لقاء نتنياهو-عباس يُحسم اليوم: أهداف إسرائيلية عدّة بحجر واحد

06 سبتمبر 2016
من لقاء بين نتنياهو وعباس بواشنطن عام 2010(أليكس وونغ/Getty)
+ الخط -
لم يكن من قبيل الصدفة أن يتزامن التحرك الروسي - المصري لعقد لقاء يجمع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في موسكو، مع قرار حكومة تل أبيب توسيع الجيوب الاستيطانية في قلب مدينة الخليل، أقصى جنوب الضفة الغربية المحتلة، مع العلم أن المرة الأخيرة التي سمحت فيها سلطات الاحتلال بالبناء في هذه الجيوب كانت قبل حوالى 20 عاماً، بسبب العوامل الاستفزازية التي يتضمنها هذا القرار.

وقد جاءت هذه الخطوة، التي اعتبرت حتى من قبل الكثير من أوساط اليمين في إسرائيل بأنها "متطرفة"، عشية تسلم نتنياهو دعوة موسكو من مبعوث الرئيس فلادمير بوتين، نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف. وهو ما يعني أن نتنياهو أراد إضفاء صدقية على إعلانه بأن أي لقاء مع عباس يجب أن يتم بدون شروط مسبقة، وهكذا تواصل إسرائيل حسم مصير الأراضي الفلسطينية المحتلة عبر الاستيطان والتهويد.

وبات عباس في انتظار ردّ بوغدانوف الذي يفترض أن يأتي به من نتنياهو اليوم الثلاثاء لحسم اجتماعه بالأخير في موسكو من عدمه، بحسب ما يوضحه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينينة، أحمد مجدلاني، الذي نفى، في تصريحات لـ"العربي الجديد" من رام الله، ما نشرته بعض وسائل الاعلام عن موافقة عباس على لقاء نتنياهو في موسكو، "لأن القيادة الفلسطينية أبلغت الروس بأن هناك متطلبات والتزامات على إسرائيل، قبل موافقة القيادة الفلسطينية على أي لقاء، تحديداً الإفراج عن الدفعة الرابعة من قدامى الأسرى، ووقف النشاط الإستيطاني الإسرائيلي".

وبات من الواضح أن تحرك بوتين جاء استكمالاً لجهود الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، الهادفة إلى توفير الظروف، التي تساعد إسرائيل على إحباط المبادرة الفرنسية، التي تخشى تل أبيب أن تفضي إلى انكشافها في الساحة الدولية. وكان عباس قد رفض العرض المصري بتنظيم اللقاء مع نتنياهو في القاهرة أو شرم الشيخ، لإدراكه أن عقد هذا اللقاء يعني إجهاض تحركاته الهادفة إلى استثمار المبادرة الفرنسية في توفير بيئة دولية، قد تساعد على تمرير قرار في مجلس الأمن يعترف بالدولة الفلسطينية. ونظراً لأن السيسي كان أول من أعلن عن التحرك الروسي قبل وصول بوغدانوف إلى المنطقة، فهذا يعني أنه يستثمر أوراق الضغط التي تملكها القاهرة في إقناع عباس بالاستجابة لدعوة بوتين، الذي يتجند لصالح حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، كجزء من الالتزام الذي تفرضه الشراكة الاستراتيجية الآخذة بالتعاظم بين تل أبيب وموسكو.


وهناك ما يشير إلى أن طابع العلاقات الشخصية بين نتنياهو وبوتين والسيسي يلعب دوراً رئيسياً في استنفار الأخيرين لمساعدة الأول. وكان المعلق السياسي في صحيفة "معاريف"، بن كاسبيت، قد كشف قبل ثلاثة أشهر أن السيسي يبادر بالاتصال بنتنياهو مرتين أسبوعياً، وكشف أخيراً عن أن نتنياهو وبوتين يتحدثان مرة على الأقل أسبوعياً. ويرى معلق الشؤون السياسية في قناة التلفزة الثانية، أودي سيغل، أن رغبة نتنياهو في عقد لقاء يجمعه بعباس في موسكو في شهر أكتوبر/تشرين الأول أو نوفمبر/تشرين الثاني، لا تأتي فقط بسبب خوفه من تداعيات المبادرة الفرنسية، بل بسبب قلقه أيضاً من خطوة "انتقامية" قد يقدم عليها الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وتتمثل في منح دعم واشنطن لأي قرار يعرض في مجلس الأمن بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وذلك رداً على سلسلة "الإهانات" التي وجهها نتنياهو له خلال فترة حكمه.

وأكد سيغل أخيراً أن ديوان نتنياهو أبلغ إدارة أوباما بطابع هذه المخاوف، مشيراً إلى أن الردود التي تلقتها لم تخفف من مستوى القلق الإسرائيلي. وحسب سيغل، فإن ترتيب اللقاء بين نتنياهو وعباس في نوفمبر/تشرين الثاني تحديداً سينزع من أوباما مسوغات أية خطوة أميركية في مجلس الأمن بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، على اعتبار أن تل أبيب بإمكانها أن تدعي أنه لا مسوغ لمثل هذه الخطوة في الوقت الذي تجري فيه مفاوضات على أعلى مستوى بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

من الواضح أنه في حال عقد لقاء موسكو، في ظل إصرار نتنياهو على مواصلة الاستيطان والتهويد، فإن ذلك سيعني تسليم السلطة الفلسطينية باستراتيجية إسرائيل الهادفة لحسم مصير الأراضي المحتلة. المفارقة أن التحرك الروسي المصري الهادف إلى إقناع عباس بالموافقة على لقاء موسكو، يأتي في ظل إعلان وزير الحرب الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، عن قيامه بخطوات عملية ضمن خطته الهادفة لتجاوز عباس وإيجاد قيادات فلسطينية "محلية" (بديلة) في الضفة الغربية. ومما ضاعف من خطورة خطة ليبرمان حقيقة أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي ستعقد قريباً جلسة خاصة لمناقشتها، في ظل إعلان الكثير من أوساط اليمين، لا سيما وزراء "الليكود"، عن تأييد الخطة.

ونظراً لأن عقد لقاء موسكو سيعفي إسرائيل من مواجهة التبعات الدولية لرفضها المبادرة الفرنسية، وسيقطع الطريق على أي تحرك يمكن أن يقدم عليه أوباما، فإن اللقاء سيسهم في تمكين إسرائيل من محاولة إعادة تصميم البيئة الفلسطينية الداخلية، كما يحلم ليبرمان، في ظل أقل قدر من الممانعة الدولية.

المساهمون