صرخة جديدة بوجه تنامي العنصرية في بلجيكا

10 سبتمبر 2018
من تظاهرة بروكسل الأحد ضد العنصرية (دورسان ايدمير/الأناضول)
+ الخط -
دفع كشف الممثلة ومقدمة نشرات أحوال الطقس على قناة "أر تي بي إف" البلجيكية، سيسيل ديونغا، عن تعرضها لإهانات عنصرية، مسؤولين بلجيكيين للاعتراف بوجود العنصرية وكراهية الأجانب في البلاد، مع وعود بتعزيز الإجراءات العملية لمواجهة هذه الظاهرة، وخصوصاً بعدما أبرزت تقارير صحافية أمثلة أخرى عن انتشار التمييز.
ونشرت ديونغا مساء الأربعاء الماضي فيديو على صفحتها على "فيسبوك" أعربت فيه عن حزنها وقلقها من الإهانات العنصرية الكثيرة التي تتعرض لها منذ عام. هذا الأمر دفع النخبة السياسية إلى التعبير عن دعمها للمواطنة البلجيكية، والمطالبة باتخاذ كل الإجراءات القانونية ضد العنصريين. بينما اتشحت الصفحة الأولى للصحيفة البلجيكية الأوسع انتشاراً، "لو سوار"، بالسواد يوم الخميس. وتضمّنت مقالات تدين عنصرية البيض نحو الأشخاص من خلفيات عرقية مختلفة.

فيديو ديونغا

بدأت المذيعة البلجيكية الفيديو الذي نشرته بمثال معبّر: "بالأمس، في العمل، اتصلت سيدة لتقول إنني كنت سوداء للغاية، لدرجة أنها لم تكن ترى أي شيء على الشاشة. وأنها رأت ملابسي فقط. وأنني لا أصلح للعمل في التلفزيون لأنني سوداء وداكنة وكان عليها أن تخبرني بذلك". وتتأرجح سيسيل ديونغا خلال تفسيرها لمعاناتها بين الضحك والغضب، موضحة أنها غالباً ما كانت تواجه هذا النوع من التفكير العنصري باللامبالاة. "أنا منقسمة بين مشاعر عدة، لأنني أعتقد بأن هذه العنصرية لا يمكن السكوت عنها. لقد بدأ يزعجني حقاً هذا النوع من الرسائل. فهي لا تتوقف عن الوصول منذ عام، أي منذ بدء هذا العمل. يصلني الكثير من الرسائل العنصرية والمهينة، وهذا يجعلني غاضبة ويمسني لأنني إنسان". وأضافت وهي تبكي "سئمت من تلقي رسائل مثل: الزنجية القذرة ارجعي إلى بلدك، لذا قررتُ أن أفصح عن كل شيء لأن هناك الكثير من الناس الذين يعتقدون أن العنصرية منعدمة في بلجيكا"، محذرة من أن "كل الرسائل التي سأتلقاها بعد اليوم، سأقوم بنشرها".

وتم تبادل رسالة الفيديو التي نشرتها ديونغا على نطاق واسع على الشبكات الاجتماعية وسرعان ما أثارت العديد من تعليقات الدعم. رئيس الوزراء البلجيكي، شارل ميشال، دان الإهانات العنصرية للمذيعة ديونغا خلال الاحتفال السنوي للجنة التنسيق للمنظمات اليهودية في بلجيكا الذي عقد مساء الخميس في بروكسل. وقال "سأصدر تعليمات لمجلس الأمن القومي بتعزيز الإجراءات العملية لمكافحة معاداة السامية والعنصرية وكراهية الأجانب"، مضيفاً "لا يمكننا قبول أن تتلقى مذيعة رسائل مسيئة ومعبّرة عن الكراهية على أساس لون بشرتها. لن نتسامح مع هذه السلوكيات ولا تهميشها". وختم قائلاً "يجب أن يغير الخوف مكانه"، مشيراً إلى أن الإجراءات في حق المذنبين ستكون قاسية.


من جهته، أكد مدير المركز الفدرالي للمساواة في الفرص ومكافحة العنصرية، باتريك شارلييه، في مقابلة مع قناة "أر تي بي إف"، أن "العنصرية موجودة في البلد والتنديد بها عبر الشبكات الاجتماعية يمكن أن يرفع الوعي بهذه الحقيقة التي يبدو أنه من الصعب إدراكها، وهو ما سمح لبعض الناس بالقول إنه لم تعد هناك عنصرية في الحقيقة"، مضيفاً "لسوء الحظ، إنه أمر شائع. يمكننا أن نرحب بهذا الاستنكار الواسع وردود الفعل بخصوص ملف سيسيل ديونغا، فهي شخصية لديها صدى كبير ويمكن أن تتحوّل إلى صوت من لا صوت لهم، أولئك الذين يواجهون العنصرية في صمت". وأشار إلى أنه "في الشارع كما في العمل وفي المدرسة تحدث الكثير من الأشياء من هذا القبيل. نتلقى في المركز تقارير ولدينا سجلات للأشخاص الذين يواجهون هذا النوع من العنصرية. يمكننا حقاً أن نشكر سيسيل ديونغا على إدانتها ونحن نعبّر عن تضامننا معها لأن هذا النوع من السلوك العنصري ما زال موجوداً".

سياسة متفشية
وفي سياق متصل، كشف تقرير للقناة البلجيكية، "في آر تي"، بُث يوم الأربعاء الماضي، أن الحركة اليمينية المحافظة "شيلد أند فيرندين" ليست معتدلة كما يدعي أعضاؤها. فمجموعات المحادثة عبر الإنترنت تركّز على التعليقات العنصرية والجنسية والمعادية للسامية. وكانت المنظمة قد شوشت أخيراً على تظاهرة تطالب بإدارة أكثر إنسانية للهجرة. وتسعى هذه الحركة إلى نشر أفكارها والمساعدة في تغيير النظام السياسي عن طريق انتخاب أعضائها في منتديات مختلفة.

وقد تمكّنت القناة من تتبّع مؤسس الحركة، دريس فان لانغنهوف، الذي يشرف أيضاً على مجلس إدارة جامعة غينت. وبالتوازي مع خطاب سياسي يسعى إلى الانتشار في المجتمع، أبرز تقرير القناة أن الحركة أكثر راديكالية وعنصرية وتمييزاً جنسياً ومعاداة للسامية في ضوء المناقشات التي جرت في مجموعات الدردشة التي تسلل إليها معدو التقرير. وتشترك "شيلد أند فيرندين" في نفس طموح العديد من الحركات اليمينية المتطرفة "لوقف التهديد الذي تشكّله الهجرة إلى الغرب على تفوق البيض". ولهذه الغاية، فإن بعض الأعضاء مستعدون لاستعمال العنف. ويدعو فان لانغنهوف أيضاً إلى "الاستعداد للقتال" من خلال حالة بدنية جيدة والمشاركة في دورات التكوين والحصول على رخصة لحمل السلاح، مع الإشارة إلى "حرب عرقية".
وبعد بث التقرير، رد دريس فان لانغنهوف بأنها معلومات كاذبة و"أخبار مزيفة". بينما عبّر رئيس جامعة غينت، ريك فان دوال، التي كان فان لانغنهوف عضواً في مجلس الإدارة، عن "سخطه" واتخذ قراراً بطرده.

أسبوع ضد العنصرية

أطلقت لجنة مناهضة الخوف من الإسلام في بلجيكا "أسبوع بروكسل الأول لمواجهة الكراهية والخوف من الإسلام". وشهدت بروكسل أمس الأحد تجمّعاً مدنياً أمام قصر العدالة "للتعبير بصوت عال ضد الكراهية والعنصرية "، كما جاء في بيان المنظمة، الذي أشار إلى أنه "بعد هجمات عنيفة جداً في كل من سكاربيك ولييج وأوستند وشارلروا وبروكسل، فإن صمت حكوماتنا أو صدور تصريحات في غير محلها أمر غير مقبول، إذ لم يعد الأمر يتعلق بأحداث متفرقة بل بظاهرة خطيرة تتطور في مجتمعنا. فكل عام تشهد بلجيكا عشرات الهجمات العنصرية البغيضة في الأماكن العامة أو في أي مكان آخر، وغالباً ما يتم ذلك في نوع من اللامبالاة". وشددت اللجنة التي تم إنشاؤها في عام 2014، على أن المسيرة التي نُظمت أمس، هدفها التنديد بكل أشكال العنصرية وليس الإسلاموفوبيا وحدها. "الكراهية تتشابه. ونحن نسعى إلى جمع شمل الجميع، جنباً إلى جنب، حول مبدأ سامٍ هو احترام حقوق الإنسان"، كما قال حجيب الحجاجي، رئيس اللجنة، في إشارة إلى ملف مقدمة نشرات أحوال الطقس سيسيل ديونغا.