ليبيا: رعاية دولية ضمنية للتمرد النفطي لحفتر وترقيته سياسياً

12 سبتمبر 2016
تحذيرات من إطالة أمد الصراع في ليبيا(محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
تخرج عن المراقبة البسيطة للمشهد الليبي على ضوء الأحداث الأخيرة المتمثلة بالسيطرة العسكرية لقوات اللواء خليفة حفتر، على منطقة الهلال النفطي، الفاصلة بين شرق البلاد وغربها شمالاً، ملاحظات معبرة عن تعاطي "المجتمع الدولي" ودوله المعنية بالملف الليبي، مع شعارات محاربة الإرهاب، وما يبدو بوضوح ازدواجية في المعايير إزاء الاقتتال الداخلي وأولويات "محاربة داعش" وحل الخلافات بطرق سياسية لا عسكرية. ما حصل كان، عملياً، تمرداً عسكرياً قادته قوات عسكرية تابعة لبرلمان طبرق وحكومته، الفاقدين للاعتراف الدولي بشرعيتهما، على قوات عسكرية تابعة لحكومة الوفاق الوطني والمجلس الرئاسي، صاحبي الاعتراف الرسمي دولياً.

القلق الخجول الذي أعرب عنه بعض المعنيين بالملف، ومنهم المبعوث الدولي، مارتن كوبلر، يعبر عن شكل تعاطي الغرب عموماً، وبعض العرب، مع الأطراف الليبية بين شرق وغرب. وهو ما يعزز خطاب مظلومية عند شرائح من إسلاميين مثلاً، لناحية أن التشدد تجاههم لا يراعي كون تحرير سرت من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) مثلاً، حصل بشكل رئيسي على يد فصائل كانت تنضوي سابقاً في إطار "فجر ليبيا".

في المقابل، فإن مراعاة الغرب ودول عربية مثل مصر والإمارات لحفتر ولبرلمان مدينة طبرق وحكومتها، والتساهل حيالهم وإزاء رفضهم (سياسياً وعسكرياً) شرعية فائز السراج وحكومته ومجلسه الرئاسي، نابع أساساً من اعتبارات استنسابية؛ فلا أبرز المعارك ضد "داعش" في ليبيا سُجلت باسم حفتر، ولا قامت الدول الغربية والعربية بالضغط الكافي على حليفها حفتر للدخول في المسار السياسي الذي فرضته بنفسها.

في العموم، يجمع كثيرون في ليبيا وخارجها، على اعتبار أن تطورات منطقة الهلال النفطي تشكل خطوة ناقصة في رحلة "محاربة الإرهاب" في ليبيا، لأن حكومة السراج وقواتها العسكرية تلقت ضربة قاسية تحت أنظار "المجتمع الدولي" الذي لم يساعدها عملياً ولم يضغط على الجهة المهاجمة لوقف تمردها العسكري في منطقة استراتيجية للغاية، تحتضن الجزء الأكبر من الثروة النفطية الليبية التي تعتمد أوروبا عليها في تسعة بالمائة من حاجاتها لمصادر الطاقة.

أما سياسياً، فيتوقع أن يتمكن حفتر، إثر سيطرة قواته على تلك المناطق النفطية بالحديد والنار، من فرض حضوره السياسي بالعسكر لتحقيق ما عجز عن إنجازه بالحوار والمفاوضات، أكان في تونس أو في القاهرة وعواصم عربية وغربية عديدة. من هنا، قد يشهد العالم ولادة خارطة سياسية جديدة للتمثيل السياسي للقوى الليبية، يكون فيها حفتر رقماً رئيسياً، ما يجعل ربما "التعايش" بين الغرب والشرق بحساسياتهما القبلية المحملة بالإرث التاريخي السلبي لنظام معمر القذافي، مهمة عسيرة.

وباتت القوات الموالية لحفتر تسيطر على ميناء الزويتينة في منطقة الهلال النفطي وميناءي السدرة ورأس لانوف ومناطق نفطية في أجدابيا والبريقة. وترسم هذه التحركات واقعاً جديداً على الأرض، بعدما نجحت قوات حكومة الوفاق في حسم الحرب في سرت لصالحها تماماً، وبقيت قوات حفتر تراقب المشهد، ولم تدخل في مواجهة معها، واختارت التوجه إلى الهلال النفطي، الفاصل تقريباً بين شرق وغرب البلاد، والحاسم استراتيجياً في الخلاف الليبي الدائر منذ سنوات.

واعتبرت حكومة الوفاق، في بيان، أن "الهجوم على الموانئ يناقض مسيرة التوافق الشامل ويحبط آمال الليبيين في تحقيق الاستقرار قريباً"، محذرة من أن البلاد باتت تقف "عند منعطف خطير". واعتبرت ما جرى "تصعيداً غير مبرر وسيطيل أمد الصراع، ويتسبب في خسائر فادحة تطاول أرواح الليبيين ومصدر قوتهم". ودعت "كافة الوحدات العسكرية وغرفة العمليات العسكرية الخاصة بمنطقة أجدابيا ــ سرت لمكافحة الإرهاب المتمثل في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وإلى التماسك والذود عن المنشآت والموانئ النفطية وأداء واجبها العسكري والوطني بكل شجاعة ودون تردد".

جدير بالذكر، أن قوات حفتر تمكنت بسهولة واضحة من إنهاء عمليتها العسكرية، ومن دون مقاومة حقيقية تذكر، وقدمت حكومة طبرق شكرها لحرس المنشآت النفطية، فرع الأوسط، لامتناعه عن رفع السلاح "في وجه القوات المسلحة الليبية وانحيازه للوطن وحده"، بحسب بيان صدر عنها. وهو ما وضعه كثيرون في خانة "اتفاق" مسبق يقوم على تسليم مقاتلين تابعين لحكومة السراج المنشآت لقوات حفتر. واستنكرت حكومة طبرق تصريحات المبعوث الأممي مارتن كوبلر "وبعض سفراء الدول الغربية التي تهول مما حدث لناحية استعادة الجيش أهم موارد الاقتصاد الليبي إلى الإدارة الشرعية الوحيدة في البلاد"، بحسب البيان، على الرغم من أن الصمت الدولي واختفاء كوبلر عن المشهد في الساعات الـ48 الماضية كان مستغرباً، ودفع بكثيرين إلى ترجيح أن يكون ما حصل قد نال ضوءاً أخضر مسبقاً من "المجتمع الدولي"، العراب للاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات المغربية.

ويبدو تفاجؤ المجتمع الدولي وحكومة الوفاق بِما أقدم عليه حفتر، مفتعلاً، لأنه كان منتظراً تماماً، ومتوقعاً، وسبق للمجلس الرئاسي أن أصدر بياناً خلال شهر إبريل/نيسان، أشار فيه إلى "تقارير أمنية حول احتمال وقوع هجمات إرهابية على بعض المواقع النفطية البحرية من قبل مجموعات تنتمي إلى النظام السابق وجماعات متمردة من دول الجوار الأفريقي كحركة العدل والمساواة لإفساد مشروع الوفاق الوطني وخلط الأوراق"، داعياً المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى "مساعدة حكومة الوفاق الليبية، طبقاً لقرارات مجلس الأمن، وعدم السماح لأي طرف كان بالسيطرة أو استغلال الموارد النفطية خارج شرعية الدولة". واعتبرت حكومة السراج، في ذلك البيان، قبل خمسة أشهر، تلك المواجهة المُحتملة حول حقول النفط "اختباراً حقيقياً للجميع، لأنها ستوضح بشكل كامل ما إذا كانت حكومة الوفاق هي صاحبة الأمر في البلاد، وما إذا كان المجتمع الدولي صادقاً في دعمها على الأرض وليس سياسياً فقط، وستوضح أيضاً ما إذا كان معارضوها قادرين على فرض تقسيم السلطة مع الحكومة الجديدة، بحيث يعود الوضع إلى ما كان عليه، حكومة في الغرب وأخرى في الشرق".

ويعتبر كثيرون أن سيطرة قوات حفتر على الهلال النفطي ستحرم حكومة الوفاق الوطني من أهم مواردها المالية، في وقت كانت تستعد لإعادة إطلاق قطاع النفط عبر استئناف التصدير من الموانئ. غير أن هذا الأمر قد لا يكون دقيقاً، اذ يمنع مجلس الأمن بيع أي حمولة نفطية لا تحمل تأشيرة حكومة الوفاق. وسبق أن منع ناقلة من القيام بذلك وأعادها إلى ليبيا. لكن هذا الواقع الجديد سيحرم كل ليبيا، شرقاً وغرباً، من موردها الوحيد، الذي تراجع إنتاجه بشكل لافت خلال السنوات الماضية.

الأكثر إثارة للريبة بالنسبة لكثيرين، هو صمت المجتمع الدولي، الذي كان يجدد منذ أيام دعمه للسراج في تونس. ولاذ الجميع بالصمت، باستثناء تغريدة متسرعة للسفير البريطاني لدى ليبيا، بيتر ميليت، عبّر فيها عن قلقه إزاء الاشتباكات الدائرة حول منطقة الهلال النفطي. وفي السياق نفسه، اكتفى كوبلر بالتعبير عن قلقه مما يحدث في هذه المنطقة، وكتب في تغريدة: "قلق جداً من التقارير حول اشتباكات في منطقة الهلال النفطي. هذا الأمر سيؤدي إلى المزيد من الانقسام والحد من تصدير النفط. النفط لليبيين جميعاً". لكنه نشر تعليقاً آخر، لاحقاً، لعله يحمل بشكل مبطّن رؤية المجتمع الدولي لتطورات هذا الصراع، ينصح فيه فرقاء الأزمة الليبية بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، إذ اعتبر أن "الخلاف يمكن أن يحل فقط عبر الحوار وليس القتال... أحث جميع الأطراف على الجلوس معاً. ليبيا موحدة بحاجة لجيش موحد".

وفي ظل الصمت الإيطالي/الأميركي، والموقف الفرنسي الداعم لحفتر، وغياب دول الجوار تماماً، وبيان ثان لحكومة الوفاق دعت فيه "إلى تغليب لغة الحكمة والتعقل، ودعوة الدول الصديقة والشقيقة للتدخل للمساعدة لحل الخلاف بالطرق السلمية تحقيقاً لروح الوفاق"، يبدو أن الأمور تسير الى ترجيح سيناريو العودة إلى المربع الاول، والتفاوض من جديد على تقاسم السلطة بين الشرق والغرب، وإعطاء حفتر مطالبه، من وزارة الدفاع إلى سلطات واسعة سياسية وعسكرية ومالية. لكن كل المؤشرات التي سبقت الهجوم العسكري لقوات حفتر في اجتماعات تونس وبعض المواقف الدولية الصادرة منذ أسابيع، تميل إلى التأكيد على استمرار الصراع لأشهر طويلة من دون نجاح أي طرف في إنهائه لصالحه، وكل هذا يقود إلى الاعتقاد بأن هناك مساراً ليبياً جديداً يجري الإعداد له، كل نتائجه تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات.

المساهمون