عزل نواز شريف... محطة جديدة من صراع الجيش والساسة في باكستان

29 يوليو 2017
ناشطات بحركة "الإنصاف" المعارضة يحتفلن بعزل شريف(عارف علي/فرانس برس)
+ الخط -
انفجرت الأوضاع السياسية في باكستان بعد قرار المحكمة العليا، أمس الجمعة، عزل رئيس الحكومة نواز شريف، على خلفية اتهامه بالفساد، الأمر الذي من شأنه أن يفتح صفحة جديدة من الصراع بين الحكومة المدنية والمؤسسة العسكرية المتهمة بالتربص دائماً بالسلطة التنفيذية في باكستان، والتي كانت تعمل، وفق اعتقاد البعض، ضد نواز شريف، الذي بدا في موقع مواجهة مع سياسات العسكر، خصوصاً في ما يتعلق بالشؤون الإقليمية.

ومع إصدار المحكمة العليا قراراً بسحب الأهلية عن رئيس الوزراء الباكستاني وعزله على خلفية اتهامه بالفساد، بعدما ظهر اسمه في "أوراق بنما" التي كشفت عن امتلاكه وأفراد أسرته شققاً وأملاكاً ومشاريع تجارية خارج البلاد، كما تقول المحكمة، بدأ الصراع بين المؤسسة العسكرية ورئيس الحكومة من جديد. وفور صدور قرار المحكمة، أعلن نواز شريف التنحي عن منصبه احتراماً للقضاء، مبدياً في الوقت نفسه عزمه على مواجهة القرار بكل الطرق القانونية والدستورية المتاحة، في حين أعلن حزب "الرابطة الإسلامية"، الذي يتزعمه شريف، أن لديه تحفظات شديدة إزاء القرار، واصفاً إياه بغير المنصف.

وبررت المحكمة قرارها بأن نواز شريف، بعد ضلوعه في الفساد وإخفائه معلومات حول مشاريع تجارية تخصه وأفراد أسرته، لم يعد "الصادق الأمين"، وهو الشرط الأساسي لرئيس الوزراء الباكستاني، لذا "تأمره المحكمة بالعزل عن المنصب فور إصدار القرار"، بحسب المحكمة. وجاء في القرار أن شريف "لم يعد مؤهلاً ليكون عضواً نزيهاً في البرلمان، ولم يعد يشغل منصب رئيس الوزراء".

وكانت قوى سياسة معارضة، في طليعتها حركة "الإنصاف" وحزب "منهاج القرآن والسنة" بزعامة طاهر القادري، قد حاولت مراراً خلال السنوات الأربع الماضية، إسقاط الحكومة من خلال اجتماعات وإضرابات شعبية بتهمة أن نواز شريف لم يعد نزيهاً، كما جاء في قرار المحكمة، أمس الجمعة. لكن نواز شريف استطاع آنذاك أن يخرج من الأزمة. ورأى البعض أن الفضل كان آنذاك لقائد الجيش السابق المقرب منه، الجنرال المتقاعد راحيل شريف، على الرغم من تأييد الاستخبارات العسكرية لتلك القوى المعارضة لشريف.

لكن بعدما تقاعد راحيل، تغيرت الحسابات وتغيرت الأوضاع. وأتى قرار المحكمة الخاصة برئاسة القاضي آصف سعيد كوسه، ليمنع نواز شريف من ترؤس الحكومة طيلة حياته. وذكرت المحكمة أن القرار أتى باتفاق جميع أعضائها، وهم القضاة كلزار أحمد، وإعجاز أفضل، وشيخ عظمت، وإعجاز الحسن.


كذلك، أمرت المحكمة مكتب المحاسبة الوطنية بأن يعمل ضد الضالعين في الفساد، في إشارة إلى نواز شريف وأعضاء من أسرته، بالإضافة إلى وزير المالية، إسحاق دار، وهو أحد المقربين من أسرة رئيس الحكومة المعزول. لكن الشخص الوحيد من أسرة شريف، والذي لم تسجل ضده أي دعوى، هو شقيقه، رئيس وزراء حكومة إقليم البنجاب، شهباز شريف.

والقرار قد يأخذ رئيس الوزراء وابنته مريم صفدر شريف، وولديه حسن وحسين شريف، إلى السجن مرةً أخرى. وكان شريف قد دخل إلى السجن بعد الانقلاب عليه من قبل قائد الجيش الأسبق، برويز مشرف، في أكتوبر/ تشرين الأول 1999. وكان يخشى أن يحكم عليه بالإعدام لولا تدخل السعودية حينها وموافقة مشرف على مغادرة شريف وأسرته البلاد والعيش في السعودية طيلة حكم مشرف منذ يونيو/ حزيران 2001 وحتى استقالته في أغسطس/ آب 2008.

وفي إطار ردود الفعل على قرار العزل، خرج متظاهرون غاضبون من أنصار شريف إلى الشوارع في مدن باكستانية عدة، وأحرقوا إطارات السيارات، كما أغلقوا الطرقات احتجاجاً على قرار المحكمة. واعتبر المحتجون أن قرار المحكمة غير دقيق. وقال أحد أنصار شريف في مدينة لاهور، إن القرار سياسي والمحكمة استخدمت لأغراض قد تدفع البلاد نحو عدم الاستقرار، وفق تعبيره. في المقابل، احتفل أنصار المعارضة بقرار عزل شريف.

واعتبر حزب "الرابطة الإسلامية"، في أول رد فعل له، أن القرار لا يستند إلى أسس سليمة، إذ لا توجد في القرار أي تهمة بالفساد ثبتت في حق نواز شريف، وفق بيان للحزب الحاكم. وقالت المتحدثة باسمه، مريم أورنكزيب، إن رئيس الوزراء الباكستاني المعزول سيبقى في قلوب المواطنين، وأن الحزب يقبل قرار المحكمة على الرغم مما عليه من تحفظات، وفق تعبيرها. كما قال وزير السكك الحديد، القيادي في الحزب الحاكم، خواجه سعد رفيق، إن عزل رئيس الوزراء المنتخب من قبل المحاكم، هو مخالف لإرادة الشعب الباكستاني.

في المقابل، رحبت الأحزاب السياسية المعارضة بقرار المحكمة. وأعلن زعيم حزب حركة "الإنصاف"، عمران خان، أن القرار دليل على استقلالية القضاء في باكستان، معتبراً أن هذا "اليوم (أمس)، هو لحظة مهمة في تاريخ الديمقراطية ومحاسبة المسؤولين". وقال زعيم "الجماعة الإسلامية"، سراج الحق، إن القرار بداية لمحاكمة الضالعين في الفساد كلهم، ذاكراً أن السطوة على النظام الديمقراطي منذ أكثر من ثلاثة عقود قد انتهت بمحاسبة شريف، على حد قوله.

أما رئيس الوزراء المعزول، فلم يعد أمامه سوى خيارين: أولاً، التعامل مع قضايا الفساد التي قد تأخذه هو وأفراد أسرته إلى السجن؛ وثانياً، العمل على إيصال خلفٍ يبقى وفياً له ويحافظ بالتالي على نفوذه.

وفي ما يتعلق بمن سيخلف شريف، تشير المعطيات إلى أن رئيس الوزراء المقبل سيكون كذلك من الحزب الحاكم كونه يتمتع بالأكثرية في البرلمان الاتحادي. ومن بين الأسماء التي تتداول في الأروقة السياسية كمرشحين لمنصب رئيس الوزراء، هناك شقيق رئيس الحكومة المعزول، شهباز شريف، أو رئيس البرلمان الحالي أياز صادق، وهو من المقربين لأسرة شريف.

وكانت لشريف وحكومته المدنية وجهة نظر مختلفة عن وجهة نظر المؤسسة العسكرية حيال الوضع الإقليمي وما يجري من تغيرات في المنطقة، وكان ذلك من أهم أسباب الخلاف بين الحكومة المدنية والمؤسسة العسكرية التي لها حساباتها إزاء ما يجري في الإقليم. وكما أن عزل شريف يشكل صفعة في وجه الأحزاب السياسية، فهو أيضاً انتكاسة كبيرة للجهود التي كانت تبذل أخيراً لحلحلة الأوضاع الإقليمية، لا سيما في أفغانستان وفي ما يتعلق بعلاقات باكستان معها. وكانت الصين تسعى للوساطة بين الجارتين باكستان وأفغانستان، بهدف حلحلة القضية الأفغانية في إطار علاقات ودية بين كابول وإسلام أباد.

وليس شريف أول رئيس وزراء يتم عزله بقرار المحكمة، بل سبق أن قررت المحكمة عزل يوسف رضا جيلاني، من حزب "الشعب" الباكستاني، في يونيو/ حزيران 2012 بتهمة إدانته برفض إعادة فتح الملفات ضد الرئيس الباكستاني السابق، آصف زرداري، المتهم بالفساد.