادر مطلعة، طلبت عدم الكشف عن هويتها لأسباب أمنية، أن "الأكراد أوقفوا إمداد النظام (السوري) بالنفط، الذي كان متواصلاً طوال السنوات الماضية بطرق مختلفة، بناءً على طلب أميركي". وجاءت الخطوة في وقت يعجز فيه النظام عن استيراد المشتقات النفطية من الخارج، الأمر الذي تسبب له بأزمة محروقات خانقة، أدت إلى تعليق الكثير من المؤسسات الصناعية في مناطقه لعملية الإنتاج. واعتبرت المصادر أن "الأكراد قد يرون في ذلك أداة ضغط لإرضاخ النظام لطلباتهم، التي لا تبتعد عن الرؤية الأميركية، والتي رفضها النظام في مفاوضات سابقة". وتتعلق الطلبات على نحو خاص بموافقة النظام على بقاء "الإدارة الذاتية" التي أعلنها الأكراد في مناطق سيطرتهم ولا يعترف بها النظام، فضلاً عن بقاء قوات "قسد" ضمن صيغة يتفق عليها، إلى جانب التفاهم على حصة من الثروات الباطنية بمناطق سيطرة "قسد"، وطلبات أخرى تتعلق بالسماح بتشريعات محلية، وجباية الضرائب.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي تتحكم فيها واشنطن علانية بتحركات "قسد" التي تشكل الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. وكانت "قوات سورية الديمقراطية" قد حاولت، مع عودة القلق الكردي عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن سحب قواته من سورية، إحياء المفاوضات مع الروس والنظام، قبل أن يأتي الرد الأميركي سريعاً منتصف الشهر الماضي على لسان قائد قوات التحالف الدولي بول لاكاميرا، الذي هدد بأن واشنطن ستضطر لوقف مساعداتها العسكرية إلى "قوات سورية الديموقراطية" في حال تحالف مقاتلوها مع النظام السوري أو روسيا، الأمر الذي فرمل كل تحركات "قسد" وعطل أي حراك سياسي للأكراد في هذا المجال. 
لكن الرئيس المشترك لـ"مجلس سورية الديمقراطية" (مسد) رياض درار، قال لـ"العربي الجديد"، إن "الأميركيين لم يتدخلوا في المفاوضات مع الحكومة السورية. ونحن نفاوض وفق مسار جنيف، ولكن بشكل مباشر ومن أجل وحدة سورية ونفي تهم التقسيم عنا". ولفت إلى أن "القرار العسكري مشترك، وغايته مواجهة الإرهاب وحماية المنطقة من أي تهديد شمالي أو جنوبي". وأضاف أن النظام والمعارضة "لا يأخذوننا في الحسبان، وهما يعيشان على الدعم من آخرين". وتابع "نحن نعمل في إطار شراكة حقيقية أعطت نتائج وطنية، ولم نبع الأرض إلى أجنبي غريب. إن تحالفنا مع الأميركيين يهدف للوصول إلى حل سوري حقيقي وتغيير ديمقراطي وتعديل دستوري ومشاركة وتعددية. نستمع للاتهامات ولكن لا نعطيها قيمة".

وكان وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم، قد اتهم الأميركيين بتخريب المفاوضات التي جرت العام الماضي بين الأكراد والنظام، والتي طالب الأكراد خلالها بـ"اللامركزية الديمقراطية" وتعميمها كشكل للحكم في سورية. وقال المعلم، في لقاء تلفزيوني الشهر الماضي، إن واشنطن خربت المحادثات بين دمشق و"مجلس سورية الديمقراطية"، وقدمت دعماً عسكرياً له. وهو اتهام يرى كثر أنه صحيح إلى حد بعيد، إذ عاد الأكراد حينها لربط الحل السياسي في سورية بأولويات أميركا التي أعلنتها، وهي القضاء على تنظيم "داعش" وإخراج إيران، ومن ثم طرح الحل السياسي. كما أن رياض درار نفسه كتب، في مقال نشر في إحدى وسائل الإعلام المحلية الكردية، أنه "لا مكان لأستانة ولا سوتشي، والحل لن يسير إلا في العربة الأميركية".

وفي المجال العسكري الميداني، تبدو كل التحركات الميدانية لـ"قوات سورية الديمقراطية" قائمة على المصلحة الأميركية. فعلى سبيل المثال، يبدو التريث في إنهاء المعركة ضد آخر من تبقى من مسلحي تنظيم "داعش" في بلدة الباغوز محكوماً بالمصالح الأميركية أولاً.


يشار إلى أن الدعم الأميركي الرسمي لـ"قسد" بدأ منذ الإعلان الرسمي عن تأسيسها، في 10 أكتوبر/ تشرين الأول العام 2015، بعد اتفاقها مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، لكسر الفكرة السائدة بأن الدعم موجه للأكراد، المتهمين بأن لديهم نزعة انفصالية ورغبة بتشكيل كيان خاص بهم. ولقي هذا الأمر في حينه معارضة شرسة من أنقرة، لكن واشنطن أصرت على قرارها، إذ بدا في حينه أن الأميركيين وجدوا في الأكراد، خصوصاً "وحدات حماية الشعب"، القوة العسكرية الأكثر تنظيماً وبعقيدة غير دينية، وأنها قادرة على أن تكون أداة أميركا العسكرية في سورية ليس من أجل محاربة "داعش" وحسب، بل لمساعدتها في تنفيذ سياستها في سورية، إضافة إلى أن الأكراد مؤهلون للعب دور جيد في تأمين الحدود السورية العراقية وقطع الطريق بوجه إيران إن أرادت ذلك.

وفي السياق، قال الناشط السياسي في الحسكة، أبو خليل الحسكاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الأميركيين يشكلون في ظل الحرب شريان الحياة لـ"قسد"، "باعتبار أنهم الجهة الأساسية التي تمدهم بالسلاح، وتسمح بأن ينبض حلمهم بأن يكون لهم كيان ما، وإن كان داخل سورية، وهذا لم يكن موجوداً منذ زمن طويل". وأضاف "أميركا واضحة في تحالفاتها، فهي تعطي الأكراد السلاح ليبقوا كما تريدهم أداة في يدها تتحكم بقراراتهم في كل المجالات، وتقدمهم من جهة أخرى للعالم بأنهم من قضى على داعش بدعم التحالف الدولي". وأشار إلى أن "الأكراد موجودون في بيئة معادية لهم، محلياً وإقليمياً، خصوصاً أن الجميع يعلم أنهم يستخدمون بقية المكونات في المنطقة، وعلى رأسهم العرب، كديكور يغطون بهم حقيقة هيمنتهم على كل شيء". وتابع "إنهم يعيدون تجربة النظام، والذي أراد ودعم هذا الواقع هم الأميركيون، الذين همهم الأول والأخير أن تنفذ مصالحهم، أما الأكراد فهمّهم الإبقاء على راعيهم الرئيسي".