عند التدقيق في أرقام استطلاعات الرأي، تظهر فوارق تعكس التحدي أمام الديمقراطيين. في استطلاع مشترك بين شبكة "إن بي سي" وصحيفة "وول ستريت جورنال"، قال 46 في المائة من الناخبين إنهم لن يصوتوا للرئيس الجمهوري في انتخابات 2020، مقارنةً مع 34 في المائة سيقترعون لتجديد ولايته، فيما لم يحدد 17 في المائة موقفهم بعد. هذه الأرقام، إذا كانت دقيقة فعلياً، تعكس مرة أخرى التصويت الشعبي الذي خسره ترامب في انتخابات عام 2016 ضد منافسته حينها هيلاري كلينتون، وهو ليس ضرورياً لحسم السباق الرئاسي. تحدي كل مرشح رئاسي يكمن في كسب أكثرية المجمع الانتخابي لمجمل الولايات الأميركية، لا سيما تلك المتأرجحة انتخابياً، وهنا تثير الأرقام قلق الديمقراطيين.
في استطلاع مشترك لصحيفة "نيويورك تايمز" وجامعة "سيينا"، تظهر صعوبة أبرز المرشحين الديمقراطيين للمنافسة مع ترامب في ست ولايات رئيسية هي ميشيغن وبنسلفانيا وويسكونسن وفلوريدا وأريزونا وكارولينا الشمالية. وبحسب هذا الاستطلاع، يظهر نائب الرئيس السابق جو بايدن الأكثر قدرة على منافسة الرئيس في هذه المرحلة، يليه بيرني ساندرز، وتحل في المرتبة الثالثة إليزابيث وارين. طبعاً يتفوق بايدن في هذه الاستطلاعات، لأن اسمه أكثر شهرة وبروزاً بين منافسيه، لا سيما وارين التي يتعرف عليها الأميركيون تدريجياً، ولم تحدد القاعدة الديمقراطية بعد موقفها الحاسم من السيناتورة عن ولاية ماساشوستس.
القاعدة اليسارية، التي تزداد قوة داخل الحزب الديمقراطي وتميل الى فتح مواجهة العزل مع ترامب، تمنع حسم نائب الرئيس السابق (بايدن) لهذه الانتخابات التمهيدية، في ظلّ وجود منافسين مثل ساندرز ووارين. هناك وجهتا نظر حالياً داخل الحزب حول التعامل مع معضلة ترامب: الأولى ترى أنه حين يحدد الحزب مرشحه أو مرشحته، ستتوضح الصورة وتنعكس إيجاباً في استطلاعات الرأي، وهذا التيار يريد ترك الانتخابات التمهيدية مفتوحة على كل الاحتمالات بدل حسمها مبكراً لصالح بايدن. وجهة النظر الثانية تقول إن القلق الديمقراطي مشروعٌ عند رؤية أرقام استطلاعات الرأي، وإنه يجب اختيار مرشح قادر على هزيمة ترامب في الولايات المتأرجحة، وهذا التيار يرى أن بايدن هو المرشح الأفضل لضمان فوز الديمقراطيين، بدل المخاطرة بمرشحين آخرين.
هناك أمور كثيرة قد تتغير خلال عام من الزمن في واشنطن، ما يثير تساؤلات حول عوامل جديدة قد تحدد مصير السباق الرئاسي المقبل. هل سيستمر الاقتصاد الأميركي في ثباته ونموه في ظلّ بطالة وصلت الى مستوى منخفض هو 3.6 في المائة، أو يتعثر ليدخل في الركود الذي يلوح في الأفق ليجعل الشأن الاقتصادي على رأس أولويات الأميركيين؟ هل سيكون وضع الولايات المتحدة الخارجي وقيادتها للعالم محور الانتخابات بدلاً من ذلك؟ هل سينجح مسار عزل ترامب، أم ينقلب السحر على الساحر وتصبح "أوكرانيا غيت" فرصة ضائعة جديدة للديمقراطيين؟ وهل سيقنع هذا المسار الناخب الأميركي أن ترامب لا يستحق ولاية ثانية؟
ما هو مؤكد أن الانقسام الحزبي والأيديولوجي بين الأميركيين وصل الى مستويات غير مسبوقة، وهذا سينعكس من دون أي شك في حملات الانتخابات العامة. هناك أيضاً اهتمام حزبي غير مسبوق في هذه الانتخابات، بحسب استطلاع مشترك بين وكالة "أسوشييتد برس" و"مركز أبحاث الشؤون العامة"، حيث الاهتمام بمتابعة الانتخابات بلغ نسبة 82 في المائة بين الديمقراطيين و74 في المائة بين الجمهوريين. مستوى القلق عند الديمقراطيين في الاستطلاع نفسه يصل الى 67 في المائة مقابل 45 في المائة بين الجمهوريين، بينما بلغ مستوى الإحباط 64 في المائة بين الديمقراطيين و49 في المائة بين الجمهوريين. هذه الأرقام تعكس مدى حاجة الديمقراطيين إلى قيادة تطمئن القاعدة أن الحزب جاهز وموحد لخوض معركة الفوز على ترامب في السباق الرئاسي.
في المقابل، يبدو أن حملة الرئيس لا يهمها استقطاب الناخبين المستقلين أو الناخبين الجمهوريين المعتدلين، بل تركز جهودها على حشد الأصوات المحافظة التي لم تقترع لترامب في انتخابات 2016. هذا يعني أن هذه النظرة السلبية أو الإيجابية حيال الرئيس في استطلاعات الرأي قد تبقى راسخة في عقل الناخب الأميركي، وقد يكون من الصعب تعديلها في سياق الحملات الانتخابية المقبلة، لكن هذا قد لا يكفي ليضمن فوز الديمقراطيين.